ضمن جهود مصر المستمرة لحماية التراث الثقافي وتعزيز الوعي بالهوية الوطنية، شهد المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط انطلاق الموسم الثالث من مبادرة "طبلية مصر"، تحت شعار "إحياء الماضي وتوثيق الحاضر من أجل المستقبل"، والتي ستستمر حتى 25 فبراير، وتأتي المبادرة للتأكيد على أهمية حفظ الموروث الغذائي المصري ونقله للأجيال القادمة.
وتنوعت فعاليات الموسم الثالث بين عرض فيلم وثائقي يلقي الضوء على إنجازات المبادرة خلال مواسمها السابقة، وحلقة نقاشية تناولت موضوع "الطعام في السينما المصرية"، قدمها المخرج محمود رشاد، بالإضافة إلى معرض فني بعنوان "السفرة في السينما المصرية" الذي استعرض لوحات ومشاهد من أفلام مصرية توثق عادات الطعام.
كما تضمنت الأنشطة ندوات تناولت سياحة الطعام، وورش عمل لتوثيق الأكلات الشعبية المصرية، إلى جانب مشاركة سيدات من مبادرات محلية، مثل مؤسسة "نوايا" ومطبخ "الدوار المجتمعي"، لعرض وصفات تقليدية وأساليب مبتكرة للحفاظ على الطعام، وأتاحت المبادرة للأطفال وذوي الهمم ورش عمل تفاعلية بعنوان "ازرع طعامك"، التي ركزت على تعزيز ثقافة الاستدامة وزراعة الأغذية.
الأكلات الشعبية: ذاكرة الشعوب وسرد لتاريخها الثقافي
وفقا لدراسة التي نشرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة بعنوان "التراث الشعبي ودوره في ترسيخ الهوية" في مارس 2020، والتي تناولت أهمية الأطعمة التقليدية كجزء أساسي من الهوية الثقافية للشعوب، وأكدت أن هذه الأطعمة ليست مجرد وسائل لتلبية احتياجات غذائية، بل هي رموز تعبر عن تاريخ الشعوب وبيئتها وتقاليدها، كما أشارت الدراسة إلى أن الحفاظ على وصفات الأطعمة الشعبية وأساليب إعدادها يمثل جسرًا يربط بين الأجيال ويعزز الانتماء الوطني، خاصةً في ظل تهديدات العولمة التي قد تؤدي إلى طمس الهويات المحلية لصالح الأطعمة العالمية السريعة.
وشددت الدراسة على أهمية توثيق التراث الغذائي باعتباره أداة للحفاظ على الهوية الثقافية وضمان استمراريتها، ومن خلال التوثيق، يمكن للأطعمة التقليدية أن تصبح وسيلة للتعليم، إذ تسهم في تعزيز الوعي الوطني لدى الأجيال الجديدة، وتُستخدم أيضًا كعنصر جذب سياحي يعكس التنوع الثقافي لمصر.
التراث الغذائي المصري: تفاعل الإنسان مع البيئة المحلية
قال الدكتور محمد السيد شكر، استاذ علم الاجتماع السياسي ورئيس قسم علم الاجتماع بكلية الاداب بجامعة بور سعيد لـ(البوابة نيوز) أن الاكلات في كل مجتمع أو في كل دولة تكون جزء من ثقافة و تاريخ و تراث هذا المجتمع، حتى أننا نطلق عليه "اكلات شعبية "، لأنها جزءًا من الثقافة المادية والرمزية للمجتمع، هذه الأطعمة تمثل تعبيرًا عن هوية المجتمع وقيمه وعاداته وتقاليده، وتشكل جزءًا من التراث الذي يتوارثه الأفراد عبر الأجيال، كما أنها تُظهر كيف يتفاعل المجتمع مع موارده الطبيعية.
وأضاف أن وصفات الأكل تختلف من شعب لأخر، بل في الدولة نفسها تختلف الوصفات و طرق التحضير من مدينة لأخرى، فنجد على سبيل المثال أن الوجه القبلي يتميز بأكلات معينة كالشلولو وغيرها، كما تتميز المحافظات السواحلية بطرق تحضير و خاصة الاسماك، و هكذا النوبة و سينا و غيرها من المحافظات في مصر، التي تتنوع الاكلات التراثية بها.