وسط تصاعد وتيرة الأحداث في غزة والتحديات الإقليمية المتفاقمة، تدخل الهدنة حيز التنفيذ لتمنح الجميع فرصة لالتقاط الأنفاس. ومع ذلك، يبقى السؤال المحوري: هل ستكون هذه الهدنة نقطة انطلاق نحو حل سياسي دائم أم مجرد توقف مؤقت يعقبه تصعيد جديد؟
وفي ظل هذه الأجواء، تتزايد الضغوط الدولية والعربية لفرض مسار سياسي يفضي إلى إنهاء الصراع الممتد لعقود. وبينما يعوّل البعض على استئناف جهود السلام تزامنًا مع تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مهامه في البيت الأبيض، يبقى موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متأرجحًا بين مقاومة الضغوط الدولية والتخوف من تداعيات أي تسوية سياسية على مستقبله السياسي.
الهدنة.. فرصة أم توقف مؤقت؟
عبر الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، عن أمله في أن تكون الهدنة فرصة لإخماد الحرب بشكل عام وتفتح آفاقًا سياسية لحل نهائي للقضية اللفلسطينية، خاصة أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يريد أن يكمل مشروع السلام الإبراهيمي الذي بدأه عام 2018 وهذا يحتاج بشكل أساسي إلى وقف العدوان على غزة.
وفي تصريحات خاصة لـ "البوابة نيوز"، حذر الرقب من أنه إذا وقفت الحرب على غزة ولم تُفنَح آفاق سياسية فالأحدث ستعود مرة أخرى ولن تكون هذه الجولة الأخيرة، مؤكدًا ضرورة فتح آفاق سياسية جديدة تفضي لقيام دول فلسطينية تعيش بأمان في هذه المنطقة، ودون ذلك،
وأوضح أن غياب هذا المسار السياسي من شأنه أن يعزز مشاعر العداء التي تولدت خلال الأحداث الأخيرة، مما قد يُسهِم في ظهور توترات جديدة في المنطقة، مع عواقب يصعب التنبؤ بها، ولذلك مطلوب أن يتم الضغط عربيًا ودوليًا تجاه تحقيق سلام حقيقي تقام على أثره دولة فلسطينية تعيش بأمان في المنطقة.
حل الدولتين يعود إلى الواجهة!
أفاد الخبير بأن حل الدولتين يمثل الخيار الواقعي الوحيد في المرحلة الحالية، نظرًا لرفض إسرائيل القاطع لفكرة الدولة الواحدة، وبالتالي مطلوب أن يكون يتحقق هذا الحل في ظل المعطيات الحالية.
وأشار إلى أن هناك اتفاقًا عربيًا على التحرك بشكل كبير جدًا لتحقيق هذا الحل من خلال القمتين اللتين عقدتا السعودية في نوفمبر من عامي 2023 و2024 حيث أكدت الدول المشاركة على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
وأكد الدكتور أيمن الرقب أن هناك الآن تحالفًا عربيًا ودوليًا تقوده دول عربية وأوروبية، يعمل على ممارسة ضغوط سياسية على الولايات المتحدة لدفع إسرائيل نحو قبول هذا المسار، وأنه في ظل عدم وجود بديل عملي آخر سوى حل الدولة الواحدة، الذي لا يحظى بأي قبول إسرائيلي، يبقى حل الدولتين هو الطريق الوحيد القابل للتنفيذ.
تغير موقف نتنياهو.. ما السر؟
في هذا الصدد قال الرقب لـ "البوابة نيوز": "يتضح من خلال المعطيات أن تغير موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين تنتياهو نتج عن ضغط من طاقم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، الذي يهدف إلى تسلم مهامه كرئيس للولايات المتحدة وقد بدأت الهدنة في الدخول إلى حيز التنفيذ.
وأضاف: "تفاصيل الهدنة هي نفس قرار 2735، وهو نفس مشروع الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يحزم حقائبه لمغادرة البيت الأبيض، ولذلك أيضًا رأينا ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس المنتخب ترامب يحرك بشكل مكوكي بين تل أبيب والدوحة حيث مارس ضغوطًا كبيرة جدًا على نتنياهو شخصيًا لدفعه نحو قبول الصفقة. حيث إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يسعى للتهرب من تنفيذها، بشكل أو بآخر، لأنها في النهاية وبكل تفاصيلها توقف الحرب بشكل كامل في ظل فشل الاحتلال في تحقيق أهادافه منها مكتفيًا بقتل الأبرياء في غزة، ما جعله جعلته يخشى تبعات سياسية داخلية،
وتابع: "من ناحية أخرى، يدرك نتنياهو تمامًا أن عدم التوصل إلى حل سياسي شامل سيؤدي إلى تفجر الأوضاع من جديد في في وجه الاحتلال في غزة، وهو يريد أن يتهرب حتى لا يتكبد ثمنًا سياسيًا أمام كل هذه التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، كما يعي جيدا أن ترامب سيتبنى حل الدولتين فإن لم يكن ذلك بالشكل الطبيعي، فبطريقة أو بأخرى يرغب في إتمام مشروع السلام الإبراهيمي وهو ما لا سبيل له إلا بقيام دولة فلسطينية".
هل يتبنى نتنياهو نهجا جديدًا تجاه غزة؟
ولفت الدكتور أيمن الرقب إلى أن نتنياهو يعارض بشكل مطلق حل الدولتين أو أي مبادرة سياسية مع الشعب الفلسطيني، معتبرًا أن هذا الموقف يشكل أحد أعمدة قوته ودعمه داخل الأوساط اليمينية في إسرائيل، كما أنه متخوف من احتمالية تفكك ائتلافه الحكومي في حال انسحاب شخصيات بارزة مثل سموتريتش وبن غفير، مما يهدد استقرار حكومته.
واستكمل: "في الوقت ذاته، يخشى رئيس الوزراء الإسرائيلي الضغط الذي يمارسه ترامب عليه بشكل أكبر وهو بحاجة إلى ترامب خلال المرحلة المقبلة فيما يخص استمرار الدعم العسكري لإسرائيل، كما أنه يسعى نتنياهو لإحياء أجندته المتعلقة بالتحريض ضد إيران، وهو ما يضيف بُعدًا آخر لتعقيد موقفه السياسي".
واختتم: " برغم ذلك، إذا تضمن المسار السياسي أثمانًا باهظة، قد نشهد تمردًا من قبل نتنياهو، مما قد يؤدي إلى توترات جديدة بين إسرائيل والولايات المتحدة. ويُذكر أن الفترة القانونية لرئاسة نتنياهو تنتهي في نوفمبر 2026، أي بعد أكثر من عام على تولي ترامب منصبه، مما يفتح الباب أمام احتمالات لتغيرات في المشهد السياسي خلال النصف الثاني من ولاية ترامب".