حين يكون السؤال ما تقييمك لأحداث العالم فى العام الذى أوشك على الرحيل، وتوقعاتك للعام الجديد الذى شارف على المجئ، لا تكون هناك أى مبالغة فى القول أن فلسطين وقضيتها ستظل هى أسئلة العام الماضى والآخر الذى يمضى وكل الأعوام. وأن الجواب عليها هو أن فلسطين عربية حتى يوم الدين، وأنه من بين شهدائها وتضحيات مواطنيها وصمودهم الأسطورى فوق أرضهم رفضاً للتهجير، ستبزغ الدولة الفلسطينية المستقلة، برغم فاشية إسرائيل وتوحش قادتها، والدعم الغربى الأمريكى والأوروبى غير المسبوق لبربريتها الجامحة، ومساندته العسكرية والسياسية لعدوانها على كل الأعراف والقوانين الدولية، بأكاذيب وادعاءات فضحت سرديتها المزعومة عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأسقطتها من كل حساب.
حرب التطهير العرقى ضد الشعبين الفلسطينى واللبنانى التى دخلت عامها الثانى، تؤكد لمن تنقصه الأدلة أنه لا استقرار فى العالم وليس فى الإقليم فحسب، ما لم يتم التوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية. وآن الأوان أن تبدأ بسرعة وبحسم، حركات المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها، ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، فى قراءة مستقبلية للنتائج الحقيقية لمضى عام من حرب غير متكافئة فى ميزان القوى، منذ طوفان الأقصى، ومن قبله الانقسام الفلسطينى .
وإذا كان من الصحيح أن الطوفان فى السابع من أكتوبر قد جرى، بعد أن فاض كيل فصائل المقاومة، من حصار إسرائيلى لغزة براً وجواً وبحراً، دام 17 عاماً وعزلها عن العالم، فمن الصحيح أيضاً أنه قد أعاد القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى إلى صدارة المشهد الدولى، بعد سنوات من مواتها. وقد عزز غيابها الانقسام الفلسطينى الذى قادته حركة حماس، وأضفت بموجبه صبغة دينية على الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى، بما أدى لعزلتها، وفقدان القضية للتعاطف الدولى، ووضعها أمريكياً فى قائمة الإرهاب .
أهم ما كشفت عنه الحرب، أن الأذرع الإيرانية لم تكن يوماً سنداً للقضية الفلسطينية سوى بالشعارات الرنانة، فلا هى قادرة الآن عن حماية نفسها من السعى الإسرائيلى المحموم لإخراجها من معادلة الصراع فى المنطقة، ولا هى تمتلك القوة بما يمكنها من الدفاع عن الجمهورية الإسلامية، فى مواجهة حصار اقتصادى شديد الوطأة، متعدد الاتجاهات مفروض عليها، من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، حماية لأمن إسرائيل وبتحريض منها. لكن المدهش هنا، أن الحصار الأمريكى ظل مشروطاً بحدود لا يتم تجاوزها، بحيث لا يقضى نهائيًا عن دور إيران الطائفى فى المنطقة العربية. فقد بات لدى الطبقة السياسية الحاكمة فى الولايات المتحدة بجناحيها الجمهورى والديمقراطى، عقيدة ثابتة أن تديين المنطقة يخدم الدولة اليهودية التى تستند إلى مزاعم توراتية تبرر لها احتلال فلسطين، وأن إغراقها بالتدين يسهل عليها الحفاظ على مصالها وخدمة خطط هيمنتها. وهى فكرة سبق أن زرعها كيسنجر فى أجهزتها، وربما استوحاها من ضابط المخابرات البريطانى "توماس لورانس"، الملقب بلورانس العرب الذى اعتبر الدين هو مدخل التأثير فى منطقتنا. وقد مهدت خديعة لورانس لقادة الثورة العربية الكبرى ضد الحكم العثمانى، أثناء الحرب العالمية الأولى، إلى تقسيم الدول العربية كمراكز نفوذ للاستعمارين الفرنسى والبريطانى، بتوقيع اتفاقيات سايكس -بيكو، وانتهت بإصدار وعد بلفور.. والافتراض الجدير بالتأمل، أنه لولا سقوط العرب فى شباك تلك الخديعة، ما كانت إسرائيل وجدت على خريطة الأرض!.
ولأجل التعلم من دروس التاريخ، فإن معظم القادة الأمريكيين، لا يكفون عن التفاخر بالدعم الذى قدمته إيران للولايات المتحدة وحلفائها لغزو العراق واحتلاله، والدور الذى لعبته فى مساندة إدارة أوباما فى تفشى جائحة الربيع العربى وما تلاه من كوارث انتهت بتسليم أنظمة دول المنطقة لجماعة الإخوان وأنصارها فى تيار الإسلام السياسى.. الآن ينقلب السحر على الساحر لأن عدو عدوى غداً عدوى أيضاً، حتى تكف الجمهورية الإسلامية عن أفكار عقيمة ثبت فشلها عن التمدد الأمبراطورى، وتصدير الثورة، والعمل على حماية مصالحها، بخراب دول المنطقة وتضحية بحياة شعوبها وبمصالحهم!.
لن تأتى نتائج الانتخابات الأمريكية التى ستجرى بعد أيام، بتغيرات تهدئة مأمولة فى المنطقة العربية، والمراهنة على انتظار نتائجها بمثابة حرث فى البحر، فكلا المرشحين الجمهورى والديمقراطى يتنافسان على دعم فاشية إسرائيل والتغنى بحقها المزعوم فى الدفاع عن النفس، مع حرمان شعوب المنطقة من هذا الحق.
فلسطين كانت حاضرة قبل أيام فى قمة مجموعة دول بريكس فى قازان الروسية، بوفد برئاسة أبو مازن الذى دعا القمة لمنح عضويتها لدولة فلسطين. وفى أعمال القمة، طالب قادة وممثلو 45% من شعوب الأرض، بتفعيل قرارات محكمتى العدل والجنائية الدوليتين ضد إسرائيل وقادتها، ووقف نهائى للحرب ومنح الشعب الفلسطينى حقه فى تقرير المصير. وبدا التعتيم الإعلامى الغربى على قمة بريكس التى شارك بها الأمين العام للأمم المتحدة، واضحاً بحشده فيلق دعايته من داخل المنطقة وخارجها للتقليل من القمة ونتائجها، بعد أن ساءه تصميمها على توسيع مهام بنك التنمية الجديد كبديل لصندوق النقد والبنك الدوليين، ومواصلة استخدام العملات المحلية فى التبادلات التجارية بين دوله، والعمل الجدى لتأسيس نظام دولى متعدد الأطراف يحظى فيه القرار الدولى بالعدالة والمساواة واحترام الحقوق والحريات. وهى خطوة فى طريق الألف ميل للحد من الغطرسة الأمبريالية الأمريكية، ونحن نرنو لبناء عالم عادل جديد.