الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الجبلاوي هى الشخصية الأكثر إثارة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عقب نشر الحلقة السابعة عشر من رواية أولاد حارتنا بجريدة الأهرام فى عام ١٩٥٩، طالب رجال الأزهر بوقف نشرها بعد أن فسروها تفسيرات دينية  لكن الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير جريدة الأهرام وقتئذ رفض وقف نشرها واستمر فى نشرها بعد أن دافع عنها، ولولاه  لتوقف النشر فورًا.

وبالطبع بعد هذه الضجة بدأ الكثير يلتفت إلى ما تنشره  الجريدة ومن هنا  زادت طبعات جريدة الأهرام زيادة كبيرة جدا وأصبح هناك تيار قوى ضد هذا النشر وفى نفس الوقت كان هناك فضول من غالبية من سمع عن هذه الرواية فتابع نشرها ليعرف تفاصيل أكثر عنها.

وكان عندى سؤال مهم يدور في ذهنى بعد أن قرأت الرواية منذ أعوام مضت  ولم أجد له إجابة حتى الآن رغم أننى قراءتها بعد ذلك أكثر من مرة وهو هل قصد أديب نوبل نجيب محفوظ بكتابة هذه الرواية أن يثير عاصفة عاتية وجدلا شديدا حوله ليلفت النَّظَرَ إلى كتاباته بعد أن توقف عنها خمس سنوات كاملة؟

لكن فى حواره مع الناقد الأدبي رجاء النقاش قدم  رأيا حول ذلك بقوله:

‫ ‏ربما تكون «أولاد حارتنا» أكثر رواياتى إثارة للأزمات والجدل، وهذا الأمر لا يتفق مع حسن النية الذى كان وراء كتابتى لهذه الرواية.. واعترف بداية أننى اخترت أسماء الشخصيات موازية لأسماء الأنبياء، وجعلت من المجتمع انعكاسًا للكون، وكنت أريد بذلك أن تكون القصة الكونية غطاء للمحلية.. وبلغ من حسن نيتى أننى فكرت في كتابة مقدمة للرواية أشرح فيها وجهة نظرى، لأننى كنت أحسب أن من يقرأها سوف يقرأها قراءة صحيحة، ولم أقدر أن حسن النية عندى سوف ينتهى بوجود مفاتيح سهلة في أيدى الجماعات المتطرفة للطعن في الرواية وصاحبها.

كنت أظن أن الناس ستقرأ الرواية من منطلق هذه الرؤية الشاملة، وهل هذه الشخصيات التى تقدمها الرواية هى شخصيات خيرة أم شريرة؟ وهل تقوم بأدوار البطولة أم بأدوار ثانوية؟

فإذا كانت تلك الشخصيات خيرة، وتقوم بأدوار البطولة، فإن التفسير الموضوعى يؤكد أن مؤلفها ليس ضد الأنبياء، وليس لديه النية للإساءة إليهم..

وللأسف فوجئت بتفسيرات غريبة للرواية، فقد طابقوا بين الأنبياء وأبطال الرواية ودخلنا في جدل عقيم وصل إلى حد الإسفاف، ولم أحسب مطلقا أننى سوف أتعرض لشيء من  ذلك عندما كتبت الرواية.

لكن الأكثر إثارة بالطبع هى شخصية الجبلاوي فى رواية أولاد حارتنا التى شهدت جدلا وسجالا طويلا بين الكثيرين هناك من يؤكد أنها ليست الذات الإلهية وأنها نص أدبى ومورث شعبى وهناك من يؤكد بأنه مقصود بها  رغم  رد أديب نوبل نجيب محفوظ على ذلك بقوله إن الجبلاوي يمثل الدين وعرفة يمثل العلم.

ولقد تم تقديم  شخصية الجبلاوي فى رواية أولاد حارتنا بهذه السطور القليلة:

جدّنا هذا لغز من الألغاز..

 عمَّر فوق ما يطمع إنسان أو يتصور حتى ضُرب المثل بطول عمره...

 واعتزل في بيته لكبره منذ عهد بعيد، فلم يره منذ اعتزاله أحد...

 وقصة اعتزاله وكبره مما يحير العقول، ولعل الخيال أو الأغراض قد اشتركت في إنشائها.

 على أي حال كان يُدعى الجبلاوي ‏وباسمه سُمِّيت حارتنا.. وهو صاحب أوقافها وكل قائم فوق أرضها..

 سمعت مرة رجلًا يتحدث عنه فيقول: هو أصل حارتنا، وحارتنا أصل مصر أمّ الدنيا، عاش فيها وحده وهي خلاء خراب، ثم امتلكها بقوة ساعده وبمنزلته عند الوالي..

 كان رجلًا لا يجود الزمان بمثله،‏وفتوة تهاب الوحوش ذِكره...

 وسمعتُ آخر يقول عنه: كان فتوة حقًّا، ولكنه لم يكن كالفتوات الآخرين، فلم يفرض على أحد إتاوة، ولم يستكبر في الأرض، وكان بالضعفاء رحيمًا..

 ثم جاء زمان فتناولته قِلة من الناس بكلام لا يليق بقدره ومكانته، وهكذا حال الدنيا..

وكنت وما زلت أجد الحديث عنه شائقًا لا يُمَلّ..

وكم دفعني ذاك إلى الطواف ببيته الكبير لعلي أفوز بنظرة منه ولكن دون جدوى. وكم وقفتُ أمام بابه الضخم  أرنو إلى التمساح المحنَّط المركَّب أعلاه، وكم جلستُ في صحراء المقطَّم غير بعيد من سوره الكبير، فلا أرى إلا رءوس أشجار التوت والجميز والنخيل تكتنف البيت، ونوافذ مغلقة لا تنمُّ على أي أثر لحياة..

 أليس من المُحزن أن يكون لنا جدّ مثل هذا الجدّ دون أن نراه أو يرانا؟

 أليس من الغريب أن يختفي هو في هذا البيت الكبير المغلق وأن نعيش نحن في التراب...؟!

وإذا تساءلتَ عما صار به وبنا إلى هذا الحال سمعتَ من فورك القصص، وترددت على أذنيك أسماء أدهم وجبل ورفاعة وقاسم، ولن تظفر بما يبل الصدر أو يريح العقل.

 قلت إن أحدًا لم يره منذ اعتزاله. ولم يكن هذا بذي بال عند أكثر الناس، فلم يهتموا منذ بادئ الأمر إلا بأوقافه وبشروطه العشرة التي كثُر القيل والقال عنها، ومن هنا وُلد النزاع في حارتنا منذ وُلدَت، ومضى خطره يستفحل بتعاقب الأجيال حتى اليوم، والغد. 

وسوف اكتفى بهذه الأجزاء من  رواية أولاد حارتنا.

الأسبوع المقبلة بإذن الله قراءة جديدة فى رواية الغواص.