استضافت القاعة الرئيسية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ضمن فعاليات اللقاء الفكري، لقاء بعنوان "حالة المعرفة في عالم متغير"، والذي يحل الكاتب الصحفي أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، ضيفا عليه؛ وأدارت اللقاء الإعلامية ريهام الديب.
وفي تقديمها، قالت الإعلامية ريهام الديب إن معرض القاهرة الدولي للكتاب هو الفعالية الثقافية الأكثر أهمية في العالم العربي. لذلك لابد أن تتناول المتغيرات المتسارعة حولنا؛ وأن العنوان يعبر عما نعيشه الآن في عالم معقد ومتغير سياسيا وجغرافيا، ما يجعل هناك أهمية لصناعة الوعي بعيدا عن الأخبار الزائفة.
ولفتت الديب إلى أن الوعي لدى الشعب المصري بدا في التظاهرة المؤيدة للقيادة المصرية الرافضة لتهجير الشعب الفلسطيني أراضيه.
تغييرات كبرى
في حديثه، بدأ المسلماني بالقول إن عام 1492 شهد اكتشاف الأمريكتين كان متغير رئيسي في تأسيس العالم الذي نعيش فيه، وبالتزامن في العام نفسه خرج المسلمون من الأندلس، فبدأ تغيير آخر في العالم الإسلامي، كما شهدت الفترة نفسها اكتشاف آخر غير العالم وهو الوصول لطريق رأس الرجاء الصالح، الذي أدى إلى تضرر لمصالح مصر في ذلك الوقت.
وفي 1648 انتهت حرب مذهبية في أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت هي حرب الثلاثين عاما، وكانت الأساس لفكرة الدولة الوطنية أو الدولة القومية المعاصرة.
وأضاف: في 1815 كان نابليون بونابرت ليكتسح أوروبا لولا أوقفه تحالف كبير، بعدها اجتمعت دول أوروبا لتوقع معاهدة فيينا، والتي تعتبر أطول معاهدة سلام قائمة باستثناء بعض الخروقات.
وسرد المسلماني للحضور، بحكاية بسيطة، كيف تشكلت القوى الدولية المعاصرة في الغرب، كدا أن الثقافة هي المحرك الرئيسي للتاريخ، وأن بدء الحرب العالمية الأولى والثانية والفاشية والنازية وغيرها هي نتاج نظريات ثقافية سياسية.
صعود وهبوط
أكد رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، أن مؤرخو السياسية يرون أن القرن التاسع عشر كان بريطانيا والعشرون أمريكيا، أما القرن الحادي والعشرين فقد يكون القرن الأمريكي الثاني، أو قرنا صينيا، أو مختلطا.
وأشار المسلماني، إلى أنه من معالم النظام العالمي الجديد صعود الصين على مستويات عدة وصاحبة طموح كبير هي دولة نووية "ورغم أن الصين تدعي أن لديها بضع رؤوس نووية لكن أمريكا ترى أنها لن تتوانى حتى تصل لنفس العدد الموجود لدى أمريكا وروسيا" . وأكد أن سياسة الصين هي الصبر الاستراتيجي طويل المدى، وتسعى لاستعادة تايوان كما انتزعت هونج كونج من البريطانيين ومكاو من البرتغال، ولن تتوانى عن أهدافها.
وأضاف: "الصين كذلك لديها مشروع اقتصادي ضخم تتعامل معه بمنطق الاقتصاد وليس السياسة الفظة. في الوقت نفسه يقوم الصينيون بإحياء تقاليدهم وثقافتهم وأصالتهم وتراثهم الذي بات معلم أصيل في النهضة الصينية المعاصر؛ مشيرا إلى أنا الخوف الكبير الآن إذا انفلت الصراع الصيني الأمريكي أو خرج عن السيطرة.
كما لفت رئيس الهيئة الوطنية للإعلام إلى أن روسيا إمبراطورية قديمة منذ العهد القيصري ثم السوفييتي، وهذه الدولة والشاسعة لن تتراجع إلى الوراء، وفي روسيا يطرحون فكرة الأوراسية، والبعض يطرح فكرة الأوراسيات الثلاث.
أيضا، أوضح المسلماني أن الهند أصبحت من أهم اقتصاديات عالم اليوم بسبب البحث العلمي والتعليم. ولديهم أحد أهم المعاهد التكنولوجية في العالم، وأن هذا ما دفعها لبدء التفكير في نفوذ جيوسياسي يتوائم مع النمو الاقتصادي.
وأشار إلى أن كوريا الجنوبية، التي كانت حتى عقود قليلة تنفي أن لديها تجربة أو رؤية خاصة، استطاعت الآن أن تحتل مكانة مرموقة في عالم اليوم.
أيضا، أوضح أنه في مقابل صعود العديد من القوى الدولية، هناك صعود آخر لليمين المتطرف في أوروبا في عالم اليوم، خاصة بعد أن بدأت نسبة السكان البيض وعدد مؤمنين الديانة المسيحية في التراجع، مثلما بدا جليا في بريطانيا التي لم تعد فيها نسبة المسيحية أكبر من 50% وصار اللادينيين هم النسبة الأكبر، وكذلك في هولندا.
وأشار إلى انتشار "المسيحية الثقافية" في الغرب، وهي انتماء ثقافي وليس تدين ولكن بمجرد الحفاظ على الهوية؛ وأن أبرز هؤلاء رجل الأعمال الأمريكي وعملاق التكنولوجيا إيلون ماسك. بينما في المقابل يحاول المؤمنين السيطرة على موجة انتشار الإلحاد في الغرب.
عالم اللا يقين
وقال: "إننا نعيش في عالم اللا يقين، والذي أصبح فيه المجهول أكبر من المعلوم، وصار اتخاذ القرار أصعب.
ولفت المسلماني إلى أن هذا النظام العالمي لا يبالي، والساسة الكبار فيه لا يقرأون المشهد بدقة ولا يهتمون، مثلما فعل الأمريكيون في العراق، وفقط بعد الاحتلال اعتذرت الصحف الأمريكية، وفي فيتنام فقط اعتذر أوباما.
وأضاف: أنا قابلت الجنرال الأمريكي الذي قاد حرب فيتنام، وسألته عن الذي فعلته الولايات المتحدة هناك، فقال لي إننا اعتذرنا ولم يعد هناك ما يمكن فعله. بالمثل، قابلت آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي ميخائيل جورباتشوف، وسألته عن سياساته الإصلاحية التي أدت لانهيار روسيا، فقال لي: لقد حاولت لكني فشلت. هكذا يتعامل قادة العالم بهذه الطريقة من اللامسؤولية.
العلم والقوة الناعمة
أكد رئيس الهيئة الوطنية للإعلام أن الثقافة هي المحرك الرئيس للتاريخ، مشيرا إلى أن
قيمة الاقتصاد الإبداعي في العالم بلغت 3 تيرليون دولار، منها ترليون في الولايات المتحدة وحدها؛ ولفت إلى أهمية تنمية الاقتصاد الإبداعي في مصر، كأحد أبرز عوامل القوة الناعمة.
وقال: "نحن من أكبر دول العالم في القوة الناعمة؛ وإذا أردنا تقديمها للعالم اقترح ما أطلق عليه" المربع الذهبي"؛ أول أضلاعه هو العالم العربي،
مصر هي قائدة الحداثة في العالم العربي، والتي أسست ولا زالت، وسوف تستمر، في مشروعها الإبداعي الرائد الثقافي والفني.
أيضا، هناك العالم الإسلامي، فنحن حين نخاطب قرابة الملياري مسلم، فنحن نخاطبهم عبر الأزهر الشريف وهو المرجعية الأكبر والمؤسسة الأهم في العالم الإسلامي".
وأضاف:" وحين نخاطب العالم المسيحي، لدينا مسار العائلة المقدسة، ونفخر بأنهم أقاموا في مصر لمدة ثلاث سنوات ونصف. أما لو أردنا مخاطبة العالم كله، فنحن لدينا حضارتنا المصرية القديمة المهلة. بهذه العوامل يمكن مخاطبة العالم كقوة ناعمة.
وتطرق المسلماني في حديثه إلى أهمية مواكبة التطور العلمي، وقال إنه حين انتهت الحرب العالمية الثانية قيل إن علماء الرياضيات هم الذين فازوا بالحرب ولولاهم لما انتصرت جيوش الحلفاء؛ داعيا إلى عدم الانسياق وراء الخرافات، وذكر أنه عندما اكتشف البريطانيون الرادار ظهرت إشاعة بأنهم "أكلوا الجزر" فصار نظرهم أقوى.
وقال: "لا يزال العلماء يحكمون العالم. لا أريد أن يصدق الناس خرافات الماسونية والحكومات السرية وغيرها. إن من يحكم العالم هم العلماء في الفيزياء والكيمياء والرياضيات، الذين يبتكرون الاختراعات ويطورون التكنولوجيا".
وأكد رئيس الهيئة الوطنية للإعلام أن خريطة العلم هي خريطة القوة الحقيقة في العالم، وأن مصر لديها علماء بارعين.
وضمن حديثه عن التطور العلمي، ضرب المسلماني مثالا بعلوم البيولوجيا الجزيئية التي تطورت بشكل ضخم خلال الأعوام السابقة، ويمكن أن تؤدي إلى" اختراقات كبرى أو كوارث كبرى في المستقبل"، وفق تعبيره؛ مشيرا إلى ابتكارات مثل المقص الجيني "الذي قيل إن التوصل إليه يغير في قوانين الحياة"، والعمل الذي يقوم به الملياردير الأمريكي جيف بيزوس، الذي يسعى لمواجهة الشيخوخة بعد أن ألهمه وفريقه ارتفاع مستويات العمر في اليابان.
وأكد المسلماني أن خطورة هذا تكمن في أن من يقدر على هذا يمكنه شن حروب بيولوجية وجينية يمكن أن تقضي على الإنسان. لذلك يجب أن نكون على هذا الدرب من التطور.
دعم القضية الفلسطينية
خلال حديثه عن القضايا الراهنة، أكد المسلماني أن هناك موجة إحباط ويأس تسود بين كثيرين من أبناء الشعب المصري، محذرا من أن اليأس "سلاح دمار شامل"، وأن الاستسلام له هو استسلام للعدو. مؤكدا أنه يجب أن نتحلى بالأمل ، والحركة دوما هي ما يعطي الأمل.و أضاف أنموقف مصر وشعبها والنبلاء الأحرار في العالم ساند الشعب الفلسطيني على الصمود والوقوف في وجه مخططات التهجير.
وقال: "بعد كل ما فعله الاحتلال الإسرائيلي، ومساعيه لتفريغ الأرض من أصحابها، اتجه الغزيون شمالا فور وقف إطلاق النار ليعودوا إلى بيوتهم حتى لو كانت تهدمت".
وأكد رئيس الهيئة الوطنية للإعلام أن الموقف المصري ضد تهجير الفلسطينين، وقد عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي بكلمات واضحة، كما أن الدعم المؤسسي للشعب الفلسطيني تستمر به أجهزة الدولة، والموقف الشعبي بدا واضحا في التظاهرة الشعبية عند معبر رفح.
وأكد المسلماني أن هناك محاولات للضغط ليرى الآخر إن كنا سنغير موقفنا أم لا، لكن السياسة والمساندة المصرية راسخة.
عودة ماسبيرو
شدد المسلماني خلال حديثه على الجهود الساعية لإعادة ماسبيرو كما كان منبرا للإعلام المصري والعربي. مشيرا إلى وجود الكثير من التحديات، سواء داخل المبنى أو خارجه.
وأضاف المسلماني، ردا على أسئلة جمهور اللقاء الفكري: "حاليا، نحن بين متطلبات شعبية تريد الوصول للصورة المثلى والأداء الأفضل في أسرع وقت، وبين متطلبات داخلية اقتصادية في ماسبيرو نفسه، وتعقيدات إدارية يجب حلها، ونسعى للقيام بهذه التكليفات من القيادة والشعب المصري على أتم وجه. لكن الإصلاح الداخلي سيستغرق وقتا.
وأكد: "لا نسعى لإعادة ماسبيرو في مصر فقط، بل نسعى لعودة ريادته عربيا وإفريقيا كذلك. ولأن الثقافة محرك رئيسي للدور الذي نقوم به، نعمل على تطوير القناة الثقافية، وسنزيد من جرعة المواد الثقافية في بقية القنوات؛ كما أن البرامج الموجهة للأطفال في الوقت الحالي من الخارج الكثير منها لا يناسب قيمنا. لذلك، سنعمل على إنتاج مواد جديدة للأطفال أو رفع كفاءة بعض البرامج".
وتابع: "بالنسبة للتوجيه الإفريقي، فقد عقدت اجتماع مع قيادات الإذاعات الموجهة، وقررت ترجمة عدد من أعمال الدراما المصرية للغتي السواحيلية والهوسا، وهما اللتان المحليتان الأكثر انتشارا في القارة، وهم مسلسلات "أم كلثوم" و"ليالي الحلمية"،
ومسلسل "الإمام الليث بن سعد" لأنه إمام المصريين ومحدث وفقيه كبير.