فى حى شعبى بأبو النمرس جنوب محافظة الجيزة، حيث الأزقة الضيقة والمنازل المتلاصقة، عاش "عاشور ح"، رجل بسيط أفنى عمره فى العمل كحرفى ليؤمن قوت يومه وأسرته، لم يكن يملك الكثير، لكنه كان يملك قلبًا أبيض ويدًا لم تبخل يومًا على أحد.
ومع تقدّم العمر، بدأ يشعر بأن سنواته تتسرب منه دون أن يحقق حلمه الأكبر أن يرى ابنه الوحيد "محمد"، رجلًا يعتمد على نفسه ويكوّن أسرة.
يا ابنى روح اشتغل وافتح بيت
كانت هذه الجملة تتكرر فى كل مرة يجلسان معًا، لم يكن "محمد" يستقبلها بنفس الحنان الذى نطقها به والده، بل كانت كلمات الأب كالسياط تلهب إحساسه بالفشل، وتُذكّره بعجزه عن تحقيق شيء فى حياته، لم يكن كسولًا، لكنه لم يجد فى الحياة بابًا مفتوحًا له، وكأن الأقدار تكالبت عليه.
فى ليلة الحادثة، اشتد النقاش بينهما، كانت عين الأب مليئة بالحزن والغضب، وكان صوته مرتعشًا ليس من الخوف، بل من الخيبة "إنت مش صغير يا محمد، لحد إمتى هتفضل عاطل؟!، يا ابنى روح اشتغل وافتح بيت.
لم يتحمل محمد الشعور بالقهر، كانت يداه ترتجفان وهو يبحث عن أى شيء يسكّن نار الغضب بداخله، وقع نظره على زجاجة ماء النار التى كانت موضوعة على رف قديم فى المطبخ، لم يفكر، لم يتردد، وكأن الشيطان أمسك بيده، انطلق نحو والده، وبكل قسوة ألقى السائل الحارق عليه.
صرخة مدوية ملأت المكان، صرخة رجل لم يكن يتوقع أن يكون موته على يد أعز ما يملك، شعر "عاشور" بالنار تلتهم جسده، لكنه لم يكن يصرخ من الألم بقدر ما كان يصرخ من الصدمة، كيف لابنه الوحيد أن يفعل به ذلك؟ كيف لمن حمله بين ذراعيه صغيرًا أن ينهى حياته بهذه الوحشية؟.
سقط الأب أرضًا، بينما تجمّد الابن فى مكانه، بدأ يراقب والده وهو يتلوى من الألم، لكن قدمه لم تتحرك، ويداه لم تمتدّا لمساعدته، كان عقله مشوشًا، يدور فى دوامة من الذهول والرعب.
لم تمضِ سوى دقائق حتى كان الجيران يطرقون الباب بقوة، دخلوا ليجدوا الأب مسجى على الأرض وجسده المتفحم يروى مأساة صامتة، أما الابن فكان واقفًا هناك، محاصرًا بجريمته، بعينيه الزائغتين وقلبه المثقل بالندم، لكنه ندم جاء متأخرًا.
لم يكن والده عدوه
عندما حضرت الشرطة، لم يقاوم، لم يحاول الفرار، كان يعلم أن نهايته قد كُتبت بلحظة طيش، بلحظة غضب أعمته عن الحقيقة الوحيدة التى أدركها الآن، لم يكن والده عدوه، بل كان الشخص الوحيد الذى خاف عليه، الشخص الوحيد الذى كان مستعدًا للتضحية من أجله.
تلقى المقدم مصطفى المهدى رئيس مباحث مركز شرطة أبو النمرس بمديرية أمن الجيزة، إشارة من غرفة عمليات النجدة مفادها العثور على جثة أحد الأشخاص متوفى داخل منزله بدائرة المركز، وعلى الفور انتقلت الأجهزة الأمنية إلى محل البلاغ وبالفحص تبين العثور على جثة "عاشور" ٥٥ سنة، به آثار حروق متفرقة بالجسد نتيجة اعتداء بمية نار، جرى نقل الجثة إلى ثلاجة المستشفى تحت تصرف النيابة العامة.
وبعمل التحريات تبين أن وراء ارتكاب الواقعة عاطل نجل المجنى عليه بسبب قيام الضحية بتوبيخ المتهم لكونه بدون عمل ومطالبته بالبحث عن عمل له، وعقب تقنين الإجراءات واستصدار أذن مسبق من النيابة العامة أمكن ضبط المتهم واقتياده إلى ديوان المركز وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة وسكب مية نار على والده فى مشاجرة نشبت بينهما.
قرارات النيابة
وتم اتخاذ كل الإجراءات اللازمة حيال الواقعة وبالعرض على النيابة العامة والتى أمرت بانتداب طبيبا شرعيا لتشريح جثمان المجنى عليه وإعداد تقرير واف عن كيفية وأسباب الوفاة وصرحت بالدفن عقب بيان الصفة التشريحية لها وتسليم الجثمان لذويه لاستكمال إجراءات الدفن، مع مراعاة استكمال تحريات المباحث حول الواقعة والاستماع إلى أقوال الشهود.
كما واجهت النيابة المتهم بما أسفرت عنه التحريات والضبط أقر بصحتها وعليه أمرت النيابة بحبسه ٤ أيام احتياطيا على ذمة التحقيقات وجدد قاضى المعارضات حبسه ١٥ يوما آخرين، واصطحب فريق من النيابة العامة بجنوب الجيزة المتهم إلى مسرح الجريمة لإجراء معاينة تصويرية وتمثيل جريمته وطلبت النيابة تحريات المباحث التكميلية حول الواقعة وجار استكمال التحقيقات
حوادث وقضايا
"يا عاطل" تقود شابا لقتل والده بـ"مية نار" في أبو النمرس
![صورة أرشيفية](/themes/bawaba/assets/images/no.jpg)
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق