كان للاعب محمد صلاح دور في حل مشكلات عويصة خلال زيارتي لأذربيجان مؤخرا أثناء تغطية قمة المناخ كوب 29. الأمر ليس من باب المبالغة وإنما هذا ما حدث بالفعل حيث واجهتني مشكلة التواصل مع شعب لا يتقن إلا الحديث بلغته واللغة الروسية. ومنذ وصولي الفندق فوجئت بتغيير الأسعار مخالفة للحجز الإلكتروني المسبق، مع مبالغة في الزيادة. كذلك الأمر بالنسبة لسيارات الأجرة عند التنقلات. ونفس الأمر عند محاولتي تغيير التذكرة بعد مد المؤتمر. وفي كل موقف كان كلمة السرّ محمد صلاح. وحدث نفس الشيء مع زملاء وأصدقاء آخرين. بمجرد أن يعرف الأذربيجانيون أننا من مصر، يردون بإعجاب ولهفة "بلد محمد صلاح"، ثم تنحل المشكلات في سهولة وتزول كل العراقيل!
وهكذا بدون قصد يتحول محمد صلاح إلى رمز ليس له مثيل، ويعني ذلك أنه من مقومات القوة الناعمة المصرية، باعتبار أن محمد صلاح يتصدرها عند الحديث عن مصر. ورأينا كيف تعمد دول أخرى في المنطقة إلى الاستفادة من حضوره ورمزيته لتحسين صورتها الذهنية. ومصر لديها العديد من المقومات التي قد لا تتوافر لدول غيرها بل تحسدنا عليها دول أخرى، ونحتاج فقط استخدامها بوعي وصورة أفضل.
والحقيقة أن غالبية الدول تحاول استخدام قوتها الناعمة بأقصى قدر ممكن، خاصة أن الأمر لم يُترك هكذا للاجتهادات بل هناك مؤشر للقوة الناعمة العالمي وتحاول الدول أن تحتل مرتبة متقدمة في هذا المؤشر. وهذا الترتيب يساعدها في الترويج بسهولة لمقاصدها السياحية والاستثمار من كبرى الشركات العالمية. لذلك تتبنى مشروعات لافتة لبناء العلامة التجارية الوطنية، منها إقامة فعاليات دولية كبرى مثل البطولات الرياضية خاصة كرة القدم، والمؤتمرات والمهرجانات والمعارض والحرص على محتوى يستقطب الشباب والنساء والأطفال ورجال الأعمال وشركات الإعلام والعلاقات العامة. هذا بالإضافة للمبادرات الدبلوماسية مثل مؤتمرات السلام وفض المنازعات المحلية والإقليمية.
كل ذلك من شأنه أن يساهم في بناء العلامة التجارية الوطنية، وأصبح بالتالي الهدف لكل الدول، أكثر فأكثر من ذي قبل، من أجل تأثيث صورة ذهنية إيجابية عن الثقافة والتراث والعلوم والأعمال والدبلوماسية بحيث تسير جنبًا إلى جنب مع بناء صورة من الألفة والتأثير لدى الشعوب الأخرى. وتطمح الدول حاليا لاكتساب المزيد من مقومات القوة الناعمة حتى تصبح مؤثرة لأنها تعلم أن القوة الصلبة "العسكرية" ليست كافية لتعزيز مصالحها بل قد تتحول إلى دول "مكروهة" و"مرفوضة"؛ وهنا تكمن أهمية تنوع مصادر القوة.
وتريد الدول امتلاك مصادر القوة أيضا لحماية نفسها، أو التوسع إقليميا، والتأثير على الغير وفرض سياساتها، والترويج لنفسها على كل الأصعدة بحيث تزيد من رصيد مصالحها وتعزيز حضورها على الساحة الدولية.
وعلى المستوى الفكري، هناك العديد من النظريات الآن التي يستفيد منها صانعو القرار لتحسين أدواتهم. ويقدم جوزيف ناي Joseph S. Nye مفهوم القوة الناعمة في كتابه Bound to Lead، والذي يعتبر من أهم المراجع في تعريف علم القوة الناعمة. ويوضح أهمية القوة الناعمة من أجل تحقيق مكاسبها وتأثيرها في محيطها وصناعة صورة ذهنية قوية. ويشير إلى أن القوة الناعمة لأي بلد تعتمد على ثلاثة موارد أساسية: ثقافتها وفنونها، وقيمها السياسية، وسياساتها الخارجية ونهجها الدبلوماسي. أما القوة الصلبة فهي التي تعتمد على استخدام القوة الفعلية بشكل رئيسي في ساحات السلم والحرب.
والجديد في هذا العلم، الذي أصبح يُدرّس في الجامعات كمكوّن تابع لقسم العلوم السياسية والإعلام السياسي Political media، تقديم جوزيف ناي لنوع ثالث من القوة، وهو القوة الذكية Smart Power. وقد عرّف القوة الذكية بأنها "القدرة على الجمع بين القوتين الصلبة والناعمة في استراتيجية ناجحة"، وهي وراء حجم صعود الأمم في السنوات المقبلة. ويشير إلى أن الدول قد يكون في رصيدها العديد من الإنجازات، مثل الجيوش القوية والاقتصاد المزدهر والموارد البشرية ذات المهارات المتعددة؛ مع ذلك هناك ضعف في الصورة الذهنية وحاجة ملحة للتركيز على تعزيز الإعجاب. والمثال الواضح في هذا الإطار هو الصين التي سجلت درجات منخفضة في القوة الذكية، بشكل غير متناسب مع باقي مقوماتها. ويفسر جوزيف ناي ذلك بضعف السمات الشخصية والقيم الإنسانية مثل "الود" و"المرح".
ونحن في مصر لدينا الكثير من الود والمرح في شخصية المصريين، ومقومات أخرى رئيسية في التأثير وبناء السمعة والصورة الذهنية وهي عناصر ثرية في بناء القوة الذكية التي تتوافر في شخصيات مثل محمد صلاح ورموز رياضية وفنية وثقافية وسياسية واقتصادية أخرى.