يعتزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي، مضيفًا هذا التكتل إلى قائمة الدول المستهدفة، والتي تشمل كندا والمكسيك، ما يضع الولايات المتحدة على أعتاب اندلاع حروب تجارية جديدة مع أكبر شركائها التجاريين.
ورغم اعترافه بأن هذه التعريفات قد تتسبب في بعض "الاضطرابات" بالأسواق، إلا أنه أكد أنها ستساعد بلاده على تقليص عجزها التجاري. وقال ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي: "التعريفات الجمركية ستجعلنا أكثر ثراءً وأقوى بكثير"، وفق صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية.
وعلق ترامب في معرض حديثه للصحفيين قائلا: "هل سأفرض رسومًا على الاتحاد الأوروبي؟ بالتأكيد. إنهم لا يشترون سياراتنا، ولا منتجاتنا الزراعية، ولا يأخذون أي شيء تقريبًا منا، ولدينا عجز تجاري هائل معهم، لذا سنقوم بشيء جوهري جدًا معهم".
تصعيد حاد
وترى الصحيفة البريطانية أن تصريحات ترامب، التي جاءت بعد أقل من أسبوعين من عودته إلى البيت الأبيض، تمثل تصعيدًا حادًا في خطابه بشأن التجارة، وتضع أكبر اقتصاد في العالم على شفا فرض تعريفات على أهم شركائه التجاريين، ووفقًا لقاعدة بيانات Trade Data Monitor، فقد بلغت واردات الولايات المتحدة من السلع من الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك والصين 1.9 تريليون دولار في عام 2023، أي نحو 60% من إجمالي الواردات الأمريكية.
من جهتها، قالت المفوضية الأوروبية إنها "ليست على علم بفرض أي رسوم جمركية إضافية على المنتجات الأوروبية"، مشيرة إلى أن التعريفات تؤدي إلى "اضطرابات اقتصادية غير ضرورية". وأضافت المتحدثة الرسمية باولا بينهو: "علاقتنا التجارية والاستثمارية مع الولايات المتحدة هي الأكبر في العالم. الأسواق المفتوحة واحترام قواعد التجارة الدولية ضروريان لنمو اقتصادي قوي ومستدام".
وأدت تصريحات ترامب إلى تعزيز قيمة الدولار الأمريكي، حيث ارتفع مؤشر العملة مقابل ست عملات رئيسية بنسبة 0.6%، كما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط، المعيار الأمريكي لأسعار النفط، بأكثر من 1% ليصل إلى 73.81 دولارًا للبرميل.
وكالة أسوشييد برس الأمريكية ذكرت أن ترامب يرى أن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الحليفين الشماليين، إلى جانب ضريبة بنسبة 10% على الواردات من الصين، الخصم الاقتصادي الأول لواشنطن، هو وسيلة لإبراز القوة المالية الأمريكية وإعادة تشكيل النظام التجاري العالمي. وقال ترامب للصحفيين يوم الجمعة: "ترون قوة التعريفات الجمركية، لا يمكن لأحد منافستنا لأن لدينا أكبر خزينة مالية بفارق كبير".
رهان سياسي
ويعتمد الرئيس الجمهوري على رهانه السياسي بأن هذه الإجراءات لن تؤدي إلى تفاقم التضخم أو تتسبب في تداعيات مالية قد تزعزع استقرار الاقتصاد العالمي أو تؤدي إلى رد فعل سلبي من الناخبين. وأظهر استطلاع AP VoteCast، وهو مسح واسع للناخبين في الانتخابات الأخيرة، انقسامًا في الرأي العام الأمريكي بشأن دعم التعريفات الجمركية.
وخلال حديثه "الجمعة" الماضية، أشار ترامب إلى خطط لفرض رسوم على رقائق الكمبيوتر، والصلب، والنفط، والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى النحاس والأدوية المستوردة والسلع القادمة من الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضع الولايات المتحدة في مواجهة مع جزء كبير من الاقتصاد العالمي.
وقد أثارت هذه التصريحات رد فعل سريعًا في الأسواق المالية، حيث تراجع مؤشر S&P 500 بعد إعلان ترامب يوم الجمعة. ولا يزال من غير الواضح كيف ستؤثر هذه التعريفات الجمركية على الاستثمارات التجارية التي وعد ترامب بتحفيزها من خلال خفض ضرائب الشركات وإزالة القيود التنظيمية، إذ إن التعريفات غالبًا ما تؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين والشركات من خلال زيادة تكلفة السلع المستوردة.
وصوّت العديد من الناخبين لصالح ترامب في انتخابات نوفمبر على أمل أن يكون قادرًا على التعامل مع التضخم بشكل أفضل من الرئيس الديمقراطي جو بايدن. لكن توقعات التضخم بدأت بالارتفاع، وفقًا لمؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلك، حيث يتوقع المستطلعون أن ترتفع الأسعار بنسبة 3.3%، وهي نسبة أعلى من معدل التضخم الفعلي البالغ 2.9% في مؤشر أسعار المستهلك لشهر ديسمبر.
تحذيرات من زيادة التضخم
وبحسب فاينناشيال تايمز فإن الخبراء الاقتصاديون يحذرون من أن الرسوم الجمركية الواسعة قد تؤدي إلى زيادة التضخم، مما قد يمنع الاحتياطي الفيدرالي من خفض أسعار الفائدة كما هو متوقع هذا العام. وقد بدأ بعض مسؤولي البنك المركزي بالفعل في أخذ سياسات ترامب بعين الاعتبار في توقعاتهم منذ ديسمبر، حتى قبل توليه منصبه رسميًا.
وفرض تعريفات جمركية مرتفعة على أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة يزيد بشكل حاد من مخاطر اندلاع حروب تجارية شاملة في الأيام الأولى من الولاية الثانية لترامب. وقد استعدت كل من كندا والمكسيك لحزمة من الرسوم الانتقامية، كما أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيتخذ إجراءات مضادة، كما فعل خلال فترة ترامب الرئاسية الأولى.
وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يوم الجمعة: "نحن مستعدون للرد – سيكون ردًا هادفًا وقويًا، لكنه معقول وفوري"، محذرًا الكنديين من "أوقات صعبة قد نواجهها في الأيام والأسابيع المقبلة".
أما وزيرة المالية الكندية السابقة كريستيا فريلاند، التي تخوض سباقًا لخلافة ترودو، فقد دعت حكومة أوتاوا إلى الرد على أي تعريفات أمريكية بفرض ضرائب باهظة على سيارات تسلا، لمعاقبة إيلون ماسك، أحد أبرز حلفاء ترامب.
ترامب يضرب بالتحذيرات عرض الحائط
ورفض ترامب تحذيرات الاقتصاديين من أن الرسوم الجمركية قد تضر بالاقتصاد الأمريكي أو تتسبب في ارتفاع الأسعار مع انتقال التكاليف المتزايدة إلى المستهلكين. وقال الرئيس الأمريكي: "التعريفات لا تسبب التضخم، بل تؤدي إلى النجاح".
لكن الديمقراطيين حذروا من أن العبء الأكبر لهذه الضرائب سيتحمله المواطنون الأمريكيون. وقال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر: "دونالد ترامب يستهدف المكسيك وكندا والصين برسومه الجديدة، لكنها ستؤثر في النهاية على جيوب الأمريكيين".
وأضاف: "إذا تم تطبيق هذه الرسوم بالكامل، فسوف ترفع الأسعار على كل شيء، من المواد الغذائية إلى السيارات وحتى الوقود، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة على العائلات المتوسطة لتدبير أمورها المعيشية".