الثلاثاء 14 يناير 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لبنان.. وحلم الانتقال من الطائفة إلى الدولة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في ظني أن المنطقة العربية قد تنفست الصعداء بعد انتخابات الرئاسة اللبنانية التي أسفرت عن انتخاب جوزيف عون قائد الجيش لمنصب الرئيس، ولعل أبلغ وصف عن حال الشرق الأوسط هو ما قاله عون عقب فوزه بأن رئاسته تأتي بعد زلزال ضرب المنطقة، نعم زلزال تلاعب بالحدود والأنظمة وقوى “المقاومة” الإسلامية سواء كان حزب الله أو حماس.

زلزال مصنوع بمهارة حقق معظم الأحلام الإسرائيلية في التوسع والسيطرة وإعادة تصميم ملامح جديدة للشرق الأوسط حسب تعبير بنيامين نتنياهو، ذهب بشار الأسد وجاء أحمد الشرع، وذهب إسماعيل هنية والسنوار وغابت إيران وتقدم أردوغان، زلزال زرع المخاوف في العراق وهدد الأردن ونسف غزة وكأننا بصدد سايكس بيكو ولكن هذه المرة تتم بقوة السلاح وتفجير البيجر والحرب من خلال الشاشات الإلكترونية والضغط على مفاتيح الكمبيوتر وتسخير الذكاء الاصطناعي لتحقيق الأهداف التي كانت صعبة ذات يوم، باتت الآن بسيطة وفي متناول اليد.

في ظل هذه الأجواء يأتي انتخاب جوزيف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية الذي يمكن اعتباره تطوراً كبيراً في المشهد السياسي اللبناني وذلك لكونه قائداً سابقاً للجيش، وإن كان هذا ليس غريباً على لبنان فقد سبقه ميشيل سليمان كقائد للجيش ثم رئيس بعد ذلك وكذلك ميشيل عون كقائد للجيش ثم رئيس بعد ذلك، ولكن الذي يعطي تميزاً لانتخاب جوزيف عون هو ما قاله عون أنه يأتي كرئيس في أعقاب زلزال هز الشرق الأوسط.

ولقد حرص عون على التأكيد بأن قضية السلاح في لبنان لا بد وأن تكون حكراً بيد الدولة، ويسهم هذا التأكيد بشكل واضح في إعطاء أولوية لقضايا الأمن الوطني وبلورة دور الدولة وتعزيز مكانة الجيش واعتباره المؤسسة الوحيدة المسئولة عن السلاح وحفظ الأمن.

مع توالي ردود الفعل الدولية المتحمسة لجوزيف عون، نرى أنه من المؤكد أن عون سوف يستخدم هذا الدعم الدولي لتقوية الجيش، مما يقلل الحاجة إلى وجود ميليشيات مسلحة موازية، والمعروف بالطبع أن نجاح عون لم يكن سهلاً فقد سبقه ترتيبات دولية وعربية من أجل دعمه وكان الشرط الأهم في هذه الترتيبات هو حصر السلاح بيد الدولة.

الطوائف اللبنانية موجودة في قلب المشهد وعلى سبيل المثال المسيحيون، خاصة القوى المناهضة لحزب الله، قد يرون في عون فرصة لإضعاف النفوذ المسلح خارج الدولة.

أما الطائفة الشيعية فقد تكون أكثر حذراً، وقد تعتمد على دور سياسي للحفاظ على مكتسباتها، وهنا لابد من التفريق بين الطائفة الشيعية ككل وبين حزب الله كحركة شيعية مسلحة تحت عنوان "المقاومة"، ويشغل مستقبل حزب الله أذهان الكثيرين ويفتح المشهد أسئلة متنوعة هل نرى تكيف الحزب مع الوضع الجديد، وذلك من خلال السعي للتفاوض مع جوزيف عون لتحقيق توازن يضمن له دوراً في الاستراتيجية الدفاعية للدولة؟ أم يصطدم محاولاً تعزيز "المقاومة" كهوية له ويستمر في الاحتفاظ بسلاحه، مع تبرير ذلك بضرورة مواجهة إسرائيل، خاصة في ظل غياب حل نهائي للصراع في الجنوب؟ 

وتبقى التحديات الشعبية داخل لبنان الذي فقد عملته الرسمية الكثير، وفقد اقتصاده ثقة المستثمرين خاصة الاستثمارات الخليجية، وسط تصاعد الأزمة المزدوجة الاقتصادية والسياسية.. هذه الحالة بشكل عام قد تدفع حزب الله لتقديم تنازلات والتركيز على دوره السياسي أكثر من دوره العسكرى، ويزيد من هذا التوقع غياب الإمدادات التي اعتاد عليها بعد أن تغيرت سوريا وهي دولة الممر لتلك الإمدادات وكذلك بعد أن تغيرت إيران من حالة الاندفاع إلى حالة الحذر والانتباه للمرحلة الترامبية التي تدخلها أمريكا بعد أيام قليلة وهي مرحلة يرى الكثيرون أنها تعتمد على الصدمة والمفاجأة.

ما قد يحدث خلال رئاسة جوزيف عون من إصلاحات سياسية وأمنية في ظل شبه توافق داخلي ودعم خارجي، قد يبدأ عملية تدريجية لنزع السلاح خارج الدولة، وهو الأمر الذي يمهد إلى تفاهمات في المحيط العربي مع إيران من ناحية وتفاهمات بين إيران والولايات المتحدة من ناحية أخرى.

يبقى في المشهد الغامض التحرك التركي في سوريا وكذلك التحرش العسكري اليومي من جانب إسرائيل، وهما المعروف عنهما صفات لا تتفق مع طبيعة المرحلة المتفائلة التي أفرزت نجاح جوزيف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، الجانب التركي يتمتع بانتهازية سياسية وطموح الدولة الوازنة لحساب مصالحها وحلمها اليومي بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وهو ما يدفعها للتدخل السافر في الشئون السورية التي تنعكس وفق منطق الإزاحة على الجانب اللبناني، أما إسرائيل وأحلامها التوسعية سوف تبقى دائما شوكة في حلق أي طموح عربي للتقدم والتنمية، وهو ما يستدعى الانتباه والحذر.