هو شهاب الدين أبو العباس ، ولد فى مدينة مرسية فى الأندلس عام 616 هجرية الموافق 1219 ميلادية ، ومنها حصل على لقبه المرسي ، كان جده الأعلى قيس بن سعد بن عبادة أميرا على مصر من قبل سيدنا الامام على بن أبي طالب سنة 26 هجرية.
أرسله والده لتعلم القرآن الكريم والتفقه فى امور الدين ، وقد حفظ القرآن الكريم كاملًا فى سنة واحدة ، وتعلم بالأندلس اصول الفقه والقراءة والكتابة ، عمل بعد ذلك مع والده فى التجارة وكانت معظم أرباحه تذهب إلى جيوب الفقراء والمساكين ، وكان فى تلك الاثناء مستغرقا بقلبه فى ذكر الله ومنشغلا بطريق الحق والحقيقة ، اشتهر أبو العباس بالصدق والأمانة والعفة وكان قدوة للشباب فى التمسك باصول الدين ورعاية حقوق الله كما كان يكثر من الصيام وقيام الليل ، وقد ساهمت تلك النشأة فى إعداده لطريق الصوفية.
فى عام 640 هجرية 1242 ميلادية إعتزم والده الحج إلى بيت الله الحرام وصحبه معه مع أخيه وامهما ، وركبوا البحر عن طريق الجزائر حتى إذا ما كانوا على مقربة من شواطئ تونس هبت عاصفة أغرقت المركب بمن فيها غير أن عناية الله أنقذت أبو العباس وأخاه فقصدا تونس واتخذاها دارا لهم وهناك قابل المتصوف الشهير أبو الحسن الشاذلي.
يعتبر لقاء أبو العباس بأبا الحسن الشاذلي نقطة التحول الكبرى فى مسيرة حياته ، فقد رأى الشاذلي فيه فطرة طاهرة ونفسا خيرة وإستعدادا طيبا للاقبال على الله فغمره بعنايته وأخذ فى تربية ليكون خليفته من بعده وقال له قولته الشهيرة ( يا أبا العباس والله ما اصطحبتك إلا لتكون أنت أنا وأنا أنت ) ومن مأثورات أبى الحسن الشاذلي التى اشتهرت بين الصوفية قوله ( أبو العباس منذ نفذ إلى الله لم يحجب ولو طلب الحجاب لم يجده ، وأبو العباس بطرق السماء أعلم منه بطرق الأرض ) ، تزوج أبو العباس من كريمة الشاذلي فى عام 642 هجرية 1244 ميلادية.
انتقل الشاذلي إلى مصر عام 1244 ميلادية ، مصطحبا معه أبو العباس المرسي قاصدين الأسكندرية فى عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب ، ويقول أبو العباس المرسي ، لما قدمنا من تونس إلى الإسكندرية نزلنا عند عامود السواري واستقر مع شيخه بحى كوم الدكة ، أما دروس العلم والمجالس الصوفية فقد اختار لها الشاذلي المسجد المعروف حاليا بجامع العطارين حيث أقبل على دروسه جمع غفير من خواص الأسكندرية وعوامها.
استمر أبو العباس بصحبة شيخه الشاذلي حتى كانت وفاة الشاذلي سنة 656 هجرية 1258 ميلادية ، وكان عمر أبو العباس حينها أربعين سنة ، فصار خلفا لشيخه وظل يحمل لواء العلم والتصوف ، وقد تتلمذ على يديه الكثير من علماء عصره كالإمام البوصيري وإبن عطاء الله السكندري وياقوت العرش وابن اللبان والعز بن عبد السلام ، كما سطع نجم الطريقة الشاذلية فى الأفاق ، أربعة وأربعين عاما قضاهم أبو العباس المرسي بالأسكندرية حتى وفاته سنة 686 هجرية 1287 ميلادية ، حيث تم دفنه فى المقبرة التى بني عليها مسجده الحالي ، وهذه المقبرة كانت موضع لجبانة يدفن فيها أولياء الله الصالحين بمنطقة رأس التين ، حيث اقيم بناء على مدفنه ليتميز عن بقية القبور من حوله فصار البناء مزارا ، ثم صار مسجدا صغيرا بناه زين الدين القطان وأوقف عليه أوقافا ، كما اعيد بناء المسجد بعد ترميمه وتوسعته سنة 1189.
تعرض مسجد أبو العباس المرسي لفترات من الإهمال خاصة فى فترات وهن الأسكندرية قبل أن بتخذ صورته المعروفة حاليا ، والتي تعود لعهد الملك فؤاد الأول ، الذي أوكل مهمة إنشائه للمهندس الإيطالي ماريو روسي الذي كان مشرفا حينها على القصور الملكية ، وقد بدأ ماريو روسي فى بناء المسجد سنة 1933 ميلادية حيث استخدم فى بنائه الزخارف المميزة المعتمدة على الفن الاسلامي للعمارة المملوكية والأندلسية ، وقد اقيمت أول صلاة بالمسجد بعد افتتاحه سنة 1945 ميلادية ليصبح منذ ذلك التاريخ عنوانا شهيرا للأسكندرية وقبلة لزوارها الوافدين من كل بقاع الأرض.





