الأربعاء 18 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

حروب الخراب.. سوريا تنزف حجرًا حجرًا.. الشهباء تبكى آثارها.. وقلعة حلب أصبحت أطلالًا

.
.
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

محو التاريخ وتدمير الأثر والبشر أهداف التنظيم الإرهابى

تنظيم داعش الإرهابى ينسف المدرج الرومانى بالمتفجرات ويهدم معبد "بعل شمين" ويسطو على القطع الأثرية

 

وسط تطورات الأحداث فى سوريا؛ وهيمنة فصائل المعارضة والتنظيمات المسلحة؛ وتسليط الأضواء على التفاعلات العسكرية والسياسية والأطراف الدولية المتداخلة؛ تعانى الأراضى السورية من فقدان آثارها وكنوزها ونهب تراثها الحضاري؛ وهذا النهب لم يقتصر على أحداث اليوم بل سبقه سلسلة طويلة من السرقات والسطو من قبل تنظيم داعش الإرهابي؛ فلم تغير 13 سنة من الحرب وجه سوريا عبر تدمير حاضرها وتهديد مستقبل شعبها فحسب، بل أتت على معالم أثرية عريقة وقضت على تراث رمزى ثمين من دون رجعة.فليس البشر وحدهم من دفع ثمن الحرب السورية، بل امتدت آثار العنف والفوضى إلى "التاريخ" نفسه، حيث تعرضت العديد من الآثار والمعالم التاريخية العريقة فى سوريا للنهب والسرقة.

إرث ثقافى

فى سوريا، تركت حضارات عديدة، بدءًا من الكنعانيين وصولًا إلى الأمويين، ومرورًا باليونانيين والرومان والبيزنطيين، إرثًا ثقافيًا غنيًّا يشهد على عراقتها. كانت البلاد تفخر بمواقعها الأثرية فى تدمر وحلب وإدلب ودرعا ودمشق والرقة وغيرها.ورغم الحرب التى اندلعت فى مارس  ٢٠١١، أسفر عن واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية فى القرن الماضي، إلا أن الدمار الذى طال التراث الثقافى السورى يمثل كارثة لا تقل فداحة، تاركًا جرحًا عميقًا فى ذاكرة الأجيال. ففى غضون سنوات قليلة، تحولت المدن العريقة إلى ساحات قتال، وتحولت الأسواق الأثرية إلى أنقاض. كما تعرضت القطع الأثرية للنهب من مواقع تاريخية ومن متاحف كانت تحتضن بين جدرانها حكايات الماضي.

إخلاء المتاحف

تُعد سوريا موطنًا لعدد كبير من المواقع الأثرية التى تمثل حضارات متعاقبة امتدت على مدار أكثر من خمسة آلاف عام. وقبل اندلاع الحرب، أنشأت الحكومة السورية ٢٥ متحفًا ثقافيًا فى مختلف أنحاء البلاد بهدف تعزيز السياحة وحماية الكنوز التاريخية.

وفى ظل تصاعد المخاطر خلال النزاع، أبلغت الحكومة منظمة اليونسكو أنها أخلت محتويات ٢٤ متحفًا، تضم عشرات الآلاف من القطع الأثرية، ونقلتها إلى مخازن خاصة فى مواقع آمنة.

وأدرجت منظمة اليونسكو ستة مواقع أثرية سورية على قائمة التراث العالمي، منها أحياء دمشق القديمة، وحلب القديمة، التى تُعتبر أقدم مستوطنة بشرية قائمة حتى اليوم وواحدة من أبرز المراكز الدينية فى العالم القديم، إضافة إلى قلعة المضيق، وقلعة الحصن، ومدينة بصرى القديمة، ومدينة تدمر.

كما تشمل القائمة القرى الأثرية فى شمال وشمال غربى سوريا، الواقعة ضمن الهضبة الكلسية، والتى تحتوى على مئات الأديرة والكنائس التاريخية.

تدمير الآثار 

أفاد معهد الأمم المتحدة للتدريب والأبحاث بأن صور الأقمار الصناعية كشفت عن تضرر ٢٩٠ موقعًا تراثيًا فى سوريا، يعود تاريخها إلى بدايات الحضارة. وخلص معهد الأمم المتحدة من خلال صور الأقمار الصناعية المتاحة تجاريا إلى أن هناك ٢٤ موقعا دمرت تماما، و١٨٩ موقعا تضررت بشدة أو بدرجة متوسطة، و٧٧ موقعا ربما تكون تضررت. ومن المدن الأثرية التى شهدت تدمير فى آثارها كانت “ تدمر”: ومدينة تدمر، المعروفة بـ"لؤلؤة الصحراء" أو "عروس البادية"، تحمل تاريخًا يمتد لأكثر من ٢٠٠٠ عام، وهى مدرجة على قائمة التراث العالمى الإنسانى لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).

الدمار في مدينة تدمر الأثرية

وفى عام ١٢٩ ميلادي، منحها الإمبراطور الرومانى أدريان وضع "المدينة الحرة"، وعرفت حينها باسم "أدريانا بالميرا". بلغت المدينة ذروة مجدها فى القرن الثانى الميلادي، وازدهرت بشكل خاص فى القرن الثالث تحت حكم الملكة زنوبيا، التى تحدت الإمبراطورية الرومانية.

جرائم داعش 

لم تسلم المدينة من بطش تنظيم "داعش"، الذى ألحق بها دمارًا واسعًا. قام الإرهابيون بتدمير تمثال أسد أثينا الشهير، ومعبدى بعل شمين وبل باستخدام المتفجرات، كما دمّروا عددًا من المدافن البرجية، وحولوا قوس النصر الأثرى إلى أنقاض.

أسد أثينا

ولم تقتصر جرائم التنظيم على تدمير الآثار، بل استخدموا المسرح الرومانى لتنفيذ إعدامات جماعية، وعمدوا إلى بث صور هذه الجرائم عبر وسائلهم الدعائية.

المسرح الرومانى

وفى عمل وحشى آخر، أقدموا على إعدام خالد الأسعد، مدير الآثار السابق لتدمر والبالغ من العمر ٨٢ عامًا، بعد أن عذبوه بوحشية سعيًا لمعرفة أماكن القطع الأثرية التى تم تهريبها وإنقاذها. قطعوا رأسه وعلقوا جثمانه على عمود فى ساحة المدينة، فى مشهد أثار استياء العالم أجمع.

تواريخ وأحداث

فى ١٤ مايو ٢٠١٥، اندلعت اشتباكات بين تنظيم الدولة وقوات النظام السورى قرب مدينة تدمر الأثرية، التى تمتد أطلالها على أكثر من عشرة كيلومترات مربعة شرقى سوريا.

أعربت اليونسكو عن قلقها على آثار المدينة، التى تضم كنوزًا تاريخية مثل معابد بعل وبعلشمين ونبو واللات، وقوس النصر، والحمامات، ومجلس الشيوخ.

فى ٢٨ مايو ٢٠١٥؛ نشر تنظيم الدولة تقريرا مصورا على الإنترنت بعنوان "مدينة تدْمر الأثرية" يحتوى صورا قال إنها التقطت فى هذه المدينة، وبدت فيها الآثار التى ضمت المدرج المسرحى ومدخله وأعمدة وأقواسا أثرية سليمة بعد انتزاع مقاتليه السيطرة على المدينة من القوات الحكومية.

وفى ٢٤ يونيو ٢٠١٥ فجر تنظيم الدولة ضريحين أثريين إسلاميين فى تدمر، وينشر صور التفجير.

٢٣ أغسطس ٢٠١٥: التنظيم يدمر معبد "بعل شمين" قرب المدرج الرومانى بزرع متفجرات.

وفى ٢٥ أغسطس ٢٠١٥ نشر التنظيم صور تدمير المعبد، واليونسكو وصفت ذلك بـ"جريمة حرب".

وفى ٣٠ أغسطس ٢٠١٥ دمر تنظيم الدولة "معبد بل" الواقع فى مدينة تدمر، والذى يعود للعصر الرومانى ويعد أحد الكنوز الأثرية العالمية.

وفى ٥ أكتوبر ٢٠١٥ أكدت مصادر متخصصة فى الآثار السورية أن تنظيم الدولة الإسلامية فجّر "أقواس النصر" الأثرية فى مدينة تدمر، التى تُعد من أبرز معالمها التاريخية، مع الإبقاء على أعمدتها. وأشارت المصادر إلى أن سبب التفجير قد يعود إلى وجود رموز ونقوش على هذه الأقواس.

محاولات الإنقاذ

يتذكر  خليل حريرى مدير متحف تدمر العريق معاناته وفريقه لإنقاذ القطع الأثرية قبل استيلاء تنظيم "داعش" على المدينة فى ٢٠١٥.
ويروى حريرى فى تصريحات صحفية له  كيف خاطر بحياته لنقل آثار إلى أماكن آمنة، تاركًا عائلته وراءه، ويصف يوم عودته بعد سيطرة الجيش السورى بأنه "الأصعب فى حياته" حين شاهد الآثار محطمة والمتحف مخربًا.
ويشير إلى أن "وجوه التماثيل دُمرت بالكامل"، موضحًا أن بعضها يمكن ترميمه، لكن أخرى تعرضت للتفتت الكامل.التدمير الذى طال تدمر يمثل إحدى أكبر الخسائر للتراث السوري، فى نزاع لم يترك منطقة إلا وامتد إليها.


ووصف المؤرخ جاستين ماروزي، فى تصريح له، ما حدث بأنه "كارثة ثقافية"، مشبهًا الدمار بعصر المغول حين تسبب جنكيز خان وتيمورلنك بمجازر مشابهة.
وأشار ماروزي، مؤلف كتاب "الإمبراطوريات الإسلامية: ١٥ مدينة تعرف الحضارة" إلى أن بتيمور أو تيمورلنك الذى تسبب بجحيم هنا عام ١٤٠٠."عندما يتعلق الأمر بسوريا والشرق الأوسط على وجه الخصوص، لا يسعنى إلا التفكير على الفور بتيمور، أو تيمورلنك الذى تسبب بجحيم هنا عام ١٤٠٠".

وعن الفاتح المغولى إلى مصير حلب، المدينة التى كانت تعد العاصمة الاقتصادية قبل النزاع، وتضم إحدى أفضل المدن القديمة المصنفة جزءًا من التراث العالمي. وإذا كان تيمورلنك أمر بذبح الآلاف من سكان حلب لدى غزوها قبل ستة قرون، إلا أن الدمار الذى حل بها خلال العقد الأخير لم يكن صنيعة غزاة خارجيين.

حلب  الشهباء

هى العاصمة الاقتصادية لسوريا وتقول اليونسكو إن عمرها يتجاوز ١٢٢٠٠ عام، أى أنها أقدم من مدينتى دمشق أنطاكية.

وتعرف المدينة بأسوارها وأبوابها وقلاعها العظيمة، وعند الحديث عن "حلب القديمة"، لا بد من الحديث عن أبوابها، وأبرزها باب الحديد وباب أنطاكية وباب النصر وباب قنسرين وباب النيرب وباب الأربعين، بالإضافة لأبواب أخرى اندثرت مثل باب الأحمر والجنان، الذى كان مركزا لتحويل النقود وشحن البضائع، وباب دار العدل والسعادة والسلامة والصغير والعراق والفراديس والفرج والمقام. وفيها الجامع الأموى الكبير والخانات ومدرسة فردوس، وقلعة حلب.

المسجد الأموى الكبير

شهدت باحات المسجد الأموى الكبير، معارك شديدة بين القوات النظامية السورية والمعارضة المسلحة، وأسفرت تلك الاشتباكات عن دمار هائل فى معالم المسجد الأثرى.

وأظهرت صور نشرتها وكالات الأنباء العالمية بقايا مئذنة المسجد، التى كانت شامخة منذ بنائها عام ١٠٩٠م، متناثرة فى ساحته التى كانت تزدان بجمالها، إلى جانب شظايا صواريخ وفوارغ قنابل ورصاص. ورغم أن المسجد تعرض سابقًا لحرائق ودمار كبير خلال اجتياح المغول لحلب عام ١٢٦٠، فإن بعض أجزائه ظلت سليمة هذه المرة، بينما لحقت أضرار بالغة بمنارته وأجزاء أخرى.

المسجد الأموى الكبير


واحترق قسم كبير من الفناء الداخلى  للمسجد الأموى فى نوفمبر عام ٢٠١٢ ودُمر الكثير من أجزائه أيضا وانهارت مئذنته فى أبريل ٢٠١٣.
وقال خبير الآثار الألمانى -من أصل سوري- مأمون فنصة إن المئذنة تعود للعهد الأيوبي، وتمتاز بهندستها الرائعة، وزخرفاتها البديعة،حيث تم إنقاذ المنبر وإخفاؤه فى مكان آمن، وكذلك تم بناء حائط إسمنتى حول الساعة وقبر النبى زكريا، كما تتم محاولات للحفاظ على أحجار المئذنة لاستخدامها لاحقا فى الترميم.

سوق المدينة 

أما البازار (سوق المدينة الأثري) الذى يعود تاريخ تأسيسه للعهد الهلنستي، بينما هويته وشخصيته المعمارية قبل دماره فهى بيزنطية، وبلغ طوله مع تفرعاته حوالى ١٢ كيلومترا، وقد أتى حريق هائل على قسم كبير منه، مما أدى إلى انهيار نحو ٦٠٪ منه.
وتعرضت دار الجوازات -التى تعود إلى نهاية القرن الـ١٩، وتم ترميمها سابقا بدعم من "مؤسسة الأغا خان"- لدمار كبير جدا -كما يقول فنصة- ولحق بدار الفتوى دمار وصل إلى حوالى ٥٠٪.

مساجد وكنائس 

أما المساجد والجوامع القديمة فقد تضرر ما يقارب ٣٥ منها، بينها مأذنة جامع "المهمندار"، التى تعد فريدة من نوعها فى سوريا وتعود للقرن الـ١٣، وتظهر التأثر بفن العمارة والزخرفة فى سمرقند، كما حصد الدمار ما يقارب ٥٠٪ من البيوت القديمة التى يبلغ عددها حوالى ٦٠٠٠ ويعود تاريخ بنائها إلى ما بين القرنين ١٤ و١٨.

واقتصر الدمار فى قلعة حلب على مدخلها وبابها الذى يعود للعهد الأيوبي، ولحق بعض الضرر ببعض الآثار الموجودة بالحديقة. وحسب معلوماتي، فقد قامت الحكومة بنقل بعض القطع الأثرية المهمة إلى البنك المركزى فى حلب.


وتضم قائمة مواقع التراث العالمى الصادرة عن اليونسكو ستة مواقع أثرية بارزة فى سوريا: بصرى، ودمشق القديمة، وتدمر، وقلعة الحصن، وقلعة صلاح الدين، وحلب القديمة، إضافة إلى المدن المنسية شمال غرب حلب، التى تحتوى على مئات المواقع التاريخية، يعود معظمها إلى العصرين الرومانى والبيزنطي، مثل قلعة سمعان.
وأشار فنصة إلى أن الأضرار تفاوتت بين المواقع، حيث تعرضت بصرى لدمار طفيف شمل "سرير بنت الملك"، بينما لحقت أضرار خفيفة بأطراف الحى المسيحى فى دمشق القديمة.

الرقة

مدينة الرقة التى تعد واحدة من أعرق المدن السورية، شهدت دمارًا ونهبًا واسعًا لآثارها التاريخية خلال سنوات النزاع المسلح فى البلاد. تقع الرقة على الضفة الشمالية لنهر الفرات، وكانت عاصمة الخليفة العباسى هارون الرشيد، مما جعلها مركزًا حضاريًا وثقافيًا فى العصور الإسلامية.

أبرز المواقع الأثرية فى الرقة

سور الرقة الأثرى؛ كان يحمى المدينة القديمة ويعود تاريخه إلى العصر العباسي. تعرض لأضرار كبيرة جراء القصف والاشتباكات.
وجامع الرقة الكبير؛ وهو من أبرز المعالم الإسلامية فى المدينة، شهد تدميرًا جزئيًا بسبب المعارك والقصف.
وقصر البنات؛ وهو قصر تاريخى يعود للعصر العباسي، تعرض لأضرار ونهب فى أثناء سيطرة الجماعات المسلحة.
أما متحف الرقة فكان يضم مئات القطع الأثرية المهمة، ولكنه تعرض للنهب ونقلت محتوياته بشكل غير قانونى إلى الخارج.  
وشهدت الرقة  معارك شرسة بين أطراف النزاع المختلفة، مما أدى إلى دمار واسع للبنية التحتية، بما فى ذلك المواقع الأثرية وسيطر تنظيم "داعش" على المدينة فى عام ٢٠١٤، واستخدم بعض المواقع الأثرية لأغراض عسكرية، كما قام بتدمير معالم تاريخية وبيع القطع الأثرية فى السوق السوداء، وتعرضت المدينة لقصف مكثف أثناء معركة استعادتها، مما زاد من حجم الدمار فى المواقع الأثرية.
وتشير التقارير إلى أن القطع الأثرية من الرقة تم تهريبها إلى دول مجاورة، مثل تركيا ولبنان، قبل أن تصل إلى الأسواق العالمية.
ووصف اليونسكو نهب الآثار فى سوريا، بما فى ذلك الرقة، بأنه "جريمة ضد التراث الإنساني".