الجمعة 28 فبراير 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

دعوة أوجلان وأثرها على توازنات القوى الكردية في العراق وسوريا

عبد الله اوجلان
عبد الله اوجلان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

جاءت دعوة عبد الله أوجلان لحزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح وحل نفسه، في لحظة سياسية دقيقة، تعكس إعادة تشكيل المشهد الإقليمي في ظل تغيرات جوهرية، أبرزها سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ومحاولة أنقرة استكمال مشروعها لإعادة ترتيب العلاقة مع الأكراد بعد عقود من الصراع المسلح. ورغم أن هذه الدعوة قد تبدو خطوة إيجابية نحو إنهاء الصراع الكردي-التركي، إلا أنها تثير تساؤلات جوهرية حول جدواها، وفرص نجاحها، ومدى تقبل مختلف الفصائل الكردية لها.

 

السياق السياسي للدعوة

لا يمكن قراءة هذه الدعوة بمعزل عن الديناميكيات الإقليمية والدولية المتسارعة. فمنذ اعتقال أوجلان عام 1999، شهد الملف الكردي تحولات عميقة، ليس فقط في تركيا، ولكن أيضًا في العراق وسوريا، حيث بات للأكراد كيان سياسي شبه مستقل في العراق، ونفوذ عسكري وسياسي متنامٍ في شمال سوريا. ويأتي هذا البيان في أعقاب عرض أنقرة للسلام، وهو ما يعكس رغبة تركيا في إنهاء أحد أكثر الملفات استنزافًا لاقتصادها واستقرارها الداخلي.

كما أن توقيت هذه الدعوة يثير تساؤلات حول مدى تأثير البيئة السياسية الجديدة على قرار أوجلان، خصوصًا مع تراجع حزب العمال الكردستاني عن المطالب الانفصالية باتجاه مطالب الحكم الذاتي، وهو ما يعكس تغيرًا في أولوياته الاستراتيجية.

 

دلالات الدعوة: هل هي قناعة حقيقية أم مناورة سياسية؟

يمكن تفسير دعوة أوجلان في عدة اتجاهات:

    استجابة لضغوط تركية: من الواضح أن الحكومة التركية تسعى لاستغلال نفوذ أوجلان داخل الحزب لإضعافه داخليًا، خاصة بعد عدة محاولات سابقة لم تنجح في تفكيك التنظيم. ومن هنا، قد تكون هذه الدعوة جزءًا من استراتيجية أنقرة لضرب وحدة الحزب من الداخل، وجعل الانقسام في صفوفه أمرًا واقعًا.

    تحول استراتيجي في فكر الحزب: في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد عام 2015، تغيرت أولويات حزب العمال الكردستاني من السعي إلى الانفصال إلى تبني خطاب يركز على الحقوق والحكم الذاتي داخل الدولة التركية. وقد تكون دعوة أوجلان تعبيرًا عن هذا التحول، خصوصًا في ظل تنامي الدور السياسي لحزب "ديم" المؤيد للأكراد.

    محاولة لإنقاذ الحركة الكردية من العزلة: بعد تصاعد الضغوط العسكرية التركية على حزب العمال في العراق وسوريا، وتراجع الدعم الدولي له، قد يكون أوجلان يسعى إلى توفير مخرج للحزب عبر التحول إلى العمل السياسي السلمي، على غرار تجربة "الشين فين" في أيرلندا.

 

العقبات أمام نجاح المبادرة

رغم أن هذه الدعوة قد تفتح الباب أمام حلحلة الأزمة، إلا أن هناك تحديات رئيسية قد تعرقل نجاحها:

    موقف القيادة العسكرية لحزب العمال الكردستاني: على مدار عقود، كان الجناح العسكري للحزب هو صاحب القرار الفعلي، وليس أوجلان، الذي يقبع في السجن منذ 25 عامًا. ومن غير الواضح إن كان قادة الحزب الميدانيون في جبال قنديل سيلتزمون بدعوته أم لا، خصوصًا أنهم في مواجهة مفتوحة مع الجيش التركي في شمال العراق وسوريا.

    تعدد الكيانات الكردية وتباين أجنداتها: المشهد الكردي اليوم أكثر تعقيدًا مما كان عليه في تسعينيات القرن الماضي. فهناك حكومة إقليم كردستان العراق، وهناك وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، إلى جانب تيارات كردية أخرى تتبنى سياسات مختلفة. ومن غير الواضح إن كانت هذه الكيانات ستدعم دعوة أوجلان أم ستراها محاولة لتصفية الحزب في إطار تفاهمات تركية داخلية.

    الشكوك الكردية تجاه نوايا أنقرة: لم تكن هذه المرة الأولى التي تطرح فيها تركيا مبادرات سلام مع الأكراد، لكنها انتهت جميعها إما بالفشل أو بتجدد الصراع. لذا، قد يتعامل الكثير من الأكراد بحذر مع هذه الدعوة، خشية أن تكون مجرد فخ سياسي ينتهي بتصفية الحزب دون تقديم أي ضمانات حقيقية لحل القضية الكردية.

 

السيناريوهات المستقبلية

مع الأخذ في الاعتبار العوامل المذكورة أعلاه، يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات رئيسية لما قد يحدث بعد دعوة أوجلان:

    السيناريو المتفائل: يلتزم قادة حزب العمال الكردستاني بالدعوة، وتدخل تركيا في مفاوضات حقيقية مع الأكراد، مما يؤدي إلى إنهاء النزاع المسلح وإعطاء الأكراد مزيدًا من الحقوق السياسية والثقافية. وهذا السيناريو، رغم أنه الأقل احتمالًا، إلا أنه سيكون بمثابة نقطة تحول تاريخية في تركيا.

    السيناريو الواقعي: يتم رفض دعوة أوجلان من قبل القيادة العسكرية لحزب العمال الكردستاني، مما يؤدي إلى تصاعد الخلافات داخل الحزب بين مؤيد ومعارض للحل السياسي. وهذا قد يضعف الحزب داخليًا، لكنه لن ينهي وجوده، بل قد يدفعه إلى البحث عن تحالفات جديدة مع جهات إقليمية ودولية.

    السيناريو المتشائم: تستغل تركيا هذه الدعوة لشن حملة عسكرية مكثفة ضد الحزب في العراق وسوريا، تحت ذريعة أنه فقد شرعيته حتى من زعيمه التاريخي. وهذا السيناريو قد يؤدي إلى مزيد من العنف، ويجعل الحل السياسي أكثر تعقيدًا في المستقبل.

 

الخاتمة

بينما تبدو دعوة أوجلان خطوة كبيرة نحو إنهاء الصراع الكردي-التركي، إلا أن نجاحها يعتمد على عوامل معقدة، أبرزها مدى استجابة القادة العسكريين لحزب العمال، وطبيعة التنازلات التي قد تقدمها تركيا، وتأثير التوازنات الإقليمية على مستقبل القضية الكردية. وبالنظر إلى التاريخ الطويل لهذا النزاع، فإن أي حل سلمي يتطلب أكثر من مجرد بيان، بل يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وتوافق إقليمي ودولي يدعم الحقوق الكردية في إطار استقرار المنطقة.