الرئيس الأمريكى القادم إلى البيت الأبيض فى ٢٠ يناير الجارى، أصبح يشغل العالم بتصريحاته المتناقضة فى عدة قضايا، لعل أبرزها ما يتعلق بإيران..
وفى مقاله، يقول سينا آزودي، الأستاذ في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، والمتخصص في البرنامج النووي الإيراني والأمن القومي: إن ترامب، المعروف على نطاق واسع بنهجه المتشدد تجاه طهران، انسحب من خطة العمل الشاملة المشتركة، وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية، وأمر باغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني. وعلى الرغم من خطابه، أعرب ترامب مراراً وتكراراً فى الفترة الأخيرة عن اهتمامه بعلاقات أفضل مع إيران. وخلال حملته الانتخابية، سلط الضوء على التهديد الذي تشكله الأسلحة النووية باعتباره مصدر قلق عالمي وأشار إلى انفتاحه على الحوار.
لكن موقف ترامب قد يتشابه مع موقف الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عندما قام بزيارة الصين في عام ١٩٧٢، وكانت خطوة دبلوماسية عبقرية تحدت التوقعات. فقد استغل نيكسون، المعروف بمعاداته الشديدة للشيوعية، سمعته المتشددة لإقامة علاقات مع الصين التى كانت معزولة وتعاني من صعوبات. وجسد هذا الإنجاز، الذي أطلق عليه "نيكسون فقط يستطيع الذهاب إلى الصين"، كيف يمكن للقوة الملموسة التي يتمتع بها الزعيم أن تخلق فرصاً للتقارب التاريخي. وفي المشهد الجيوسياسي اليوم، قد يضع موقف الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب المتشدد تجاه إيران في موقف فريد من نوعه قادر على إعادة تعريف العلاقات الأمريكية الإيرانية.
عقبات أمام الدبلوماسية
خلال ولايته الأولى، أعاقت عقبات داخلية وخارجية جهوده الدبلوماسية، حيث هيمن على إدارته صقور أيديولوجيون مثل وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون. وكان كلاهما يعارض بشدة التعامل مع إيران، مما أدى في كثير من الأحيان إلى تقويض المبادرات الدبلوماسية. على سبيل المثال، عرقل بومبيو "مبادرة موسكو"، التي سعت إلى اتخاذ تدابير متبادلة لمعالجة العقوبات والقضايا النووية. وفي الوقت نفسه، قاوم بولتون بنشاط الجهود الرامية إلى جلب المسؤولين الإيرانيين إلى المفاوضات، حسبما أوضح في مذكراته.
خارجيا، كان الموقف الجيوسياسي لإيران خلال ولاية ترامب الأولى واضحاً حيث رفض المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي المبادرات من واشنطن، ووسعت إيران قدراتها النووية في حين تصاعدت التوترات الإقليمية. ولم تترك هذه البيئة سوى مساحة ضئيلة للحوار البناء.
وتقدم ولاية ترامب الثانية فرصة جديدة للدبلوماسية. ومع غياب المتشددين الإيديولوجيين مثل بولتون وبومبيو عن إدارته، يضم فريق ترامب الآن موالين مثل وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز. وفي حين يتمتع كلاهما بمؤهلات متشددة، إلا أنهما يتماشيان بشكل أوثق مع نهج ترامب العملي في السياسة الخارجية، مما قد يسهل المفاوضات مع طهران.
كما تغير المشهد الاستراتيجي في إيران بشكل كبير. فقد ضعف الحلفاء الإقليميون مثل حزب الله، وتعمقت الصراعات الاقتصادية الإيرانية تحت وطأة العقوبات. وعلى الصعيد المحلي، أكدت إدارة الرئيس مسعود بزشكيان على أهمية تخفيف العقوبات، مما يشير إلى استعداد محتمل للتفاوض.
التحديات والمسارات
من المرجح أن يعطي نهج ترامب الأولوية للاتفاقيات فى المعاملات على التصلب الإيديولوجي، مع التركيز على المنافع المتبادلة بدلاً من الإصلاحات الشاملة. تظل مطالب إيران الرئيسية واضحة: تخفيف العقوبات لتحقيق الاستقرار في اقتصادها والحفاظ على برنامج تخصيب اليورانيوم. وبينما انقضى عصر "التخصيب الصفري"، يمكن لواشنطن التفاوض على حدود صارمة لمستويات التخصيب لمنع الانتشار النووي. ويمكن للمراقبة الدولية القوية ضمان الامتثال، ومعالجة السيادة الإيرانية والمخاوف الأمنية العالمية.
على الرغم من هذه الفرص، لا تزال العقبات قائمة. قد يضغط المتشددون الجمهوريون مثل السيناتور توم كوتون على ترامب للحفاظ على موقف متطرف. بالإضافة إلى ذلك، تظل قيادة إيران حذرة من الإفراط في الاعتماد على واشنطن بالنظر إلى التاريخ المضطرب للعلاقات الأمريكية الإيرانية.
إرث نيكسون
تؤكد تجارب الإدارات السابقة على تحديات التعامل مع الدول المعادية مثل إيران. لقد واجهت خطة العمل الشاملة المشتركة التي أبرمها باراك أوباما انتقادات لكونها متساهلة للغاية، في حين تعثرت محاولات جو بايدن لإحياء الاتفاق تحت اتهامات الاسترضاء. إن حزم ترامب وفريق الأمن القومي الذي أعيد تشكيله يضعانه في وضع فريد لتحقيق ما لم يتمكن أسلافه من تحقيقه. ومن خلال التنقل بين الانقسامات الإيديولوجية وموازنة الأولويات المحلية والدولية، يمكن لترامب أن يمهد الطريق لتحول تاريخي في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، وهي الخطوة التي من شأنها أن تعزز إرثه باعتباره نيكسون طهران.
العالم
مفارقة دبلوماسية.. ترامب «الجديد» يميل إلى الحوار مع إيران بعد انسحابه من الاتفاق النووي
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق