في احتفالية نصر أكتوبر، سلَّط الرئيس عبد الفتاح السيسي الضوء على قصة كفاح عظيمة سطرتها الحاجة فرحانة المعروفة بين أهالي سيناء بلقب "أم داود"، وهي شيخة المجاهدين والفدائيين بسيناء.
تعود جذور قصتها إلى فترة النكسة عام 1967، حينما جندتها المخابرات الحربية المصرية، مثل العديد من أبناء سيناء الشرفاء، لتنضم إلى جهود المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبالرغم من قلة الإمكانيات، استطاعت هذه المرأة الأمية أن تصبح جسرًا لنقل المعلومات الدقيقة، مستغلة عملها كتاجرة أقمشة للتسلل خلف خطوط العدو ورصد تحركاتهم العسكرية.
كانت الحاجة فرحانة تنتقل من العريش إلى القاهرة بشكل دوري، وفي كل رحلة تجمع معلومات عن تحركات القوات الإسرائيلية، وتفاصيل مواقع تمركزهم، وأعداد الجنود والمركبات، وبدهاء فطري، كانت تحفظ رموزًا معينة مرسومة على المركبات، ثم تتجه إلى ضابط المخابرات في السويس، حيث تُفصح له عما رصدته بدقة، كانت رموز الحرب تُختزن في عقلها، وتتواصل معها عبر لغة رمزية بسيطة ولكنها غاية في الذكاء، ما جعلها مصدرًا مهمًا للمعلومات القيمة في واحدة من أصعب فترات التاريخ المصري الحديث.
كانت الحاجة فرحانة، في مهمة معقدة وشاقة لا تتطلب الشجاعة فقط، بل أيضًا الكثير من الصبر والانضباط، وكانت رسالتها المشفرة لأهالي سيناء عبر إذاعة القاهرة هي بمثابة إعلان عن نجاح كل عملية، فكانت تقول: "أنا أم داود أهدى سلامي إلى إخواني وإخواتي في الأراضي المحتلة"، هذه الجملة القصيرة كانت كافية لإشعال الاحتفالات في سيناء، حيث كانت تُوزع الحلوى ابتهاجًا بنجاح مهمتها، وكأنّ رسالتها كانت نورًا يبدد ظلام الاحتلال، بهذا الأسلوب، ساهمت الأم فرحانة في صنع أمجاد سيناء، لتُضاف قصتها إلى سجل بطولات أبناء هذا الوطن.
الرئيس السادات كرم الحاجة فرحانة
وحازت فرحانة على تقديرٍ عظيم لدورها البطولي، الرئيس الراحل محمد أنور السادات كان أول من كرمها بعد نصر أكتوبر، مانحًا إياها نوط الامتياز من الطبقة الأولى، تكريمًا لدورها البارز في دعم القوات المسلحة، لقد كرمها الرئيس السادات ليس فقط لأنها كانت مرشدة، بل لأنها كانت رمزًا للمقاومة الشعبية، وما زالت الأجيال تذكر هذا التكريم الذي كان بمثابة إحياء لقصة كفاح امرأة ضحت من أجل وطنها بصمت.
وأعادت الدولة المصرية تكريمها مرة أخرى في عام 2021 خلال احتفالية "تكريم المرأة المصرية والأم المثالية"، تقديرًا لمسيرتها الحافلة بالنضال ضد الاحتلال، ولتجدد عهدًا بأن دورها البطولي سيبقى خالدًا، وها هو اليوم الرئيس السيسي يحيي ذكراها في احتفالات نصر أكتوبر، ليعيد للأذهان قصة امرأة جسدت البطولة في أبسط صورها، بعيدًا عن الأضواء والأوسمة.
الحاجة فرحانة أو الأم فرحانة أو أم داود كما يعرفها المناضلون، ليست مجرد اسم في سجلات الحرب، بل هي رمز لصمود المرأة المصرية التي واجهت الأزمات بعزيمة فولاذية، وقدّمت نموذجًا يحتذى به في حب الوطن، قصة فرحانة تذكير بأن الأبطال ليسوا دائمًا من يحملون السلاح، بل أحيانًا من يحملون المعلومات السرية والرسائل الرمزية، التي تقود الوطن إلى الانتصار.