احتار الناس في أنظمة التعليم المتغيرة بتغير كل وزير للتعليم، بعد أن باتت هذه الأنظمة التعليمية مرتبطة بوجود الوزير من عدمه، وآخر تعديل لنظام التعليم هو ما طرحه الوزير الحالي والمعروف بالبكالوريا، وهو المسمى القديم لشهادة التعليم الأساسي حتى مرحلة الثانوية العامة.
ونظام البكالوريا هو نموذج تعليمي مختلف عن النظام التقليدي القائم على امتحان الثانوية العامة الموحد. يعتمد على التقييم المستمر وتوسيع مجالات التعلم، ويهدف إلى إعداد الطلاب بمهارات تتجاوز الحفظ والتلقين.
ومن أهم ملامح نظام البكالوريا الجديد، التقييم المتعدد، وهو لا يعتمد فقط على امتحان نهائي، بل يشمل اختبارات دورية، مشاريع بحثية، أنشطة تطبيقية، وأعمال سنة. فضلا عن تنوع المواد والتخصصات، حيث يتيح للطالب اختيار مواد تتناسب مع ميوله، بدلا من التقسيم التقليدي (علمي/أدبي). ويركز النظام المطروح على مهارات التفكير النقدي، البحث، التحليل، وحل المشكلات.
ويساعد الطلاب على اكتساب مهارات عملية وعلمية تؤهلهم للحياة الجامعية وسوق العمل، بدلا من مجرد النجاح في امتحان واحد حاسم.
ويشبه أنظمة مثل البكالوريا الدولية (IB) أو نظام SAT الأمريكي، حيث يتم تقييم الطالب على مدار سنوات الدراسة وليس في امتحان واحد. ولكن السؤال هنا وهو هل المجتمع وأولياء الأمور مستعدون لتغيير ثقافة "المجموع"؟! وهل الجامعات ستتقبل هذا النظام في القبول؟وهل هناك إمكانيات لتدريب المعلمين وتأهيل المدارس لتطبيقه بنجاح؟!.
إجابة هذا السؤال تعتمد على كيفية تطبيق نظام البكالوريا الجديدة ومدى استعداد المجتمع التعليمي له. لكنه من حيث المبدأ يمكن أن يكون هذا النظام في صالح التعليم أكثر من كونه ضده، بشرط التنفيذ الصحيح له!.
والسؤال هنا هو كيف يمكن أن يكون في صالح التعليم؟ فلا بد من الانتقال من ثقافة الحفظ إلى الفهم والتطبيق، كما أن النظام التقليدي يركز على تحصيل الدرجات، بينما البكالوريا تشجع الفهم، التحليل، والبحث وتنمية مهارات التفكير النقدي والابتكار بدلًا من مجرد تكرار المعلومات، يتعلم الطلاب كيفية البحث عن المعلومة وتحليلها.وإتاحة فرص عادلة للطلاب، خاصة الذين لا يجيدون الحفظ قد يجدون فرصا للتفوق من خلال المشاريع والأنشطة التطبيقية وتخفيف الضغط النفسي عن الطلاب
وبدلا من أن يحدد امتحان واحد مصير الطالب، يصبح هناك تقييم مستمر يوزع الضغط على مدار العام، كما أن تأهيل الطالب لسوق العمل في ظل هذا النظام التعليمي يعتمد على مهارات عملية تجعل الطالب أكثر جاهزية للدراسة الجامعية والمجالات المهنية.
ولكن هناك تحديات تمنع نجاح هذا النظام برأيي ومن أبرزها عدم جاهزية البنية التحتية للمدارس ذات الأوضاع الفقيرة، كما أن تطبيقه يحتاج إلى تطوير المناهج، تدريب المعلمين، وتحديث طرق التقييم.فضلا عن أن الكثيرين معتادون على فكرة "المجموع" كمعيار وحيد لتقييم الطلاب، ما قد يسبب مقاومة للتغيير !
كما أن المدارس الخاصة قد تطبقه بكفاءة، بينما المدارس الحكومية قد تعاني من نقص الموارد. وهناك مخاوف من العدالة في التقييم، فضلا عن أن الاعتماد على التقييم المستمر قد يثير مخاوف حول النزاهة والموضوعية، خاصة إذا لم يكن هناك معايير واضحة.
لذلك فإذا تم تطبيقه بشكل مدروس مع توفير البنية التحتية والتوعية الكافية، سيكون في صالح التعليم. أما إذا تم فرضه دون استعداد كامل، فقد يواجه مشاكل تؤثر على جودته.. وتعود بنا الي المربع صفر في التعليم!