كثيرًا ما نسمع عن تشكيل لجنة من الخبراء (Think Tank) لدراسة موضوع ما، وتقديم توصية لجهة أو هيئة ما.
ومن أهم القضايا التى واجهت مصر، كانت قضية التحكيم حول طابا، والتى تم اختيار فريق من خيرة المصريين من الخبراء فى التحكيم والقانون الدولى والجغرافيا والتاريخ والعسكرية والأجهزة المعنية، دون النظر إلى كونهم من مؤيدى نظام الرئيس الراحل مبارك أو معارضيه، أو حتى من بقايا النظام الملكى قبل ثورة يوليو ١٩٥٢.
وحاليا، ما نشاهد فى البرامج الحوارية (Talk Show) استخدام كلمة خبير عند تقديم أحد الشخصيات، فهذا خبير استراتيجى وذاك خبير اقتصادى أو عسكرى أو تربوي وهذا الطبيب خبير فى أمراض كذا.
فما هى مواصفات الخبير، وماهى شروط اختياره وماهى الآليات التى تضمن حُسن اختيار لجنة الخبراء؟.
الخبير (The Expert) هو من تراكمت عندة خبرات طويلة فى مجال عمله، وأصبح له خبرة وحنكة تمكنه من أن يحكم على الأشياء بموضوعية وأن يدرس البدائل ويختار أحسنها وهو عادةً (ولكن ليس بالضرورة) مايكون أكاديميًا أنهى دراسته الجامعية، وحصل على دراسات عليا (ماجستير ودكتوراه) ومارس العمل التخصصى لفترة طويلة (عادة أكثر من عشر سنوات، لكى يصبح أستاذًا جامعيا أو استشاريًا متخصصًا) حتى حصل على خبرة مستفيضة فى مجال عمله، ونتيجة لهذه الخبرات الأكاديمية والعملية يكون الخبير شخصًا موثوقًا فى معرفته الجيدة فى مجال عمله.
ونتيجة هذه الخبرة والحنكة ورجاحة العقل لدى الخبير، يعتمد المجتمع على رأيه، وتأخذ به القيادات والحكومات، وتعتمد عليه المحاكم فى قضاياها، وتعترف بما يقدمه من نصح أو من تقرير خبرة يتقدم به.
الشروط الواجبة لاختيار الخبير
عند اختيار الخبير للإدلاء برأيه امام المحاكم، أو للفصل فى قضايا التحكيم الداخلية والخارجية، أو فى المشاكل والقضايا التى تنشأ بين الأفراد والبلدان، هناك شروطًا يجب مراعاتها اهمها:
أولا: أن يكون الخبير متمتعًا بالأهلية والحقوق المدنية الكاملة، وأن يكون محمود السمعه وحسن السيرة.
ثانيا: أن يكون حائزًا على درجة جامعية (بكالوريوس أو ليسانس) على الأقل، فى مجال التخصص الذى يُطلب فيه أو على شهادة معادلة لهذه الدرجة من مؤسسة علمية معترف بها داخليًا أو خارجيًا.
ثالثا: أن يكون صاحب خبرة ومرخصًا له مزاولة المهنة فى الفرع الذى يرشح فيه.
رابعا: ألا يكون قد حُكم عليه من المحاكم أو من مجلس التأديب لأمر مخلّ بالشرف.
خامسا: أن تتيقن الجهة التى تختار الخبير من موضوعيته ونزاهته وكفاءته وصلاحيته للحكم على الاشياء، بعيدا عن المصالح الشخصية والانتماءات السياسية والتحيزات السلبية ضد الآخرين على أساس الدين أو اللون أو الجنس أو لآراء الشخصية (Conflict of interest).
الآليات التى تضمن حُسن اختيار لجنة الخبراء فى غير قليل من الأحيان، يتم اختيار لجنة الخبراء على خلاف القواعد العامة السابق ذكرها.
على سبيل المثال تجد تشكيل المجالس التى ترشحها بعض الهيئات الحكومية والوزارات تعطى للرئيس أو الوزير المختص ترشيح عدد من الشخصيات تحت رئاسته، ويدينون له بالولاء للعمل كخبير عند دراسة موضوع ما، وترك آخرين أكثر خبرة وأكثر موضوعية وأكثر إفادة ممن يتم ترشيحهم من داخل المنظومة.
من الأمثلة التى أتذكرها، عندما كان يُطلب مني أن أقوم بتشكيل لجنة من الخبراء لدراسة موضوع ما داخل كلية الطب أو أحد المستشفيات الجامعية، كنت أجد معارضة شديدة من قبل البعض، عندما أقترح اسم شخصية موضوعية وعلى قدر كبير من الخبرة لدراسة الموضوع والتقدم بمقترحات جديدة.
كان أعضاء مجلس الإدارة غالبًا لا يفضلون هذا الخبير، ويرشحون بدلا منه أشخاص أقل خبرة ولكن أكثر ولاءً للإدارة.
ولا أبالغ إذا قلت إن هذا يتكرر كل يوم وفى كل الأماكن، خاصة فى مؤسسات القطاع العام.
فى الغالب يتم اختيار الشخصيات المعتدلة قليلة الخبرة، والمؤيدة لرأى الإدارة، وترك الأكثر خبرة خاصة إذا كان لهم موقف معارض.
لذا تجد أن الأنظمة الديمقراطية أكثر تقدما وأقل فسادا من الأنظمة الشمولية التى تفضل أهل الثقة على أهل الخبرة.