الزيارة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى إسبانيا، جاءت فى وقتها تماماً إذ التقى الملك فيليبى السادس ورئيس الوزراء الإسبانى وعددا من المسئولين الإسبان فى إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وإسبانيا، فى المجالات الاقتصادية والثقافية والأمنية، وخاصةً قضية غزة ودعم القضية الفلسطينية، ومحاولة تكوين حشد أوروبى من خلال إسبانيا ضد مخطط ترامب، وجاء هذا التحرك بالتزامن مع استضافة العاصمة السعودية الرياض لقاء عربيا مصغرا بمشاركة مصر والأردن والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجى الأخرى لمناقشة المقترح المصرى للتصدى لخطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المتعلقة بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، بالإضافة إلى بحث خطط تمويل إعادة إعمار القطاع المهدم. ويمكن القول إن هذه التحركات جاءت فى سياق الجهود العربية المشتركة للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني. وتظهر هذه التطورات التزام مصر الكامل من منطلق كونها الدولة الأكبر، فى القيام بدورها الإقليمى العربي، والعمل على تحقيق الاستقرار والسلام فى المنطقة من خلال التعاون مع الشركاء الدوليين والعرب كما فى لقاء الرئيس الأخير مع ملك إسبانيا ورئيس وزرائها، وجاءت كل هذه التحركات لتؤكد على رفض التهجير القسرى للفلسطينيين بشكل قاطع باعتبار ذلك خطاً أحمر لا يمكن التهاون فيه، فضلاً عن التنسيق بشأن إعمار القطاع المنكوب نتيجة العدوان الإسرائيلى، وأيضاً الضغط على المجتمع الدولى لوقف التصعيد والالتزام بإقامة الدولتين. إلى جانب تعزيز المساعدات الإنسانية وتسريع إدخال تلك المساعدات إلى غزة وضمان وصولها إلى المدنيين دون عوائق. وتساهم هذه التحركات فى ضمان الدعم الدولى للخطة المصرية والتخفيف على الفلسطينيين، ودعم موقفهم فى أى مفاوضات مستقبلية. وربما تسهم فى تحسين الوضع الإنسانى من خلال زيادة المساعدات، لكن نجاحها يعتمد على مدى استجابة إسرائيل والولايات المتحدة لهذه التحركات وهذا ما حدث بالفعل من تصريح ترامب الأخير، والذى وصف فيه مخططه المجنون بشأن تهجير الفلسطينيين بأنه مجرد توصية أو اقتراح غير ملزم لمصر والأردن!
ولكن على كل حال، إذا تم الاتفاق على آلية واضحة لإعادة الإعمار، فهى خطوة مهمة نحو تخفيف معاناة سكان غزة والحفاظ على الأمن القومى الاقليمى، فضلاً عن أن النتائج على أرض الواقع ستعتمد على مدى التزام الأطراف الدولية بتنفيذ التوصيات التى ستخرج بها القمة العربية المنتظرة بالقاهرة، بعد طرح المقترح المصرى، والذى يتضمن تمويلاً يصل إلى 20 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات من الدول الخليجية والعربية لدعم هذه الخطة البديلة فى ظل الإجماع العربى على رفض أى تهجير للفلسطينيين من غزة، مع ضرورة تحقيق السلام عبر إقامة دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل.
أعتقد أن الدور المصرى المحورى فى دعم القضية الفلسطينية وعدم تهجير سكان غزة وإقامة دولتين متجاورتين وتحركات القيادة السياسية لبحث حلول للأزمة الحالية، وزيارة الرئيس لإسبانيا للحشد الأوروبى ضد المخطط الأمريكى الإسرائيلي، قد ساهم فى انفراجة كبيرة فى الموقف والأزمة، أدى إلى تراجع موقف ترامب من التهجير فى تصريحاته التى وصفها بأنها مجرد توصية أو اقتراح غير ملزم لأى أحد!.. حفظ الله مصر وشعبها وقيادتها وجيشها، فهى الوطن الغالى الذى ليس لنا غيره.