فى مدينة السادات بالمنوفية، ترعرع «أحمد عبدربه» بين أهله، شابٌ طموح، ما لبث أن شدّ ساعده حتى رحل إلى القاهرة الكبرى، وبالتحديد منطقة بولاق الدكرور بالجيزة، ليبدأ فصلًا جديدًا من حياته مليئًا بالتحديات، هناك، بين أزقة كفر العسيلي، اشتهر بلقب «عقرب»؛ نظرًا لمهارته الفنية فى إصلاح الساعات والآلات الدقيقة، وتفوقه فى صيانة المحمول وتركيب كاميرات المراقبة.
لم تكن حياة «عقرب» مفروشة بالورود، بل كانت مليئة بالضغوط والصعوبات، فقبل وفاته بعامين، تلقى خبرًا مفجعًا بمقتل شقيقه تاجر الخردة بطريقة مأساوية، وقبلها، كان قد انفصل عن زوجته أم أولاده الأربعة.
ابتسامة وسط الدموع
وسط هذه الآلام، وجد «عقرب» فى زواجه الثانى ملاذه الآمن وحب حياته، عوضًا عن سنوات الشقاء التى مر بها، بعد زواجه من سيدة تُدعى “ ن” فقد كان سعيدًا بحياته الجديدة معها، خاصة بعد أن رُزق منها بطفلة، عاش معها أوقاتًا مليئة بالحب وشاركهـا الخروجات والفسح والترويح عن النفس، وتقرب من أهلها الذين اعتبروه ابنهم وليس زوج بنتهم. وكانت زوجته خير سند له، ساعدته كثيرًا فى تحسين أوضاعه النفسية والمعيشية، وهونت عليه كثيرًا متاعب الحياة، وبينما كانت الأمور تسير على ما يرام، أتت الرياح بما لا تشتهيه السفن، فقد انقلبت حياته رأسًا على عقب بنهاية مأساوية غير متوقعة.
هواية الصيد
بالرغم من أن المصدر الرئيسى للقمة عيش “أحمد عقرب” هو عمله فى مجال الساعات والآلات الدقيقة كان، إلا أن شغفه الحقيقى كان الصيد. فقد أنشأ جروب "مجانين صيد" على فيسبوك، الذى ضم مئات الآلاف من محبى الصيد فى مصر، وكان هو مديره، لكن هذه الهواية التى أدمنها، كانت السبب وراء نهايته المأساوية.
الرحلة الأخيرة
"كان مع أصحابه فى رحلة صيد كعادته واتعرض للغدر".. تلك الكلمات كانت ملخص الجريمة التى أثارت حزن محبى "أحمد عقرب" وتصدر اسمه تريند "فيس بوك" بهاشتاج "حق أحمد عقرب"، وتداول المئات منشورات بالعزاء لأسرته وأطفاله الخمسة.
دقيقة محمول
وبينت التحريات أن المجنى عليه أحمد عقرب أدمن جروب "مجانين صيد" اعتاد التواجد برفقة أصدقائه على شاطئ نهر النيل فى قرية المساندة بالعياط لممارسة هواية صيد الأسماك حيث يكونون "جروب" لهواة الصيد من مناطق مختلفة بين بولاق الدكرور وكرداسة بالجيزة والأميرية بالقاهرة.
وأنه أثناء تواجدهم أمس الأول على شاطئ النيل فجرًا حضر إليهم شابان يستقلان مركب وسط المياه وطلبا منهم هاتف محمول لإجراء مكالمة قائلين: "عايزين نطلب أكل ممكن تليفون نعمل دقيقة بس". وأضافت التحريات، أن أحمد عقرب هو من تطوع وأعطاهم هاتفه بحسن نية فأخذه أحدهما ولاحظ ابتعاد المركب، حيث قام الآخر بالتجديف للابتعاد عن الشاطئ مستولين على الهاتف فقفز على المركب محاولاً انتزاع هاتفه منهما. إلا أنه حدث بينهم اشتباك بالأيدى وقاوم "عقرب" لإعادة الهاتف إلا أن المتهمين حاصراه وقاما بدفعه ليسقط فى المياه وابتعدا بالمركب تاركينه يغرق بعيدا عن الشاطئ ولم يتمكن أصدقاؤه من إنقاذه، حيث إنه اختفى وسط المياه والظلام وغرق سريعًا خاصة أنه لا يستطيع السباحة.
العثور على الجثة
وأبلغ أصدقاء المجنى عليه الشرطة وتم الدفع بقوات الإنقاذ النهرى ورجال الضفادع البشرية واستمرت عملية البحث عن جثمان المجنى عليه لمدة ٢٤ ساعة، انتهت بانتشاله على مسافة كيلو من مكان الحادث، وتم نقله إلى ثلاجة الموتى بالمستشفى تحت تصرف النيابة العامة.
تحرر المحضر بالواقعة وأخطرت النيابة العامة التى باشرت التحقيق وصرحت بدفن جثمان "أحمد عقرب" بعدما أفاد الكشف الطبى المبدئى لمفتش الصحة ومناظرة النيابة العامة خلو الجثة من الاصابات أو الطعنات وأن سبب الوفاة إسفكسيا الغرق، وفيما بعد تم القبض على المتهمين وتبين أنهم شقيقان يعملان فى الصيد. وبالأمس قضت الدائرة الأولى جنايات الجيزة بمحكمة جنوب الجيزة، بمعاقبة صيادين شقيقين، بالسجن المشدد ١٥عامًا لاتهامهما بالتخلص من "بائع ساعات" مقيم بدائرة بولاق الدكرور، غرقًا وسط مياه النيل بالعياط، وذلك بعدما سرقا هاتفه المحمول.
وكشفت النيابة العامة فى تحقيقاتها بهذه القضية التى حملت رقم ٦٦٩٥ لسنة ٢٠٢٤ جنايات العياط المُقيدة برقم ١٦٤٦ لسنة ٢٠٢٤ كُلى جنوب الجيزة، أن "محمد. س"، وشقيقه "أحمد. س" صيادين، فى يوم ١١/٥/٢٠٢٤ ، بدائرة مركز شرطة العياط جنوب الجيزة، قتلا المجنى عليه "أحمد عبدربه"، بائع ساعات شهرته "عقرب"، عمدًا بغية الفرار بمسروقاته.
المتهمون لم يستجيبوا لتوسلات الضحية
فما أن أتما جرمُهما وأحكما قبضتهما على المسروقات "هاتف محمول"، حتى ظفرا بالضحية وحيدًا بقاربهما وألقيا به بمياه نهر النيل قاصدين إزهاق روحه غير عابئين بتوسلاته، محدقين به حال معاركته للمياه إلى أن خارت قواه ولاقى حتفه غرقًا موقنين إتمام جرمهما، على النحو المبين تفصيلًا بالتحقيقات.
خطة محكمة
واستجوبت النيابة الشقيقان المتهمان واللذين أكدا أنهما يعملا صيادين فى منطقة المساندة ونظرًا لظروفهما المتقلبة، رسما خطة مُحكمة لسرقة هاتف محمول من أحد هواة الصيد على ضفاف نيل النيل بقرية المساندة جنوب العياط، فتقابلا مع المجنى عليه "عقرب" وطلبا منه مكالمة من هاتفه لمهاتفة أحد المطاعم بحجة شراء وجبة طعام، وما أن حصل على المحمول لاذا بالفرار. إلا أن المجنى عليه قفز داخل القارب قبل هروب الصيادين، فسقط فى مياه النيل وطلب من المتهم الثانى "محمد" إنقاذه لشعوره بالغرق، لكنهما أغرقاه خشية ضبطهما من قبل الأهالي. وأحال المستشار محمود غيطاس، المحامى العام الأول المحامى العام الأول جنوب الجيزة الكلية، المتهمين إلى محكمة الجنايات العاجلة، والتى أصدرت قرارها بالسجن المشدد ١٥ عامًا للمتهمين، لما أسند إليهما من تهم.