الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

 كالمستجير من الرمضاء بالنار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أيام قليلة تفصل العالم عن معرفة الرئيس الجديد للولايات المتحدة، فاليوم الثلاثاء الخامس من نوفمبر الجاري سوف تُجْرَى انتخابات الرئاسة الأمريكية بين المرشح الجمهورى دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، وأيًا كانت النتيجة التي سوف تسفر عنها هذه الانتخابات؛ فإن الساكن الجديد للبيت الأبيض سوف يكون ملتزمًا بثوابت السياسات الأمريكية، لأن أمريكا دولة مؤسسات، قد تكون للرئيس الجديد رؤى واجتهادات، لكنه أبدًا لن يكون بوسعه أن يفعل ما يقوم به أي حاكم جديد في بعض دول العالم الثالث من هدم لكل ما حققه الرئيس أو الرؤساء السابقون عليه.. لا يحدث شىء من ذلك في الحياة السياسية الأمريكية. الشعب يختار، والذي يحصل على أعلى الأصوات يتولى إدارة شئون البلاد في إطار مؤسسات راسخة وثابتة ترسم سياسة الدولة وتشرف على الالتزام بتنفيذها.

تأسيسًا على ما سبق أرى أن من يمني النفس بأن المرشح الجمهوري سيكون أكثر عدلاً وإنصافًا من المرشح الديمقراطي في موقفه تجاه قضايا أمتنا العربية – وفي مقدمتها قضية فلسطين – إذا نجح في الانتخابات عن المرشح الآخر؛ أو أن المرشح الديمقراطي سيكون أكثر عدلاً وإنصافًا من المرشح الجمهوري؛ أقول إن من يتوهم ذلك سيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار. 

طوال أكثر من سبعين عامًا؛ كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة داعمة دومًا لإسرائيل وحامية لها. وقد كشف العدوان الصهيوني على غزة ولبنان عن مدى دعم أمريكا ومساندتها لإسرائيل، إلى حد التَواطُؤ. قدمت الحكومات الأمريكية المتعاقبة دعمًا عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا للكيان الصهيوني طوال العقود السبعة الماضية لضمان تفوقه من الناحية السياسية على كل دول المنطقة مجتمعة. ولقد كشفت الأحداث التي أعقبت طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر العام الماضي عن مدى تماهي الولايات المتحدة مع الكيان الصهيوني في حرب الإبادة البربرية التي يشنها على الشعبين الفلسطيني في غزة واللبناني في الضاحية الجنوبية من بيروت. ومن المرجح استمرار هذا النهج أيًا كان القادم إلى البيت الأبيض بعد الخامس من نوفمبر الجاري.

إن السياسة الدولية لا تستند إلى أساس أخلاقي، بل تحركها المصالح، رغم ادعاء بعض الدول – وفي مقدمتها أمريكا – عكس ذلك. واقع الحال يقول إن المصالح هى أساس علاقات الدول بعضها ببعض. وعلينا أن نميز في حديثنا عن أمريكا، بين الشعب الأمريكي الذي ينبغي أن ننظر إليه بوصفه شعبًا مسالمًا كبقية شعوب العالم، وبين أمريكا كسياسة خارجية لدولة عظمى. وحين نتحدث عن أي دولة لابد أن نذكر ما لها وما عليها، وأمريكا ليست استثناءً.

ساحة أمريكا ليست بريئة من الخطايا والآثام، لقد ارتكبت من الجرائم يَنْدَى لها الجبين:

أولاً: الولايات المتحدة الأمريكية قامت في الأساس على جريمة إبادة السكان الأصليين في القارة الأمريكية.

ثانيًا: استخدامها القنابل الذرية في ضرب اليابان.

ثالثًا: دعمها المطلق لإسرائيل، واستخدامها حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور أي قرارات تدين إسرائيل.

رابعًا: يزعم أنصار أمريكا أن الواجب يقتضي ألا نلوم القَويّ على استخدام قوته، وإنما نلوم الضعيف على قبوله ورضائه بأن يظل ضعيفًا. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تقوم أمريكا والغرب كله معًا، بتوجيه اللوم إلى روسيا بسبب عدوانها على أوكرانيا؟

خامسًا: إن زعم أنصار أمريكا بأن الولايات المتحدة «تَحرُس» طرق التجارة الدولية، بهدف حماية الأمن والسلم العالميين، لا بغرض «السيطرة» و«الهيمنة»، إنما ينطوي على مغالطة!! .. فإذا كانت أمريكا «تحرُس» فمن يا ترى نصَّبَها للقيام بهذه المهمة؟! وعلى أي أساس أعطت لنفسها هذا الحق. إن أي «فتوة» في أي منطقة أو حارة، حين يفرض نفوذه على الجميع بقوته البدنية، يدعي أنه «يحرُس» مصالحه ومصالح أهل الحارة. ويستاء ممَنْ يصفه بأنه «بلطجي». أليس هذا ما تفعله أمريكا مع كل دول العالَم؟.. «البلطجة»!

إذا كان هذا ليس «عدوانًا» فماذا يسمى؟

زعمت الولايات المتحدة أن العراق يمتلك أسلحة نووية، فضربته ضربة راح ضحيتها عشرات الآلاف من البشر الأبرياء، واحتلت العراق. في حين اتضح بعد ذلك أن ما زعمته الولايات المتحدة كان محض هراء. في حين أن دولة «كوريا الشمالية» تعلن ليل نهار أنها تملك أسلحة نووية، وأسلحة دمار شامل، وتقوم بتجريب صواريخ بعيدة المدى يمكن أن تُطال المدن الأمريكية، ومع ذلك تقف أمريكا مكتوفة الأيدي إزاء كوريا الشمالية، بل إن رئيس أمريكا «ترامب» أثناء فترة رئاسته السابقة ذهب صاغرًا لزيارة رئيس جمهورية كوريا الشمالية!! أين حرص أمريكا على حراسة مصالحها؟ وأين أساطيلها التي تمخر عباب معظم بحار العالَم ومحيطاته؟ وأين قدرتها على ضرب أي هدف، في أي مكان، وفي أي وقت؟

أمريكا إذن مجرد «فتوة» يستقوى على الضعيف، أما إذا ظهر أمامه في «الحارة» «فتوة» أقوى، فإنه يجبن ويتخاذل إزاءه. إذن المسألة منحصرة في «البلطجة» وليست «الحراسة»!!.