صدر حديثًا كتاب «جدة والآخرون.. قراءة فى الأهمية المكانية لمدينة جدة حتى بداية القرن العشرين» للدكتور محمد مسلم أنور نويلاتيُّ، عن دار متون المثقف للنشر والتوزيع، وهو من الدرسات التى تسلط الضوء على الجانب التاريخى والثقافى لمدينة جدة من خلال الجغرافيا السياسية لتلك المدينة العريقة، والتى تُعد من أهم المدن الساحلية فى الجزيرة العربية.
يقدم الكتاب دراسة تحليلية مُعمقة حول المكانية التارخية لمدينة جدة فى التاريخ الحديث والمعاصر، ويركز بشكل أساسى على تجربتها من البدية حتى القرن العشرين، ويناقش المؤلف كيف شكلت بوابة جدة الرئيسية للحرمين الشريفين مدخلًا فكريًا وثقافيًا، مما منحها مكانة محورية فى قلب العالم الإسلامي. كما يستعرض الباحث الدكتور محمد أنور نويلاتيُّ الدور الجغرافى لمدينة جدة كميناء رئيسى على ساحل البحر الأحمر، والذى يُعد ميناءها نقطة العبور الرئيسية للتجارة والمغادرة ومن وإلى جميع أنحاء العالم.
تتبع الدراسة واقع المدينة التى تحولت فى القرن العشرين إلى مركز تجارى عالمى وكيف بدأت نشطها التجارى فى العصر الإسلامى وحتى وصلت إلى وقتنا الحالى فجعلها مدينة عالمية ذات طابع ثقافى متنوع، مستعرضةً اللمسات الثقافية مع الآخرين، وكيف تفاعلت مدينة جدة مع الشعوب الأخرى، سواء عبر التجارة أو مواسم الحج أو الوفود الفكرية والثقافية الأخرى من خلال مبحث هام بعنوان «سكان جدة والزوار»، مما يضيفى على المدينة طابعًا حضاريًا متعدد الثقافات والحضارات مع احتفاظها بطابعها الأصيل وثقافتها الرصينة.
وتناول الكتاب الاستثمارات الاقتصادية التى تميزت بها مدينة جدة، من التجارة البحرية إلى الخدمات المتعلقة بالحج، ليظهر لنا المؤلف كيف يمكن تفاعل سكان جدة مع التجارة المحلية والإقليمية والعالمية، مما يُسهم فى تعزيز مكانتها كمركز تجارى عالمي.
حاول الباحث أن يرسم ملامح الشخصية الثقافية لمجتمع جدة عبر العصور ضمن الهوية الوطنية السعودية الجامعة، والبنايات الهندسية الحديثة مع التركيز على تصميمها الداخلى وأسواقها وعمارتها التقليدية، التى تؤمن هويتها الحضارية.
يعتمد المؤلف على مجموعة من المصادر التاريخية والجغرافية، بالإضافة إلى السجلات والشهادات الشعبية المعاصرة، ويركز على تناولات تحليلية متعددة بين الجغرافيا التاريخية والأنثروبولوجية، مما يتيح قراءة شاملة لأهمية مدينة جدة فى فتراتها المختلفة.
ويُعد الكتاب فرع هام من فروع الجغرافيا السياسية، ويقدم رؤية عميقة للإدارة الخارجية للمدينة، بل ويعكس دورها كمركز للتواصل بين العالم الإسلامى يبرز جدة كنموذج للتفاعل الحضاري، مما يجعله مثالًا للكتابة الجادة فى مجال الجغرافيا السياسية والثقافية.
ويتميز الكتاب بمنهجيته الأكاديمية بتحليله العميق، فمثل هذه النوعية من الدرسات تفتقدها المكتبة العربية وهو ذو أهمية كبيرة لكل من يقراء تاريخ مدينة جدة بظلها الحضرى والثقافي، وهو نوع من قراءة التاريخ المصغر لجغرافية المدن الثقافية التى تحمل طابعًا دوليًا، بالإضافة إلى العاملين الذين لا يزال الدارسون فى حقل الجغرافيا السياسية يدرسونه وهو دراسة المدن الساحلية وعلاقاتها بالتجارة والحج. يقدم الكتاب نموذجًا متميزًا لفهم مدينة جدة كمكان جغرافى وإنسانى له تأثير عابر للزمن. ويوجد للمؤلف العديد من التجارب الفكرية والثقافية، وخاصةً فى مجال الطيران المدني، فهو بجانب المعرفة الأكاديمية، هو فعلًا فى مجال الطيران المدنى السعودي، وأتاح له اجتهاده، ورغبته فى الإنجاز، وتحصيله العلمى الرفيع، أن يكسب ثقة رؤساء الطيران المدنى السعودى منذ بدايته، وتم اختياره فى العديد من المناصب الحكومية بجانب التحاقه بقطاع الطيران المدني، ويمكن الرجوع لسيرته الذاتية ومؤلفاته على موقع الدكتور محمد مسلم أنور نويلاتيُّ.