الصورة المتخيلة في قلب أحداث فنية تمتلك روح وعمق البساطة، والنماذج الدرامية الرومانسية التي تتحرك بسلاسة، صنعت حالة من البهجة المحببة عند مشاهدة فيلم "الهوى سلطان" قصة وإخراج هبة يسري، وبطولة منة شلبي، وأحمد داود، وسوسن بدر، وعماد رشاد، وأحمد خالد صالح، وجيهان الشماشرجي، لكن أعداء البهجة والمتعة سنّوا سكاكينهم ضد الفيلم بحجج لا علاقة لها من قريب أو بعيد بفن الاستمتاع برؤية الفيلم، وهو فن كان يفترض أن نمتلك خبرته، كوننا بلدًا يصنع السينما منذ أكثر من قرن.
ومع ذلك، هناك تشويش أسود يحارب تلك اللحظات المسروقة من واقع قاسٍ، تلك اللحظات التي تمنحنا فرصة لأخذ الأنفاس والراحة قليلًا من هموم الحياة وشرورها، المعتادة والجديدة.
يخلط الذين يهاجمون الأفلام بين النموذج الدرامي المقدم في الفيلم وبين أمثاله في الواقع، فما زال البعض يرفض تقديم شخصية (مثلًا) لطبيب بلا ضمير، خوفًا من أن يصبح هذا النموذج، الذي يمثل ذاته فقط، ممثلًا لكل الأطباء على وجه الأرض. وهي سذاجة غريبة تجدها متكررة في رفض ظهور شخصيات من مهن معينة في صورة سلبية، وقد حدثت ضجات عدة عند عرض أفلام مثل "الحَرَامي والعبيط" لأنه قدم شخصية ممرضة فاسدة، وأيضًا عند عرض فيلم "بحب السيما"" لأنه قدم نموذج زوجة قبطية خائنة، باعتبار أن جميع القبطيات ملائكة!
الأمر نفسه حدث مع فيلم "الهوى سلطان" حيث هاجم البعض نموذج منة شلبي، لأنها تصاحب شابًا وتقضي وقتًا طويلًا معه في البيت والسيارة، باعتبار أن هذا النموذج سيئ وغير موجود في مجتمع يرفض الصداقة بين الرجل والمرأة، ولكن الفيلم أوضح بجلاء أن الشيطان لم يكن موجودًا بينهما، بل كشفت ردود الشابة عن وعيها القوي وتملكها أدوات الحفاظ على نفسها.
الفيلم بذلك يطعن نفاقًا متأصلًا في مجتمع يغطيه التدين الشكلي، لكنه "عريان" في أعماقه ودهاليزه، حيث تسكن قبائل البشاعة بكل أفخاذها، والنموذج المقدم هنا بالتأكيد يمثل ذاته، مهما كان له أشباه حولنا، فهو يتمتع بخصوصية تاريخية في شخصيته الدرامية، إذ تعاني الشابة من الوحدة وتعيش بعيدًا عن أبيها المتزوج.
كما أن الشخصية تتميز بسمات نقاء وبساطة تلقائية غير مصطنعة، يظهر ذلك في حبها للإفيهات القديمة التي تحفظها من الأفلام والبرامج، وهي إفيهات تعزلها عن من حولها الذين لا يتذكرون أين ذكرت هذه الإفيهات، إنها حالة متفردة يسطع نورها الداخلي على من حولها، ليكتشفوا أنفسهم عند الاقتراب منها، وقد أجادت منة شلبي تقديم الشخصية بحضور ممتع.
أما الهجوم الأشرس على الفيلم، فكان بسبب وجود "قبلة" بين البطلين، أعلنت صراحة عن الحب الكامن بينهما، فمنذ وقت طويل، سادت حالة من الغش الفني تحت دعاوى "السينما النظيفة"، وهي السينما التي تخلو من مشاهد الحب ومظاهره. وهذه حالة تناسب النفاق المجتمعي والتدين الشكلي.
المفارقة أنك تجد الاحتفاء بأفلام البلطجة والأفلام الخالية من القبلات، لكنها ممتلئة بعبارات وجمل غير نظيفة، وكأن هذه الأفلام تتطابق مع انتشار حالات المتدين السباب، الذي يقف بالمرصاد ضد الحب ولكنه يقدّس العنف والسباب!
ولا أدري كيف يمكن اعتبار فيلم مثل "عندليب الدقي" لمحمد هنيدي ينتمي لتلك السينما "النظيفة"، بل ومناسب للأطفال أيضًا، بينما يضم عبارات مثل ما يقوله للسكرتيرة "معملتيش علاقات يرفضها المجتمع والناس والعرف"! كما أن محور الإفيهات في فيلم "عسكر في المعسكر" يدور حول معوقات إقامة العلاقة الجنسية بين البطل والبطلة.
فالذين ينزعجون من القبلة المبررة دراميًا لا ينزعجون أبدًا من كلمات جارحة، وفي حين يرفعون شعار "النظافة من الحب"، فإنهم يتسامحون مع مشاهد العنف والقبح!
تبقى حالة إنكار تخص الخط الدرامي بالفيلم، كيف لا يعرف بطلاه حقيقة مشاعرهما إلا عندما يبتعدان ويتعرفان على آخرين؟ أراها حالة صادقة تعبر عن نعم كثيرة نعيش بها ولا نعرف قيمتها إلا عند غيابها.