يُقدر عدد المسلحين الذين سيطروا على مدينة حلب السورية وريفها وفق بعض التقديرات على الأرض بقرابة خمسة عشر ألف مسلح تم تدريبهم وتهيئتهم على مدار ستة أشهر كاملة، فضلًا على أنهم استفادوا من مناخ الفوضى الذي خلفته الحرب والصراعات التي ضربت المنطقة وبخاصة الحرب الإسرائيلية.
ولذلك هؤلاء الذين سيطروا على كبرى المدن المسلحة لم يكونوا مسلحين فقط، ولا يمكن اختصارهم تحت هذا العنوان فقط، فهم متطرفين، أغلبهم يؤمنون بأفكار هيئة تحرير الشام وجبهة النصرة سابقًا، بل كانوا جزءً من التنظيم، فضلًا على إنضوائهم تحت لواءه.
وكما هو معروف أنّ جبهة النصرة ذات انتماء ارتبط بتنظيم داعش، فأبو بكر البغدادي، الملقب بأول خليفة لداعش، هو من أرسل أبو محمد الجولاني للقتال في سوريا في العام 2011 وداعش وقتها كانت تعمل تحت لافتة الدولة الإسلامية في العراق وظل على ذلك لسنوات، قبل أنّ يفك الأخير ارتباطه بالتنظيم، ويُعلن مبايعته فيما بعد لتنظيم ما يُعرف بقاعدة الجهاد.
وهنا حاولت هيئة تحرير الشام خلع ثوبها القديم، خاصة وأنها وضعت على قوائم الإرهاب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وسوريا ودول أخرى، وهنا أطلقت على نفسها أسماء منها نصرة الشام أو هيئة التحرير ثم هيئة تحرير الشام، فمهما تغيرت الأسماء يظل مدلول الهيئة أو الجبهة بأفكار من ينضمون لها واحد.
وهنا لابد أنّ نكون أكثر وضوحًا في تعريف هؤلاء بأنهم جماعات متطرفة؛ صحيح هذه الجماعات معارضة ومسلحة، ولكنها في الأساس جماعات متطرفة، ومن الخطأ اختزالها في وصف الجماعات السورية المسلحة فقط.
صحيح هناك جماعات معارضة مسلحة شاركت في معركة حلب، ولكنها قليلة جدًا أمام الجماعات المتطرفة، فضلًا على أنّ كل هذه الجماعات تنطوي تحت لواء هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة وتأتمر بأمرها، ويسير عليها من وصف ما يسير على الهيئة وكل التنظيمات ذات المرجعية الإسلاموية.
وهنا تبدو الخطورة شديدة ليس على حلب وإنما على المنطقة العربية بأكملها، وهنا لا تبدو الخطورة في سيطرة هؤلاء المتطرفين على حلب وإنما في سعي هذه التنظيمات على السيطرة على باقي المدن السورية أيضًا؛ خاصة وأنّ الهيئة عندما سعت للسيطرة على حلب كانت أشبة بسيطرة داعش على الرقة والموصل في يونية من العام 2014.
وهنا لابد أنّ ينتبه المجتمع الدولي لخطورة سيطرة هؤلاء المتطرفين على ثاني أكبر مدينة سورية وعلى سعيها للسيطرة على باقي المدن السورية؛ فهي مع باقي التنظيمات المتطرفة تسعى لإقامة إمارة إسلامية، صحيح لا ترفع نفس شعارت داعش التي تتعلق بإقامة الدولة، ولكنها ترفع شعار "التحرير" وعودة النازحين ولكن تحت عنوان أكبر يتعلق بالسيطرة الكاملة ومن ثم إقامة حكم إسلامي.
وهذا ما سوف نراه مستقبلًا عندما تتمكن من السيطرة على مدينة حلب بصورة كاملة، فضلًا على أننا سوف نرى بأم أعيننا الخلافات التي سوف تدب بين جماعات العنف والتطرف المنضوية تحت لواء هيئة تحرير الشام، فكل منها له تصور يختلف عن الآخر في الحكم بإسم الإسلام، هذا الخلاف سوف تظهر ملامحه بعدما تهدأ المعركة، وتتمكن الهيئة من فريستها بصورة كاملة، وبالتالي سوف يقوم المتطرفين بحرب أنفسهم!
المجتمع الدولي وقع في خطأ كبير ليس لمجرد أنه أعطى فرصة لسيطرة هؤلاء المتطرفين ولا لتسميتهم غير الدقيقة، جماعات سورية مسلحة، ولكن لأنها تركت لهم مجال السيطرة، ومازال الضوء الأخضر يمصدرًا لهذه الجماعات من أجل مزيد من السيطرة على المدن السيطرة، وكأننا نخلق دولة داعش من جديد ولكن على كامل الأراضي السورية.
واجب المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي دعم الدولة السورية، وحديثي هنا ليس عن دعم النظام السوري، ولكن الدولة السورية، يجب أنّ تبقى في مواجهة جماعات العنف والتطرف، التي حاولت أنّ تنتشر وتُسيطر بدعوى ممارسات النظام السوري، التي أعطاها في حقيقة الأمر مقومات السيطرة، وهذا خطأ استراتيجي، ولكن لا يمكن مواجهة هذا الخطأ بأنّ تترك الدولة السورية لمصيرها المحتوم.
كلمة أخيرة، هذه صورة جديدة للإرهاب ولعلها إحدى صور التحول التي يمر بها، صحيح هؤلاء المتطرفين في حلب ليسوا دواعش وإنما إنتمائهم أقرب للقاعدة وتنظيمات أخرى متطرفة، ولكن ما يجري في حلب قولًا واحدًا يُشبة ما حدث في 29 يونية من العام 2014 عندما سيطرت داعش على الرقة والموصل.