كشفت أمريكا عن وجهها القبيح، من خلال تصريحات الرئيس دونالد ترامب في المؤتمر الصحفي الذي أعقب اجتماعه مع نتنياهو. أدلى ترامب بتصريحات غريبة وعجيبة، منحت رئيس وزراء الكيان الصهيوني أكثر مما كان يتمنى، وأفضل مما كان يحلم. لقد أنقذ ترامب إسرائيل من ورطتها في غزة، وانتشل نتنياهو من وحل فشله في تحقيق أهدافه المزعومة. تحدث ترامب عن حجم الدمار وبشاعته الذي حاق بالحجر والشجر والبشر في غزة، أخذ يهزي ذلك الترامب كأن ما حلَّ بغزة وأهلها كان ناجمًا عن كارثة طبيعية – زلزال أو بركان أو ما شابه – وغفل عن أن رئيس وزراء الكيان الغاصب الواقف بجواره هو المجرم الحقيقي الذي ارتكب هذه الجرائم، وبدلاً من أن يوجه إِصْبَع الاتهام إليه، أثنى عليه وبرَّأه من كل جرائمه التي ارتكبها بوحشية في حق أهلنا في غزة، ولأن ترامب لا يملك من الفطنة ما يليق برئيس دولة كبرى؛ فقد غَفَلَ أيضًا أو تغافل عن أن من منح إسرائيل أكثر من 80 ألف طن من المتفجرات التي أُلقيت على غزة هي الولايات المتحدة الأمريكية. وبدلاً من تعويض الفلسطينيين عما لحق بهم من موت ودمار وخراب، ويُكَفِّر عن جرائم بلاده التي دعمت إسرائيل في حربها الوحشية على القطاع، بدلاً من أن يفعل ذلك؛ صرَّح بضرورة تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، على ألا يعودوا إلى غزة مرة أخرى حتى بعد إعمارها. وأن الولايات المتحدة الأمريكية هى التي سوف تمتلك قطاع غزة.
كان جديرًا بهذا الرئيس الذي فقد بوصلة الحق والإنصاف – إذا كان حقًا مشفقًا على الشعب الفلسطيني – أن يدعو إلى حملة دولية لإعادة تعمير قطاع غزة وتعويض سكانه عما لحق بهم من أضرار وخسائر؛ على أن يكون إسهام الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل النصيب الأكبر من الكلفة المالية في عملية الإعمار.
لا شك أن نتنياهو نجح في القيام بعملية غسل دماغ ترامب مستخدمًا أساليبه الحقيرة المتمثلة في الغش والكذب والمكر والدهاء، وساعده على تحقيق مبتغاه ببلاهة وغرور الرئيس الأمريكي. وإذا نسينا فلن ننسى كذب نتنياهو على الرئيس الأمريكي السابق بايدن زاعمًا أن الفلسطينيين احرقوا - في السابع من أكتوبر 2023 - أطفالاً إسرائيليين حتى تفحموا، مما دفع بايدن للمجيء إلى تل أبيب مهرولاً، وكان أول رئيس أمريكي يزور إسرائيل في زمن الحرب. ومن ثمَّ ليس مستبعدًا أن يكون نتنياهو قد حقق بالمكر والخداع مع ترامب ما لم يحققه بالقوة العسكرية المفرطة.
جنون ما بعده جنون، ينظر ترامب إلى كوكب الأرض وكأنه رقعة شطرنج، يحرك من عليها كما يحلو له، وعلى نحو يرضي غروره وجنونه. إن إزهاق أرواح أكثر من خمسين ألف فلسطيني من سكان غزة وإصابة أكثر من مئة ألف، بالإضافة إلى تدمير القطاع وبنيته التحتية تدميرًا تامًا؛ كل هذه الخسائر لم يكتف ساكن البيت الأبيض بتجاهلها والقفز من فوقها، بل أمعن ترامب في جنونه، وأعلن استنكاره صغر مساحة إسرائيل مقارنةً بالمنطقة العربية المحيطة بها، ورأى ضرورة أن تكون مساحة إسرائيل أكثر اتساعًا مما هى عليه، وصرح بأنه يعتزم – بعد عدة أسابيع - إعلان موقفه؛ من قيام إسرائيل ضم الضفة الغربية لها!! ومن المرجح أنه سوف يوافق على ضم إسرائيل للضفة الغربية؛ ومما يدعم هذا الترجيح أن ترامب أمسك قلمًا، وذكر أن القلم يمثل مدى صغر مساحة إسرائيل قياسًا بالمنطقة العربية المحيطة بها؛ والتي شبهها بمساحة مكتبه البيضاوي.
ينظر ترامب إلى الفلسطينيين والعرب بوجه عام، بوصفهم كائنات أدنى من البشر، وهى النظرة ذاتها التي ينظر بها قادة الكيان الصهيوني إلى الفلسطينيين والعرب؛ ومن ثم يتحتم إجبارهم على الاستجابة صاغرين للقرارات التي يصدرها سيد البيت الأبيض؛ مهما كانت حقارتها وتفاهتها. إن ترامب وأمثاله ينظرون إلى المنطقة العربية وكأنها أرض لا أصحاب لها. إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تفهم سوى لغة القوة؛ وأوضح دليل على ذلك موقفها المهادن لكوريا الشمالية. إن أمريكا تتحاشى أي صدام مع دولة كوريا الشمالية، وتحاول دومًا أن تخفض لها جناح الذل خوفًا من القوة النووية الكورية. بل إن هذا الترامب أثناء ولايته الأولى سافر مهرولاً وصاغرًا لزيارة دولة كوريا الشمالية.
كان الأجدر بالرئيس الأمريكي ترامب أن يعتذر عما ارتكبته الإدارة الأمريكية السابقة عليه من جرائم في حق الشعب الفلسطيني بدعمها العسكري والسياسي والاقتصادي لإسرائيل في حرب الإبادة التي شنتها ضد الأطفال والنساء والسكان الآمنين في غزة، كان يجب على ترامب لو أن لديه ذرة عقل أو قدر ضئيل من الأخلاق أن يعتذر عما ارتكبته الإدارة الأمريكية السابقة؛ بدلاً من معاقبة الضحايا بتهجيرهم وإخراجهم من ديارهم بلا عودة.
عندما شاهدت المؤتمر الصحفي الذي جمع بين ترامب ونتنياهو؛ ورأيت طريقة ترامب وهو يتكلم بصلف وغرور عن ضرورة تهجير الفلسطينيين وامتلاك أمريكا لقطاع غزة؛ طرأت على ذهني صورة «راعي البقر cowboy» في أفلام هوليود وهو يمتطي صَهْوَة حصانه ويطلق النار على الهنود الحمر حتى أبادهم!!
أيها القارئ الكريم ترامب ليس إله هذا الكون حتى نعتقد أن لا راد لقضائه .. فضلاً عن أننا لسنا هنود حمر.
*أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس