السبت 11 يناير 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الاعداد الخاصة

مصر والتنوع في الأشكال الشعبية.. الغناء الديني تأصيل لظاهرة إبداعية تتفرد بها الثقافة المصرية

الأغنية الشعبية
الأغنية الشعبية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مسيرة الغناء الشعبي المصري هي مسيرة تمتد عبر الأجيال وفي كافة ربوع مصر، تتناقلها الجماعة الشعبية، باعتبارها جزءا أصيلا من موروثها الثقافي والشعبي، ولعل عمنا الكبير -رحمة الله عليه – خيري شلبي- والذي يمثل أسطورة من أساطير الكُتاب الذين يمكن أن نطلق عليهم بصدر رحب - معجون بمية الفولكلور- فمقدماته التي كان يكتبها في سلسلة الدراسات الشعبية والتي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، والتي كان يرأس تحريرها هي مقدمات علمية بامتياز تستحق الدراسة والبحث والتأصيل، لأنها مُلهمة ومهمة بالنسبة للكتاب الذي يقوم بالتعريف به. 

 

خيري شلبي: أغنية الحج متأصلة في التراث الموسيقي الديني عندنا

 

ولعل من أبرز تلك المقدمات هي الكلمات التي كتبها عن كتاب أستاذنا الجليل محمد رجب النجار أحد أهم أستاذة الفولكلور وكتابه "فولكلور الحج.. الأغنية الشعبية نموذجًا" هذا الكتاب الذي يجمع في مادته العلمية إرثًا ثقافيًّا وعلميًّا بامتياز عن تراث الأغنية الشعبية المرتبطة بالاحتفال المرتبطة بطقوس الحج، ويقول خيرى شلبي عن أستاذنا محمد رجب النجار :" إن الدكتور النجار يتميز بعمق النظرة والقدرة على التجذر في أية ظاهرة فولكلورية يتعرض لها بالدرس، إذ يغوص في أعماقها البعيدة ويصل إلى مكوناتها البيئية، ويتناولها من حيث هي ظاهرة اجتماعية أو ثقافية ، هكذا فعل في ظاهرة الشطار والعيارين فقدم أهم وأكمل دراسة في أهم موضوع متصل بالشخصية العربية تاريخيًّا واجتماعيًّا" هذا هو السحر الذي يصاحب دراسة الموروث الثقافي الشعبي "الفولكلور" بشتى أنواعه سواء الفنون القولية أو الفنون الحركية أو فنون التشكيل" ولكل نوع من تلك الأنواع يندرج العديد من الموروثات الثقافية التي تتعلق بحياة الإنسان والتي تعبر عن الظرف الاجتماعي والسياسي والتاريخي والاقتصادي أيضًا. 

أغاني الحج أو أغاني الحجاج  مثلها مثل الكثير من الأغاني الشعبية ولكن يميزها أو يغلفها الطابع الديني، وهذا الإرث الديني توارثه المصريين عبر الأزمان المتعاقبه منذ الحضارة المصرية القديمة، ويقول خيري شلبي :" أغنية الحج متأصلة في التراث الموسيقي الديني عندنا، إن  طفولتنا حافلة بعشرات الأغنيات الجميلة- كلاما ولحنًا- التغزل في القطار الذاهب إلى الحج، التغزل في البواخر المسافرة على قبر الرسول، التغزل في القبر الذي يضم رفاة أعز البشر، وأن تلك الأغنيات ليست قاصرة على المحترفين من المداحين والموالدية والصيتية الذين يدعوهم أهل القرى لإحياء ليالي الاحتفال بعودة الحجاج، وإنما هي إبداع شعبي عام، تنتجه السلفية المصرية المرتبطة بالدين ارتباطًا وثيقًا، مؤكدًا على أن الاحتفال في جميع المناسبات الدينية هي مناسبات طقسية مصرية خالصه ، بل إن الغناء الديني في أصله طقس مصري رسخته الطرق الصوفية المصرية التي كان لها ؤاع طويل في استخدام الموسيقي لتوصيل الإنسان إلى مرحلة الوجد الصوفي وترقيق مشاعره.  

ويقول الدكتور النجار إن أغاني الحج أو ما أسماه هو تأتسيسًا لفولكلور الحج باعتباره حقلاً فرعيا من حقول الفولكلور الديني أي الفولكلور الذي ارتبط بالعادات والمعتقدات الدينية والتي تتجسد في الاحتفالات الشعبية الدينية القائمة على المعتقد مثل الموالد الشعبية والذي يصاحبها مظاهر طقوس غنائية وموسيقية تتفرد بها الثقافة المصرية، مثل الرقص والغناء الصوفي والذي تشارك فيه الجماعية الشعبية حتى الاشعار التي تتردد في تبلك الاحتفالات غالبا ما تكون مجهولة المؤلف أو المصدر . 

وعرفت الأغاني الشعبية المرتبطة بطقوس وعادات الحج بـ "حنون الحجاج" أو تحنين الحجاج، وهي عبارة عن مجموعة من الأهازيج والأغاني الشعبية التي تتغني بها المجتمعات القروية والريفية بمناسبة قيام أحد أفراد القرية أو الحي بأداء فريضة الحج وزيارة قبر الرسول .. وقد يتردد في أذهاننا على الفور أغنية "رايحة فين يا حاجة يا أم الشال القطيفة .. رايحة أزور النبي محمد والكعبة الشريفة" .. 

ومن بين الأغاني الشعبية التي تحتفي بالحجاج الذين كانوا يركبون الجمال وتقول: "يا جمل يا جمل يابو خف دايب... مشرق مشرق والله ونشوف الحبايب \ يا جمل يا جمل يابو خف زيتي  أشرق مشرق  والله وانظره بعيني " "وتعني بكلمه مشرق أي المتجه نحو أرض الحجاز كما كان يطلق عليه قديماً. 

مصر والتنوع في الأشكال  الشعبية 

الغناء الشعبي الديني تأصيل لظاهرة إبداعية تتفرد بها الثقافة المصرية 

ومن الأغاني أيضاً أغنية يا فاطمة "يا فاطمة يا بنت نبينا \ افتحي البوابة يا فاطمة أبوكي داعينا ... وفي أغنية أخري ( عند باب النبي وجلسنا   رباعة \ والطواف يقولي: ومنين يا جماعة ، زوار النبي محمد وطلبنا شفاعه\ عند باب النبي وجلسنا سوية\ والطواف يقولي: ومنين ياصبية \ زوار النبي محمد وطلبنا هدية\ حلوة وزينة صلاة النبي حلوة وزينة\ حلوة وزينة  وبتجلي القلوب الحزينة \ لولاك يا نبي ولا كان شرقت لي " .. وغيرها الكثير من الأغاني الشعبية التي يمكن من خلال دراستها نعرف شكل الحياة الاجتماعية والاقتصادية وكيفى الذعاب للحج ووسيلة الانتقال وأيضًا كيف كان الحج من الطقوس التي كان يطوق إليها الشعب المصري، ويحتلفون بها بشتى الطرق، سواء من بدء التجهيز الحجاج وتوديعهم واستقبالهم واشهار دعوة الحج والاستعداد النفسي والروحي سواء للمرأة أو الرجل، وكانت المراة لها الكثير من الأغاني مثل أغنية ياحاجة والتي تقول فيها " ياحاجة ويا حاجة ما تمدي يدلك، اوعي تخافي يا حاجة دا النبي دعاك \ حاجة يا حاجة ما تمدي يمينك \ اوعي تخافي يا حاجة والنبي ضمينك " واغنية رايحة فين يا حاجة :" رايحة فين يا حاجة يا أن الشال قطيفة \ رايحة أزور النبي محمد ولكعبة الشريفة \ رايحة فين يا حاجة يام الشال سماوي\ رايحة أزور النبي محمد وارجع ع الجناوي \ رايحة فين يا حاجة ولابسة الغداوي\ رايحة فين ياحاجة يام التوم سلامي \ رايحة ازور النبي محمد وابلغ مرادي " 

الأغنية الشعبية لغة القلوب 

وهنا نتأكد من أن الأغاني الشعبية والتي سنطرق لعدد كبير من أنواعها المختلفة والتي تقًال في الكثير والكثير من المناسبات التي نسجها الشعب والجماعة الشعبية لاسيما الشعب المصري الذي برع في نسج تلك الأغاني وألحانها لتصبح كل قرى وكل نجع له بصمته الخاصة وتطفي عليها حكاية  من حكاياته  تحمل في طياتها أصوات الشعب وهمومه، أفراحه وأتراحه. لتصبح الأغنية الشعبية بمثابة المرآة التي تعكس عمق الثقافة وثراء التراث، حيث كل نغمة فيها تحمل معاني عميقة وقصصًا تروى بلغة القلوب. 

وكان من بين الأغاني التي نسمعها حتى وقتنا الراهن وأصبحت علامة من علامات التاريخ هي أغنية قطر الندى والتي يتغني بها في الأفراح وليالي الحناء وقد غنيت تلك الأغنية للأميرة أسماء والتي اشتهرت باسم "قطر الندى" وكان فرحها أسطورة من الأساطير  فهي ابنة أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية في مصر، وكانت على جانب كبير من الجمال وتزوجت من الخليفة المعتمد العباسي وتقول  كلمات الأغنية "الحنة الحنة يا قطر الندى \  يا شباك حبيبي يا عيني جلاب الهوا \ ياخوفي من أمك تسالني عليك.. لاحطك في عيني يا روحي واتكحل عليك \ يا خوفي من اختك تدور عليك.. لاحطك في شعري يا عيني واضفر عليك \ وإن جاتني العوازل تسألني عليك.. لاحطك في صدري يا روحي واللولي عليك" 

ولم تنس الأغنية الشعبية زفة العروسة وتقول :" اتمخطري يا حلوة يا زينة يا وردة من جوه حنينه \ يا عود قرنفل يا عروسة والورد ظلل علينا \ اتمخطري وتعالي جنبي يا حلوة في البدلة البمبي\ يا عود قرنفل يالفندي والورد ضلل علينا \ اتمخطري وتعالي لهنا يا بنت سيدنا وسيدنا \ يا بنت شيخ العلما يا عقلة وكاملة المعني \ اتمخطري لعريسك كل البلاد على كيسك\ حزامك فضة بميت ريال يا ام العيون العسلية " 

وعلى الرغم من أنها مجرد أغنية للزفاف لكن تستطيع أن تخرج منها بالعديد من المعلومات أن العروس مثلا كانت ترتدي حزام من الفضة وهو ما يدل على ثراء العروس، وأيضا أن العملة المستخدمه في تلك الفترة الزمنية هي الريال وهكذا تظهر الكثير من السمات التي تتعلق بالحياة الاجتماعية وقد تكشفها مجرد كلمه في أغنية من الأغاني الشعبية . 

الأغنية الشعبية تنبعث من عبق التاريخ لتنسج حكايات من حكايته ومرآة  تعكس عمق وثراء التراث

المرأة أفضل حافظة للموروث الشعبى وحريصة على تلقينه للأجيال 

بنات بحري 

ومن بنت السلطان اللى ركبت على التاخ تروان واتزفت لعريسها لبنات بحري ويا بنات اسكندرية ، فلم تترك الأغنية الشعبية أي من الشعبية لاسيما النساء إلا وتغنت بهن وبجمالهم، سواء كانوا ذاهبين لأداء فريضة الحج او ينون الزواج ، ولأن أغلب الدراسات أكدت على أن المرأة هي أفضل من حملت التراث وتوارثته، بل إنها أيضًا حريصة على توريثه للأجيال الجديدة، فمن الحكايات الشعبية للأغنية الشعبية من تهذيب الأطفال والغناء لهم ساعات النوم وحرصها الدائم على تناول تلك الحكايات والأغاني التي تغني أثناء نوم الطفل أو حتى أثناء اللعب معه، وخلال استحمامه كلها أغاني خرجت في مناسبات وظلت تتوارث عبر الأجيال .

ولم تترك الأغنية الشعبية بنات بحري بنات اسكندرية بخفة دمهن وجمالهن النابع من جمال ساحرة البحر المتوسط فلن تتفاجأ  كثيرًا حينما تعلم أن أغنية يا بنات اسكندرية هي أغنيه شعبية وتقول كلماتها "يا بنات اسكندرية مشيكم على البحر غية \ تلبسوا الكشمير بتلي.. والشفايف سكرية\ يا بنات جوا المدينة عندكم أشياء ثمينة" 

وهل تركت الأغنية الشعبية الفتيات بل تغنوا للصبايا في اغنية عطشان يا صبايا دلوني على السبيل ومن بين كلماتها التي تقول " عطشان يا صبايا دلوني على السبيل \ واسقوني نن يمتكم كنا من بحر النيل\ عطشان يا صبايا دلوني على السبيل واسيوط بقت مدينة ترسى عليها الغلايين\ عطشان يا صبايا دلوني على السبيل واسقوني شربة مية تروي القلب العليل \ وسامعنى عيونك حلوة حلوة وأنا عيوني معصمين" 

والكثير من الأغاني الشعبية التي تناولها الشعراء فيما بعد لتكون أغنيات حاضرة على وقتنا الراهن، فكانت الاغنية الشعبية مصدر إلهام للشعراء والموسيقي، فالمتتبع لهذا الواقع الشعبي يجد أنه أمام عالم كبير وواسع وشديد الحيوية أيضًا، وإذا استبعدنا الجزء الخاص بالإسفاف وعملنا على تطوير بعض المواهب التي تظهر حامله الصبغة الشعبية، فسوف نفيد المجتمع إذ استطعنا إعادة توظيفها وأصقلنا تلك المواهب بالدراسة والعلم مع الحرض على المحافظة على شكلها التقليدي وموهبتها التلقائية. 

 

خيرى شلبى
محمد رجب النجار