في مجتمعاتنا، قد نصادف شخصًا لا يكف عن الحديث عن إنجازاته القديمة، ويتفاخر بأنه “مدير جامد” لم يرَ العالم مثله، ويعيد على أسماع الآخرين قصصًا بطولية من الماضي البعيد. ليس هذا فقط، بل يدّعي المعرفة في كل مجال، وكأن الكون لم يخلق سواه خبيرًا في كل العلوم.
المشكلة الحقيقية ليست فقط في هذه الصورة التي يرسمها لنفسه، بل أيضًا في الشلة المحيطة به، أولئك المتنطعين عديمي النفع الذين لا يقدمون شيئًا سوى التصفيق والإطراء في كل مناسبة، مما يغذي وهم العظمة لدى هذا الشخص.
ومن اللافت أن هذه الشخصيات غالبًا ما تستند إلى الماضي لتبرير تمجيد الذات، يحكي الواحد منهم عن إنجازاته وكأنها خالدة، ويتحدث عن إدارته “الفريدة” وكأنها معجزة لن تتكرر، ورغم أن الواقع قد يكون تغير كثيرًا، يظل هذا الشخص عالقًا في ذكريات المجد القديم، وكأن الحاضر لا قيمة له.
الجزء الآخر من المشكلة يكمن في ادعاء هذا الشخص فهم كل شيء، فهو يتحدث عن العلوم والتكنولوجيا والإدارة والفلسفة وحتى الرياضة، وكأنه موسوعة بشرية، لكن الحقيقة أن هذا السلوك لا يعكس المعرفة الحقيقية، بل هو مجرد محاولة لإثبات الذات وإخفاء الشعور بالنقص.
البيئة المحيطة تلعب دورًا كبيرًا في تفاقم هذه الحالة. فالشخص المغرور غالبًا ما يجمع حوله مجموعة من الأفراد الذين يوافقونه على كل شيء، سواء بدافع التملق أو الخوف من مواجهته بالحقيقه او لعدم معرفتهم وقلة خبرتهم، هؤلاء الأشخاص لا يقدمون أي قيمة حقيقية، لكنهم يمثلون المرآة التي يرى فيها المغرور نفسه بصورة مثالية زائفة.
تمجيد الذات المفرط وادعاء المعرفة لا يؤثران فقط على الشخص نفسه، بل يمتدان إلى المجتمع المحيط. عندما يشغل هذا النوع من الأشخاص مناصب قيادية، تصبح القرارات مبنية على الوهم بدلًا من الحقائق، ويُهمّش الكفاءات الحقيقية التي تخشى الصدام معه. النتيجة هي بيئة عمل أو مجتمعية مليئة بالمجاملات الفارغة وضعف الإنتاجية.
لا عيب في أن يتحدث الإنسان عن إنجازاته، لكن بحدود ودون مبالغة. التواضع هو مفتاح النجاح الحقيقي، والاعتراف بأن العالم مليء بالخبرات والمعارف التي يمكن للإنسان أن يتعلم منها. أما العيش في وهم الكمال وإحاطة النفس بمجموعة من المصفقين، فهو طريق يؤدي إلى الفشل والعزلة.
وفي النهايه ادعاء الكمال والمعرفة المطلقة ليس إلا قناعًا هشًا يخفي وراءه خواءً فكريًا وشعورًا بالنقص، المجتمعات الناجحة لا تقوم على الأوهام والتصفيق الأجوف، بل على العمل الجماعي، والتواضع، وتقدير الكفاءات الحقيقية، أما أولئك الذين يعيشون في الماضي ويغذّون غرورهم بالتصفيق المزيف، فلن يتركوا سوى أثر باهت في الحاضر والمستقبل.
آراء حرة
تمجيد الذات وإدمان الماضي.. حينما يتحول الوهم إلى أسلوب حياة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق