برحيل الأستاذ والمفكر مصطفى بيومي، فقد الأدب والثقافة أحد أعمدته الصلبة، وخسر طلابه ومحبوه معلمًا لم يكن مجرد ناقل للمعرفة، بل عاشقًا لها، يبث فيها روحه ويمنحها حياةً تتجاوز الكلمات. لم يكن مجرد أستاذ، بل كان فكرًا متجسدًا، يضيء العقول والقلوب بشغف لم يخفت يومًا.
أتذكر جيدًا، فى إحدى محطات حياتي، حين كنت أستعد لامتحان مهم، وكان الأدب العربى محورًا أساسيًا فيه، قاعدة لا غنى لى عنها. وقتها، قال لى والدي: "سأتصل بعمك مصطفى". ولم تمضِ سوى لحظات حتى وجدته أكثر من مرحّب بمساعدتي.
ما حدث لم يكن درسًا تقليديًا.. كان تجربة مختلفة تمامًا. حين تحدث عن "يوميات نائب فى الأرياف" و"قنديل أم هاشم"، لم يكن يسردها كنصوص تُحفظ فقط، بل كان يعيشها بكل كيانه. شعرت وكأن شخصيات الروايات تخرج من الصفحات وتجالسه. رأيت فى عينيه وهجًا لا ينطفئ، شغفًا نادرًا، وكأن الكلمات تمتزج بروحه قبل أن تصل إلى قلمه أو حديثه.
لم أحظَ بفرصة قضاء سنوات طويلة معه كما فعل بقية أفراد عائلتي، لكن رغم قصر الوقت الذى جمعنى به، ترك بصمة لا تُنسى. كلماته لا تزال حاضرة فى ذاكرتي، يتردد صداها داخلي، وكأن صوته لم يغب يومًا.
مصطفى بيومى لم يكن مجرد أستاذ أو مفكر، بل كان ظاهرة ثقافية تعكس عمق الأدب والفكر العربي. أعماله وأفكاره لمست أجيالًا، وزرعت فيهم حب الأدب وشغف المعرفة. رحيله لا يمثل مجرد خسارة شخصية، بل خسارة فكرية وثقافية تمتد لكل من عرفه أو تتلمذ على يديه.
لكنه، وإن غاب الجسد، سيظل أثره خالدًا فى كلماته التى علّمنا بها، فى شغفه الذى زرعه فينا، وفى بصمته التى لن تمحوها الأيام. وداعًا يا من كنت رواية تمشى بيننا، ويا من بقيت حيًا فى كل سطر كتبته وفى كل قلب أحبك. رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته.
![](/Upload/libfiles/748/8/261.jpg)