زار مساء أمس الإثنين، البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، العماد جوزاف عون رئيس الجمهورية اللبنانية، لتهنئته بانتخابه رئيسًا، وذلك في القصر الجمهوري، في بعبدا – لبنان.
وفور وصوله إلى أمام المدخل الخارجي للقصر، استعرض ثلّةَ التشريفات من الحرس الجمهوري التي استقبلَتْه وأدّت له التحيّة والإكرام، بحسب العادة المتَّبَعة في استقبال رؤساء الطوائف وكبار الزوّار من رؤساء دول وحكومات.
ثمّ استقبل الرئيس البطريرك على رأس وفدٍ ضمّ كلًا من: مار غريغوريوس بطرس ملكي النائب البطريركي السابق في القدس والأراضي المقدسة والأردن، ومار أفرام يوسف عبّا رئيس أساقفة بغداد وأمين سرّ السينودس المقدس، ومار متياس شارل مراد النائب العام لأبرشية بيروت البطريركية، ومار اسحق جول بطرس مدير إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية بدير الشرفة ومسؤول رعوية الشبيبة، والخوراسقف إيلي حمزو المتقدّم بين خوارنة وكهنة أبرشية بيروت البطريركية، والأباتي حنّا ياكو رئيس الرهبانية الأفرامية الرجالية، والمونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية والمسؤول عن إرسالية اللاجئين العراقيين والسوريين في لبنان، والأمّ هدى الحلو الرئيسة العامّة لجمعية الراهبات الأفراميات.
في مستهلّ اللقاء، وجّه البطريرك كلمةً إلى عون، قال فيها:
"يطيب لنا بدايةً أن نهنّئ فخامتكم بانتخابكم رئيسًا لكلّ لبنان، وأن نشكر بكلّ فرح العناية الإلهية على تحقيق آمال اللبنانيين في هذه المرحلة بلبنان الواحد والحضارة والرسالة. ونتمنّى لكم النجاح والتوفيق، باسم الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية في لبنان والعالم، سينودسًا أسقفيًا، وإكليروسًا، وعلمانيين. فانتخابكم رئيسًا هو بارقة أمل ورجاء في سماء شرقنا والعالم الملبَّدة بغيوم الحروب والنزاعات.
إنّنا نثمّن خطاب القسم التاريخي الذي به توجّهتم إلى اللبنانيين والعالم، والذي اتّسم بالوضوح والشفافية، ونعتبره بمثابة خارطة طريق، ببرنامج واضح ومتكامل، ترسم الأمل بمستقبل مستقرّ وزاهر، وتمثّل تطلّعات جميع اللبنانيين وطموحاتهم، وتبدّد هواجسهم ومخاوفهم.
نؤكّد لكم، فخامة الرئيس، أنّنا معكم ونساندكم في كلّ خطوة تقومون بها، لما فيه إعادة لبنان إلى سابق عهده من التطوّر والرقيّ والازدهار على مختلف الأصعدة. فلبنان يُبنى بتعاضُد جميع أبنائه، وتعاوُنهم وتكاتُفهم حولكم، ومرافقتهم لكم في خدمتكم ومسؤوليتكم، على نتوُّعهم وتعدُّديتهم، بكلّ أمانة وإخلاص.
إنّنا نشدّد أمامكم على أنّ السريان هم مكوِّنٌ أصيلٌ ومؤسِّسٌ في لبناننا الحبيب، وهم، عبر التاريخ، لطالما أحبّوا ويحبّون لبنان حبًّا متميّزًا، وقد قدّموا ولا يزالون يقدّمون الكثير لهذا البلد - الرسالة، علمًا وثقافةً وقانونًا وشهادةً حتّى بذل الدم للدفاع والذود عنه، وهم يعتبرونه وطنًا للجميع، مهما كان حجمهم. لذا نرجو أن ينصف عهدكم السريان الكاثوليك بتمثيلهم وفق ما يستحقّون في مختلف المناصب والوظائف ومن مختلف الأنواع والدرجات، إذ لديهم الكثير من الكفاءات التي تتوق لخدمة الوطن.
تأكّدوا، فخامة الرئيس، أنّنا معكم ونرافقكم بالصلاة والرجاء من أجل لبنان الجديد. فالرجاء فضيلة إلهية، ونحن نعيش في سنة يوبيل الرجاء التي دعا إليها وأعلنها قداسة البابا فرنسيس، وللعناية الإلهية الدور الأكبر في صون لبنان. ونحن نرى معكم العالم كلّه يبادر إلى دعم هذا الوطن، ونأمل أن يستمرّ هذا الدعم، فلبنان يحتاج للمساعدة العربية والدولية، كي ينهض من كبوته المخيفة، وكي يعود إليه مَن هجره مِن أبنائه، لا سيّما فئة الشباب.
وكعربون محبّة وشكر وتقدير، نقدّم إليكم، فخامة الرئيس، ميدالية سيّدة النجاة البطريركية المذهَّبة، كي تحفظكم أمّنا مريم العذراء بشفاعتها، وتهدي خطاكم، وتذلّل كلّ الصعوبات والتحدّيات أمامكم، لتقودوا دفّة الوطن، وتنهضوا به إلى ميناء الخلاص والنجاح.
ومن جهته، ردّ الرئيس على كلمة البطريرك قائلًا:
"نعبّر عن سرورنا باستقبالكم، البطريرك العزيز، مع الوفد المرافق لكم، ونستذكر بفرح واعتزاز زيارتكم لنا حين كنّا قائدًا للجيش، وقد لمسنا فيكم روح الرعاية الأبوية الحكيمة والمسؤولية الكنسية والوطنية العالية. ونؤكّد أمامكم على أنّه لا فرق بين مكوِّن وآخر في لبنان، بغضّ النظر عن حجم هذا المكوِّن. فنحن نحمل جميعًا هويّة واحدة، ونتفيّأ في ظلّ علم واحد، ونعيش المصاعب معًا، ونستفيد معًا من الفرص بتضامننا وبعملنا يدًا واحدة على امتداد الوطن، أحزابًا سياسية ومجتمعًا مدنيًا ومجتمعًا روحيًا.
إنّ المطلوب من الجميع اليوم أن يكونوا على قدر المسؤولية، ومن لا يستطيع تحمُّل مسؤولية قراره، لا يجب أن يكون في سدّة المسؤولية. لا يمكننا أن نلوم الآخرين على أوضاعنا، لأنّ على عاتقنا يقع واجب النهوض بلبنان. وحين نشكّل الحكومة ونبدأ العمل من أجل المصلحة العامة، هناك الكثير من الدول التي أبدت الرغبة الجدّية بمساعدتنا. فالفرص أمامنا اليوم كثيرة، وعلينا أن نحسن استغلالها، وبادرة تشكيل الحكومة في أسرع وقت تعطي إشارة إيجابية إلى الخارج بأنّ لبنان بات على السكّة الصحيحة، وذلك لا يتحقّق إلا بخروجنا من الزواريب الضيّقة والمصالح الشخصية والفئوية والطائفية.
إنّنا نثني على المساهمة الفاعلة للطائفة السريانية الكاثوليكية في مختلف جوانب الحياة اللبنانية. فلديكم قامات مدنية وعسكرية عديدة أسمهت ولا تزال تقدّم الكثير للوطن، وسنتابع العمل معًا. ونحن نقدّركم كثيرًا، ونطلب صلواتكم كي يوفّقنا الرب في خدمة هذا الوطن ونشر رسالته في المنطقة والعالم".
بعدئذٍ قدّم غبطته إلى فخامته ميدالية سيّدة النجاة البطريركية المذهَّبة، عربون محبّة وتقدير وإكرام، وتخليدًا لهذه الزيارة.
وبعد اللقاء، أدلى غبطة أبينا البطريرك بالتصريح التالي أمام وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة: "جئنا نهنّئ فخامةَ الرئيس، ونهنّئ لبنان وأنفسنا بانتخابه رئيسًا يجمع ويوحِّد وينهض بلبنان العزيز، بكلّ أمانة وإخلاص، دون تفرقة أو تمييز".
وتابع غبطته: "نحن طلبنا من فخامته أن يكون حقيقةً رئيسًا للبنان كلِّه، بأحزابه وطوائفه ومكوِّناته. ونحن كسريان أكّدنا لفخامته أنّنا معه في مسيرة النهضة هذه، لكي يبقى لبنان العزيز رسالةً ومهدًا للحضارة والحوار، وملجأً لجميع المضطهَدين، ويقدّم الصورة الحقيقية لبلد التعدُّدية والانفتاح والاحترام المتبادَل بين الجميع".
ثمّ ردّ غبطته على أسئلة الصحافيين بالقول:
"نحن نفكّر بخير لبنان، وقد أكّدنا لفخامة الرئيس أنّ السريان يحبّون لبنان ويعشقونه كبلد حرّية، وهم مستعدّون أن يساهموا في خدمته حسب إمكانياتهم، دون النظر إلى أغلبية أو أقلّية، بل إلى الكفاءة، لإتمام المسؤولية المطلوبة منّا".
وفي معرض ردّه على سؤال حول مطالبته بحصّة معيّنة في الحكومة العتيدة، أجاب غبطته:
"طلبنا من فخامته أن يفكّر أيضًا بكنيستنا السريانية التي تحبّ لبنان، وقد قدّم أبناؤها الكثير من أجل هذا البلد، ماضيًا وحاضرًا. وذكَّرْنا فخامته أنّ أوّل سفير لبناني لدى الكرسي الرسولي كان سريانيًا كاثوليكيًا، هو المحامي أنطوان فتّال. كما ذكَّرْناه أيضًا أنّ رجالات السريان كانوا في أساس صياغة الدستور اللبناني، على مثال الدكتور أنطوان ربّاط، وفخامته يعرف كم نحبّ لبنان كلّنا".
كما دوّن غبطته الكلمة التالية في السجلّ الذهبي لكبار زوّار القصر الجمهوري:
"تشرّفنا بزيارة فخامة الرئيس، ومعي أصحاب السيادة والممثّلين من خوارنة ورهبان وراهبات لكنيستنا السريانية الكاثوليكية الأنطاكية.
هنّأنا فخامة الرئيس وهنّأنا لبنان وأنفسنا بانتخابه رئيسًا للبلاد وكلّنا رجاء أنّه سيتمّم وعوده التي قطعها في خطاب القسم في المجلس النيابي، مؤكّدين لفخامته على صلواتنا وأدعيتنا".
بعد ذلك، غادر البطريرك القصر الجمهوري مودَّعًا كما استُقبِل بمجالي الحفاوة والإكرام والتقدير.