يشكل التسبيح والترنيم في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أهمية كبيرة نظرا لما تلعبه من دور خطير ومؤثر في العبادة المسيحية ، وفي البداية لابد لنا أن نفرق ما بين التسبيح والترتيل ، فالتسبيح هو ركن ثابت وأساسي في طقوس الكنيسة تمثله ألحان الكنيسة القبطية بما تشمله من ( ألحان صلوات وعشيات القداس الإلهي – التسبيحة السنوية والكيهكية – ألحان المناسبات المختلفة ما بين " سنوي ،فرايحي ، حزايني ، صيامي ، شعانيني ، كيهكي، الألحان المرتبطة بالاعياد السيدية الكبرى والصغرى ، التماجيد الخاصة للسيدة العذراء والشهداء والقديسين ..... ألخ ) وكل ما يشمله هذا التراث الثري من أبصاليات وتداكيات ومدائح .... الخ . فهذا يعتبر جزء ثابت وأصيل من العبادة المسيحية التي تشكل محور أساسي في جوهر العبادة .
أهمية التسبيح والترنيم كتابيا وآبائيا :
1-احمدوا الرب . ادعو باسمه . اخبروا في الشعوب بعجائبه . غنوا له . ترنوا له . تحدثوا بكل عجائبه ( 1 اي 16 : 9 ) .
2-اهنتفوا أيها الصديقون بالرب . بالمستقيمين يليق التسبيح . احمدوا الرب بالعود .رنوا له . غنوا له أغنية جديدة . احسنوا العزف بهتاف ( مز 33- 1-3 ) .
3-هلم نرنم للرب نهتف لصخرة خلاصنا . نتقدم أمامه بحمد وبترنيمات نهتف له . لأن الرب عظيم ملك على كل الآلهة " ( مز 95 : 1 ، 2 ) .
4-سبحوه بصوت العود . سبحوه برباب وعود . سبحوه بدفوف ورقص . سبحوه بأوتار ومزمار . سبحوه بصنوج التصويت . سبحوه بصنوج الهتاف كل نسمة فلتسبح الرب "( مز 150 : 3- 6 ) .
5-امسرور أحد فليرتل : يع 5 : 13 .
ومن أقوال وكتابات الآباء عن أهمية التسبيح نذكر :
1-القديس كبريانوس أسقف قرطاجنة ( 200- 258 م ) أن مسيحي الكنيسة الأولى كانوا بترنمون بالترانيم والتسابيح الروحية في إجتماعاتهم الدينية وكان الشعب يجيبون بصوت جهوري " .
2- القديس باسيلوس الكبير ( 330- 379 م ): " ان الترانيم هي هدوء النفس وراحة الروح وسلطان السلام ويسكن الامواج ويسكت عواصف حركات قلوبنا ويخمد هيجان المتهييجين ويرد الفاجرين وينشيء الصحبة ويرد الخصام ويصالح الأعداء ..... الترنيم يطرد الأرواح الشريرة ويجذب خدمة الملائكة وهو سلاح في مخاوف الليل وراحة في الأتعاب اليومية الشاقة . وأنه للطفل حبيب ومحام وحارس . وللرجل مجد وللشيوخ بلسان تعزيو وللنساء زينة لائقة " . 3-القديس غريغوريوس النيصي : أننا بالتسابيح نصير متساويين مع الملائكة من جهة الكرامة " ( 330- 395 م ) .
4-القديس أغسطينوس ( 354- 430 ) : إن شئت تسبيح الله دائما ،فغر من سيرة الملائكة وتسبيحهم .
5-القديس يوحنا ذهبي الفم ( 344- 407 م ) : لا شيء يعطي للنفس اجنحة وينزعها من الأرض ويخلصها من رباطات الجسد ويعلمها إحتقار الأمور الزمنية مثل التسبيح بالنغمات الموزونة " .
أهمية وبركات التسبيح :
1-تقوية العلاقة مع الله : فالتسبيح وسيلة للتواصل مع الله والتعبير عن الحب والإيمان به .
2-تنقية القلب : فالتسبيح بخلص القلب من الشوائب والمشاعر والافكار السلبية ويملؤه بالسلام والفرح .
3-تقوية الإيمان : فكلما زاد التسبيح ، زاد إيمان المؤمن وقوته الروحية .
4-مقاومة الشر : التسبيح هو سلاح قوي ضد الشيطان وأعماله .
أشهر مؤلفي وملحني الترانيم في الكنيسة القبطية في العصر الحديث :
أما الترانيم ، فهي كلمات وألحان من صنع بشر معروفين ومحددين بالأسم ، لعل من أشهرهم الترانيم التي وضعها الأرشيدياكون القديس "حبيب جرجس " ( 1876- 1951 م ) وتم طبعها في كتاب بعد ذلك باسم " الترنيمات الروحية للكنيسة القبطية " ، وأيضا القصائد التي نظمها حضرة صاحب القداسة والغبطة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث ( 1971- 2012 ) ، ثم تم تلحينها بعد ذلك ، ولعل من أشهرها ترانيم ( قلبي الخفاق ، ذلك الثوب ، أغلق الباب وحاجج فى دجى الليل يسوعا ، كم قسا الظلم عليك ، غريبا عشت في الدنيا ، هذه الكرمة ، من ألحان بارباس ..... الخ ) . ثم توالت شرائط الترانيم التي تركت تأثيرا كبيرا في وجدان الشعب القبطي ، مثل شرائط ترانيم من كتاب " سبحوا الله " للمرنم "فيصل فؤاد " . وهي حسب ما أدلى لنا الدكتور فيصل فؤاد في تصريح خاص " هي سلسلة ترانيم أختيروا بعناية مقتبسة من كتاب " سبحوا الله " ، وبلغ عدد الألبومات التي تحوي هذا الأسم 12 ألبوم ، تبعها سلسلة ألبومات بأسم "كورال أسرة القديس اغسطينوس التابعة لكلية الصيدلة ، وصدر منها 10 ألبومات . كذلك أيضا نذكر شريط ترانيم " شباب الأنبا رويس " للدكتور "مجدي لطيف " . ثم أصدرت كنيسة الأنبا رويس سليلة ألبومات مستوحاة من أسفار الكتاب المقدس مثل ( أوبريت سفر التكوين –أوبريت سفر الخروج – أوبريت سفر الللاويين –أوبريت سفر القضاة – أوبريت سفر راعوث –أوبريت سفر الرؤيا ) . ثم توالت الأعمال الأبداعية التي كتبها ولحنها مجموعة من شباب الكنيسة الموهوبين مثل " الشماس ضياء صبري " التي ترك لنا مجموعة من ترانيم وتماجيد السيدة العذراء ، الشهيد العظيم مارجرجس ، رئيس الملائكة ميخائيل ...... الخ . ثم شريط ترانيم الشماس المهندس "جورج كيرلس " الذي كون فريق من الموسيقين عرف باسم "فرقة ديفيد " ، ولقد قام جورج كيرلس بعمل تجربةفريدة في زمنها ، وهي تلحين قطع منتقاة من سفر المزامير ، ثم تلحينها وتوزيعها موسيقيا بعد ذلك ،ولقد صدرت كل هذه الترانيم في مجموعة شرائط نذكر منها على سبيل المثال :
1-
شريط الصلب - عام 1977 .
2-
شريط القيامة – عام 1978 .
3-
شريط تعزيات – عام 1979 .
4-
شريط العذراء – عام 1987 .
5-
شريط العذراء والكنيسة – 1989 .
6-
أوبريت المسيح أمس واليوم وإلى الأبد .
ولقد كان للطفل نصيب كبير في إصدار مجموعة كبيرة من شرائط الترانيم التي تخاطب وجدان الطفل في كلمات وألحان بسيطة تناسب مستوى فهم واستيعاب الطفل ، لعل من أشهرها سلسلة شرائط ترانيم كنيسة مارجرجس الجيوشي ، لعل من أشهرها ( الملكة والأمير – نجم أذاب الجليد - شيري –أحكي يا تاريخ ..... الخ ) . ثم شرائط الكورال التي صدرت عن " أطفال الأنبا رويس " وغير ذلك الكثير .
ثم ظهرت بعد ذلك سلسة شرائط ترانيم الشماس " بولس ملاك " والتي مزج فيها بين مدائح الشيدة العذراء ، الملاك ميخائيل ، الشهيد العظيم أبو سيفين ، عبد المسيح المناهري ، البابا كيرلس السادس .... الخ ، وبعض الترانيم الحديثة .
وبالطبع لن ننسى جهود المرتل المعلم "إبراهيم عياد " ،وهو وإن كان كل جهوده مركزة في الألحان الكنسية ، الا أنه كان المسؤول عن الترانيم في الاجتماع الأسبوعي لقداسة البابا شنودة الثالث خلال الفترة من ( 1971- 2012 ) وكان يتعاون معه في الفترة الأخيرة الاستاذ باخوم شاكر نجل الأستاذ شاكر باسيليوس ( 1919- 1995 ) أستاذ اللغة القبطية بالكلية الإكليركية من خلال بعض الترانيم على آلة العود .
شروط الترنيمة القبطية السليمة :
1-الالتزام بالعقيدة الأرثوذكسية بحيث تعبر بشكل كامل عن العقيدة الأرثوذكسية بشكل صحيح .
2- الاستناد إلى آيات الكتاب المقدس ومستوحاة منه .
3-التوافق مع الطقس القبطي ،وأن تعزز جو العبادة القوية .
4-كلمات الترنيمة يجب أن تكون واضحة المعنى ، وأن تستخدم لغة وعبارات لاهوتية سليمة .
5-لحن وإيقاع الترنيمة يجب أن يعبر عن الهدوء والوقار الذي تتميز به الحان كنيستنا ، والبعد عن الموسيقى الصاخبة التي لا تناسب جو العبادة الأرثوذكسية .
6-إداء الترنيمة يجب أن يؤدى بوضوح وإتقان ، وان يعكسوا في إدائهم إيمانهم وحبهم لله .