تحولات جبهة النصرة فى سوريا بين الانتماء لتنظيم القاعدة ومزاعم التحرر الوطني
كيف تصدرت الجماعات المسلحة المشهد السياسى والعسكرى فى سوريا
هيئة تحرير الشام وحركة طالبان.. تشابه الأهداف واختلاف التوجهات والأفكار
كيف تتغلب النصرة على الاحتجاجات الشعبية وما ضماناتها تجاه استرضاء معارضيها؟
هل ينسى السوريون التعذيب فى سجون جبهة النصرة؟
فى أغسطس عام ٢٠٢١م، كان الانسحاب الأمريكى من أفغانستان قبل تنصيب الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن بأسابيع قليلة، الذى فاز على خصمه الشرس دونالد ترامب فى واحدة من أسخن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، واعتبر ذلك الانسحاب ضوءا أخضر سمح لطالبان بموجبه الصعود مرة أخرى إلى السلطة فى البلاد بعد عقدين من العمليات المسلحة التى قادتها الحركة ضد القوات الأمريكية وضد الحكومات الأفغانية التى كانت تعتبرها الحركة موالية للأمريكان وكذا ضد الفصائل المسلحة الأخرى فى أفعانستان خاصة فى منطقة بنجشير التى خاضت الحركة معارك شرسة مع بقاياها بعد الانسحاب الأمريكى مباشرة.
سقطت أغلب الأراضى الأفغانية خلال أسابيع، دون قتال فى يد الحركة ما عدا مناوشات بسيطة فى بعض مناطق نفوذ الجماعات المناوئة للحركة خاصة إقليم بنجشير وهروب الرئيس الأفغانى أشرف غنى خارج البلاد، ليكرر هذا المشهد نفسه من جديد بعد ما يقرب من ٤ سنوات، فى منطقة أخرى من أكثر المناطق التهابًا على وجه الأرض، فخلال أسابيع قليلة تمكنت الجماعات المسلحة ذات الأصول الجهادية بقيادة جبهة النصرة، من إعلان سيطرتها على العاصمة السورية دمشق، وتنحى الرئيس السورى بشار الأسد بعد ١٤ عامًا من الثورة ضده.
دلالات المشهد
لا يمكن قراءة المشهد السورى حاليا بمعزل عن ذلك السياق الإقليمى والدولى والدور الأمريكى فى المنطقة، فسقوط دمشق فى يد المعارضة المسلحة (افتراضياً) قبل تنصيب رئيس أمريكى جديد يحمل الكثير من الدلالات المهمة على المستويات السياسية والاستراتيجية، سواء بالنسبة للوضع السورى أو للمشهد الدولي. من أهم هذه الدلالات:
أولا: حساسية التوقيت
المعروف أنه قبل تنصيب الرئيس الجديد، تكون السياسة الخارجية الأمريكية فى فترة انتقالية تتسم بالفراغ النسبى أو التركيز على الأوضاع الداخلية، مما قد يحدّ من استجابة الولايات المتحدة الفورية للأحداث الخارجية، أما فى حالة سوريا وأفغانستان فقد كانت هناك معايير أخرى تعكس أن سقوط النظام بهذه الصورة لم يكن غائبا عن الحضور الأمريكى ، خصوصاً إذا كان الرئيس المنتخب من فريق يعيد النظر فى السياسة الأمريكية تجاه سوريا والشرق الأوسط فى ظل القضايا المشتعلة.
ثانيًا: التوازن الإقليمى والدولي
الدول الداعمة للمعارضة المسلحة قد تستثمر هذا الحدث لدعم موقفها الإقليمي، خصوصاً تركيا، لتقوية نفوذها فى سوريا ومواجهة خصومها، مثل إيران وروسيا. اللذين يعتبر سقوط دمشق هزيمة كبرى لكل منهما وهو ما سيؤدى إلى تكثيف جهودهما العسكرية والدبلوماسية لاستعادة المبادرة.
ولذلك فليس من المستبعد أن ترد روسيا بضربات انتقامية، أو تقود جهودًا دبلوماسية مكثفة لاستصدار قرارات أممية تُدين المعارضة وهو أمر تؤيده خلفيات المعارضة المسلحة المصنفة على قوائم الإرهاب.
أما إيران فستعتبر الحدث تهديداً مباشراً لمشروعها الإقليمي، مما قد يؤدى إلى تصعيد أوسع يشمل الميليشيات التابعة لها فى المنطقة.
ثالثا: التنظيمات المسلحة
لا شك أن سقوط دمشق بهذه الصورة أدى إلى تعزيز موقف جبهة النصرة المنشقة عن تنظيم القاعدة التى يحاول زعيمها منذ سنوات الظهور أمام العالم على أنه زعيم وطنى وأن جماعته المسلحة ما هى إلا حركة تحرر وطنى رغم خلفياتها وجرائمها فى مناطق نفوذها، لكن المشهد لن يكون ورديًا أمامها بهذه السهولة وهو ما يجعلها تواجه العديد من التحديات: أبرزها:
الصراع الداخلي:
إن الوقوف على تاريخ نشأة جبهة النصرة كفصيل مسلح منشق عن تنظيم القاعدة، والصراعات القديمة التى دخلها مع العديد من الأطراف الأخرى المشاركة معه الآن فى إسقاط النظام السورى برئاسة الأسد يؤكد ضرورة انفراط عقد هذه الكيانات المتعددة وهو أمر معتاد فى الحالة السورية وفى كل الجماعات الإرهابية التى يحدث بينها تحالفات وقتية، فبعد انتهاء الهدف من التحالف تبدأ الصراعات والخلافات التى تنقلب فيما بعد إلى حروب وانشقاقات وظهور فصائل وكيانات مسلحة من قلب التحالف قد تكون أقوى من التحالف نفسه.
الضغوط الدولية:
لا يمكن أن ينسى المجتمع الدولى أصول تلك الجماعات الجهادية مهما حاولت الظهور بصورة المتسامح المتفاعل مع النظام العالمي، ولذلك لن يكون الاعتراف الدولى بحكومة تعينها، أو نظام سياسى جديد تفرضه على الأرض محل قبول أممى كما هو الحال مع حركة طالبان التى تسلمت السلطة فى أفغانستان فعليًا منذ ١٥ أغسطس ٢٠٢١م ولكنها لم تحصل على الاعتراف الأممى حتى الساعة رغم محاولاتها المتعددة لتقديم تنازلات مقابل هذا الأمر، وهو ما قد يؤدى إلى أن يتدخل المجتمع الدولى لفرض حلول سياسية وإدارة انتقالية تُرضى الأطراف الدولية.
رابعًا: التأثير على الشعب السوري
يظل الشعب السورى بكل مكوناته الحاضر الغائب من المشهد رغم أنه العنصر الأساسى فى الأحداث، فالمواطن السورى البسيط هو الذى تنعكس عليه كل تلك الأحداث، ولا يمكن إغفال آثار تلك الشبكة العنكبوتية من المصالح الدولية الفاعلة فى المشهد السورى على المواطن السوري، وكذلك الصراعات المتوقعة بين الفصائل المسلحة الأخرى خارج حلب وحماة وحمص ودمشق والتى تسيطر عليها وتعتبر أنها مناطق حكم ذاتى لها كما هو الحال مع الأكراد فى الشمال وقوات سوريا الديمقراطية وكذلك البؤر التى لا تزال تحت سيطرة عناصر من تنظيم داعش الإرهابى وكذلك المناطق التى تسيطر عليها جماعات مسلحة أخرى.
كل هذه التشابكات المتضرر الأكبر منها دائما هو المواطن السوري، وبالتالى فإن المشهد المعقد بهذا الشكل بعد سقوط دمشق قد يؤدى إلى موجة جديدة من اللاجئين والنزوح الجماعى بسبب العمليات الانتقامية المحتملة من قِبل النظام أو الميليشيات الحليفة. وبالتالى فالمدن والمناطق الأخرى ستدخل فى حالة ترقب، وقد يتسارع التفكك الاجتماعى والسياسي.
سقوط دمشق فى توقيت كهذا سيُحدث فوضى سياسية واستراتيجية على المستويين الإقليمى والدولي، مما سيضع تحديات كبيرة أمام النظام العالمى وأطراف الصراع فى سورية. هذا الحدث سيختبر قدرة الأطراف الفاعلة على التكيّف السريع مع التغيرات، وسيدفع إلى إعادة رسم خرائط النفوذ والتأثير فى سورية والمنطقة.
تجربة طالبان
ما حدث فى سوريا خلال الأيام القليلة الماضية يعيد إلى الأذهان ما وقع من قبل فى أفغانستان واستيلاء حركة مسلحة ذات توجهات أيديولوجية معروفة على السلطة تتشابه فى كثير من النقاط مع المعارضة السورية المسلحة ذات الأصول الحركية الجهادية.
ورغم اختلاف السياقات الثقافية والجغرافية بينهما. فكلاهما نشأ فى ظروف فوضى سياسية وأمنية، وكلاهما وجد دعمًا خارجيًا مكثفًا فى مراحله الأولى. طالبان، على سبيل المثال، استفادت من الدعم الباكستانى لمواجهة السوفييت فى الثمانينيات، فى حين أن المعارضة السورية المسلحة حظيت بدعم إقليمى ودولى فى سياق الصراع مع النظام السوري.
من الناحية الأيديولوجية، بينما تركز طالبان على رؤية إسلامية متشددة وإقامة نظام حكم يستند إلى تفسيرها للشريعة، تضم المعارضة السورية طيفًا أوسع من الحركات، يتراوح بين الإسلامية المعتدلة والمتشددة إلى القومية والليبرالية. ومع ذلك، فإن صعود الفصائل الأكثر تشددًا مثل جبهة النصرة وتنظيم "الدولة الإسلامية" جعل المشهد السورى أقرب إلى النموذج الأفغاني، حيث يصبح التنافس بين الفصائل المسلحة حول النفوذ والمناطق، بدلاً من الأهداف الوطنية المشتركة، هو السمة الغالبة.
التشابكات الدولية
كما يُعد التدخل الدولى عاملاً حاسمًا فى الحالتين السورية والأفغانية. فى أفغانستان، شكّل الانسحاب الأمريكى المفاجئ عاملاً رئيسيًا فى تمكين طالبان من السيطرة السريعة، بينما بقيت القوى الإقليمية مثل باكستان وإيران فى دائرة النفوذ، مما جعل الوضع أكثر تعقيدًا. فى سوريا، نرى تشابكًا دوليًا أكثر تعقيدًا، حيث تتداخل مصالح روسيا، وإيران، وتركيا، والولايات المتحدة، ودول الخليج.
روسيا، على سبيل المثال، كانت الداعم الرئيسى للنظام السوري، بينما دعمت تركيا فصائل المعارضة المسلحة، وسعت الولايات المتحدة إلى دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) فى الشمال الشرقي. هذه التشابكات تعنى أن أى تغييرات كبيرة، مثل سقوط دمشق، لن تحدث دون تدخلات أو تفاهمات بين القوى الدولية والإقليمية.
معارضة المعارضة
أما عن السياق السوري، فتلعب الفصائل المسلحة المناهضة لجبهة النصرة (المعروفة الآن بهيئة تحرير الشام) دورًا محوريًا فى تحديد مستقبل المعارضة. تسببت الانقسامات الأيديولوجية والسياسية داخل المعارضة السورية فى إضعاف موقفها العام، حيث إن الفصائل المدعومة دوليًا غالبًا ما تصطدم بفصائل أكثر تشددًا. على سبيل المثال، الخلافات بين هيئة تحرير الشام وفصائل الجيش الحر أو الجماعات المدعومة من تركيا أدت إلى حروب داخلية تستنزف الجهود العسكرية والسياسية للمعارضة. إذا سقطت دمشق، فإن هذه الانقسامات قد تؤدى إلى صراع على السلطة داخل المناطق المحررة، ما يكرّس حالة من عدم الاستقرار.
إمكانية تقسيم البلاد
إحدى النتائج المحتملة لتطور الأحداث فى سوريا هى تقسيم البلاد فعليًا إلى مناطق نفوذ متفرقة، وهو ما نراه بالفعل على الأرض. النظام السورى يسيطر على مناطق محدودة تتركز حول دمشق والمدن الكبرى، بينما تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على شمال شرق البلاد بدعم أمريكي، وتدير المعارضة المسلحة مناطق فى الشمال بدعم تركي.
سيناريو التقسيم يصبح أكثر واقعية إذا استمر غياب التوافق الدولى على حل سياسى شامل. قد نشهد تأسيس مناطق حكم ذاتى أو دويلات مصغرة تعكس توازنات القوى الحالية، مع استمرار الصراع على الموارد والنفوذ بين القوى الكبرى والإقليمية.
مستقبل الصراع المحلي
الوضع فى سوريا ليس مفروشًا بالورود أمام المعارضة السورية المسلحة التى تمكنت من إسقاط النظام والاستيلاء فقط على أغلب مناطق نفوذه، لكن الأمر الذى يغيب عن المشهد حاليا هو المناطق خارج نفوذ تلك الفصائل والتى ليس لها ولاية عليها، كتلك التى يسيطر عليها فصائل أخرى كقوات سوريا الديمقراطية فى الشمال وكذلك تنظيم الدولة.
إذ تمثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) طرفًا رئيسيًا فى المعادلة السورية، لا سيما فى شمال شرق البلاد. بفضل دعم التحالف الدولى لها، وقد لعبت قسد دورًا كبيرًا فى هزيمة تنظيم "داعش الإرهاب"، لكنها تواجه تحديات مستمرة فى ظل صراعها المستمر مع تركيا التى تعتبرها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني.
فيعتمد مستقبل قسد إلى حد كبير على السياسات الأمريكية، فإذا انسحبت الولايات المتحدة أو خفضت دعمها، قد تجد قسد نفسها مضطرة للتفاوض مع بقايا النظام السورى أو تركيا لضمان بقائها.
أما تنظيم "داعش"، فرغم انهياره ككيان جغرافي، إلا أنه لا يزال يحتفظ بخلايا نشطة فى سوريا والعراق، ما يعنى أنه يمكن أن يستغل أى فراغ أمنى أو سياسى لإعادة تنظيم صفوفه مرة أخرى وشن هجمات تستهدف زعزعة الاستقرار لإعادة ما كانت عليه سوريا بعد ٢٠١٤م مرة أخرى.
الاحتجاجات الشعبية ضد الجبهة
رغم القبضة الحديدية التى تفرضها النصرة على مناطق سيطرتها، شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا فى الاحتجاجات الشعبية ضدها، خاصة فى إدلب وبعض مناطق ريف حلب. أسباب هذه الاحتجاجات تتراوح بين الغضب من ممارسات الجبهة القمعية، وتدهور الأوضاع المعيشية، والخلافات الأيديولوجية مع السكان المحليين.
خرجت مظاهرات فى مدن مثل إدلب ومعرة النعمان وسرمدا، حيث رفع المحتجون شعارات تطالب الجبهة بوقف القمع، والإفراج عن المعتقلين، وتحسين الظروف المعيشية.
كما نفّذ الأهالى إضرابات عامة فى بعض المناطق رفضًا للضرائب التى تفرضها الجبهة أو احتجاجًا على انتهاكاتها. هذه الإضرابات شهدت مشاركة واسعة من التجار وأصحاب الأعمال، ما أدى إلى شلل اقتصادى مؤقت فى بعض المناطق.
صدامات مع فصائل أخرى
لم تقتصر المعارضة لجبهة النصرة على المدنيين فقط، بل شملت فصائل مسلحة أخرى كانت ترى فى سياسات الجبهة تهديدًا لمصالحها أو تقويضًا للثورة السورية. أدى ذلك إلى مواجهات عنيفة فى بعض الأحيان، مثل تلك التى وقعت بين النصرة وفصائل الجيش الحر.
مستقبل النصرة فى سوريا
مع استمرار الأوضاع المتوترة فى سوريا، يبقى مستقبل جبهة النصرة غير واضح. ورغم أنها تمكنت من البقاء كقوة مهيمنة فى إدلب، فإن استمرارها فى مواجهة الضغوط المحلية والدولية يبدو صعبًا على المدى الطويل. السيناريوهات المحتملة تشمل:
تزايد المعارضة الشعبية
إذا استمرت النصرة فى سياساتها القمعية، فقد تجد نفسها معزولة بشكل أكبر عن الحاضنة الشعبية، ما قد يؤدى إلى انهيار نفوذها تدريجيًا.
استمرار المواجهات مع القوى الإقليمية والدولية
أى تصعيد دولي، سواء من قبل روسيا أو التحالف الدولي، قد يؤدى إلى تقليص نفوذ النصرة أو القضاء عليها عسكريًا.
إعادة التكيّف أو التغيير
كما غيرت النصرة اسمها وهويتها عدة مرات، قد تحاول مرة أخرى تقديم نفسها بشكل جديد للتكيف مع الضغوط الدولية والإقليمية.
رغم محاولاتها فرض سيطرتها على إدلب ومحيطها، يبدو أن قدرة النصرة على الاستمرار مرهونة بمدى قدرتها على التكيف مع الضغوط المحلية والدولية، وهو أمر لا يزال محل شك كبير.
ما بعد الأسد
تنحى الأسد، إذا حدث، سيكون نقطة تحول كبرى فى الأزمة السورية، لكنه لن يكون بالضرورة نهاية الصراع. قد يؤدى رحيل الأسد إلى فتح المجال أمام ترتيبات سياسية جديدة، لكن المشهد المعقد على الأرض يجعل أى انتقال للسلطة محفوفًا بالمخاطر.
سيناريوهات ما بعد الأسد قد تشمل محاولة تشكيل حكومة انتقالية بدعم دولي، لكن هذا سيتطلب توافقًا بين الفصائل المختلفة وضمان عدم تحول سوريا إلى ساحة صراع مستدامة بين القوى الإقليمية والدولية. كما أن الجماعات المسلحة التى اكتسبت خبرة وقوة على مدى السنوات الماضية قد تعارض أى ترتيب سياسى لا يضمن لها دورًا رئيسيًا، ما يهدد بإطالة أمد الصراع.
فى المجمل، فإن التشابهات بين السيناريوهين الأفغانى والسورى تلقى الضوء على كيف يمكن أن تؤدى التدخلات الدولية والصراعات الداخلية إلى نتائج كارثية، ما لم يتم التوصل إلى حلول شاملة ومستدامة. التحدى الرئيسى فى الحالتين هو كيفية تحقيق الاستقرار فى ظل وجود قوى محلية وإقليمية متنافسة، وأطراف دولية تسعى لتحقيق مصالحها دون اعتبار يذكر لاحتياجات الشعوب المعنية.
جبهة النصرة التى أعادت تسمية نفسها إلى هيئة تحرير الشام بعد سلسلة من التحولات التنظيمية والسياسية أثارت الكثير من الجدل منذ ظهورها فى الأزمة السورية عام ٢٠١٢، سواء على المستوى الداخلى فى سوريا أو الإقليمى والدولي. تأسست الجبهة كفرع لتنظيم القاعدة فى سوريا، وسرعان ما أثبتت وجودها كأحد أقوى الفصائل المسلحة، لكنها واجهت انتقادات شديدة بسبب ممارساتها القمعية، جرائمها ضد المدنيين، وتجاوزاتها بحق المعارضين وحتى الفصائل الأخرى.
مخاوف وتحذيرات
رغم حالة التفاؤل التى يحاول الترويج لها الكثير من المتعاطين مع المشهد، إلى أن تاريخ جبهة النصرة على أرض الواقع يوحى بكثير من المخاوف التى تعيد إنتاج ما هو أخطر مما تعرض له السوريون من قبل، خاصة فى ظل التاريخ الأسود لجبهة النصرة وجرائمها ضد المدنيين فى مناطق نفوذها.
منذ ظهورها وسيطرتها على مساحات واسعة من الأراضى السورية بعد ٢٠١٢م، خصوصًا فى محافظة إدلب وأجزاء من شمال غرب البلاد، اتُّهمت جبهة النصرة بارتكاب مجموعة من الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين والمقاتلين الآخرين. ومن أبرز الجرائم التى وُثقت ضد الجبهة:
جرائم الجبهة
اعتقلت الجبهة مئات المدنيين، بمن فيهم ناشطون حقوقيون وصحفيون وعمال إغاثة، تحت ذرائع متعددة مثل "التعامل مع الغرب"، أو "التعاون مع النظام"، أو حتى مجرد انتقاد سياساتها. وكان العديد من هؤلاء المعتقلين عرضة للاختفاء القسري، حيث لا يزال مصيرهم مجهولًا حتى الآن ولا يعرف هل مازالوا على قيد الحياة أم لا.
كما وثّقت تقارير حقوقية العديد من حالات التعذيب داخل سجون الجبهة، بالإضافة إلى تنفيذ أحكام إعدام ميدانية دون محاكمات عادلة. استخدمت الجبهة التعذيب كأداة لانتزاع الاعترافات ولإرهاب المعارضين.
وارتكبت الجبهة هجمات عشوائية بالقصف المدفعى أو العمليات العسكرية ضج المدنيين، ما أدى إلى مقتل وجرح العديد من السوريين. كما فرضت حصارات قاسية على بعض المناطق، مما أدى إلى معاناة إنسانية شديدة.
وتتهم التقارير الحقوقية جيهة النصرة بمصادرة ممتلكات العديد من المدنيين والفصائل الأخرى فى المناطق التى سيطرت عليها، وفرضت ضرائب ورسومًا تعسفية على السكان، تحت ذرائع دينية أو مالية، مما زاد من معاناة الأهالي.
وقد وثق المراقبون العديد من تلك الجرائم منها تقارير المرصد السورى لحقوق الإنسان والذى أصدر العديد من البيانات الإعلامية فى هذا الشأن من بينها تقرير نشر فى يناير ٢٠٢٢م قال فيه:
إن هيئة تحرير الشام مستمرة فى ارتكاب أنماط متعددة من انتهاكات حقوق الإنسان، بشكل رئيس فى مراكز الاحتجاز التابعة لها، وقد وثَّق التقرير مقتل ما لا يقل عن ٥٠٥ مدنيين على يد الهيئة بينهم ٧١ طفلاً و٧٧ سيدة، و٢٨ بسبب التعذيب، إضافة إلى ما لا يقل عن ٢٣٢٧ شخصاً لا يزالون قيد الاحتجاز التعسفى أو الاختفاء القسرى لدى الهيئة.
سجون الهيئة
ورغم الفيديوهات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعى لاقتحام سجون الأسد فى المناطق التى استولت عليها الفصائل المسلحة بقيادة جبهة النصرة وإطلاق سراح السجناء منها إلا أن هذا المشهد الدرامى العاطفى لا يمكن أن يجعل السوريين يتناسون السجون التابعة لجبهة النصرة فى مناطق نفوذها والتى أصبحت رمزًا للقمع والانتهاكات من أبرز تلك السجون:
سجن إدلب المركزي
يُعتبر من أكبر السجون التى تديرها الجبهة، وهو المكان الذى يُحتجز فيه العديد من المدنيين والمقاتلين الذين يعارضونها. وقد وثقت الكثير من التقارير الحقوقية ما يتعرض له السجناء فيه للتعذيب الممنهج وسوء المعاملة.
سجن العقاب
ويعتبر واحدًا من أسوأ السجون سمعةً فى سوريا، حيث أشارت شهادات من ناجين إلى تعرض المحتجزين فيه للتعذيب الوحشي، بما فى ذلك الضرب المبرح والتجويع والإذلال النفسي.
سجون مؤقتة ومعسكرات احتجاز
وتدير جبهة النصرة العديد من مراكز الاحتجاز المؤقتة فى المناطق التى تسيطر عليها. وغالبًا ما تكون هذه المراكز عبارة عن منازل أو منشآت حولتها الجبهة إلى أماكن احتجاز دون مراعاة أدنى معايير الإنسانية.