قمة مجموعة «بريكس»، التي اختتمت أعمالها منذ أيام في مدينة قازان عاصمة تترستان في روسيا، حظيت بمتابعة حثيثة في ظل تزايد الدعوات إلى إعادة تشكيل النظام العالمي القائم. كما أنها تأتي بينما تقترب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية وتتصاعد التوترات الجيوسياسية. ولهذا اكتسبت المجموعة مزيدًا من الاهتمام وتسليط الضوء على أعمالها.
بينما تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الهيمنة على صنع القرار داخل المجتمع الدولي، ووسط تململ واعتراض مكتوم من سياسة ذلك النظام الذي يكيل بمكيالين ويحاول الاستمرار فى نهب ثروات وموارد الدول النامية عن طريق تغذية إشعال النزاعات والانقسامات الداخلية والحروب الإقليمية، برزت «بريكس» كبديل يسعى إلى تعزيز التنوع والمساواة في صنع القرار العالمي، واستطاعت لفت الأنظار إليها كمستقبل لنظام دولي جديد متعدد الأقطاب وأكثر تنوعًا وعدلًا، خاصة مع فتحها الأبواب أمام مزيد من الأعضاء وضمها أخيرًا بلدانًا ذات ثقل جيوسياسي كبير.
دعا تكتّل «بريكس» إلى إصلاحات من قبيل توسعة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي تهيمن عليه بوضوح القوى الغربية، وإنشاء بدائل لصندوق النقد الدولي الخاضع للقرار الغربي والمتّهم بعدم منح مساحة أكبر لدول الجنوب. كما يسعى التكتل إلى تشكيل جبهة يمكن أن تشكل ثقلًا موازنًا للغرب، الذي تمثله تقليديًا مجموعة السبع والمؤسسات التي ولدت من رحم اتفاقية «بريتون وودز».
وقد أحرز التكتل تقدمًا في هذا الإطار، من خلال إنشاء مؤسستين، الأولى هي «بنك التنمية الجديد (NDB)»، بقيادة رئيسة البرازيل السابقة ديلما روسيف، كأول بنك للاقتصادات الناشئة وشركائها يُغني عن الحاجة إلى البنك الدولي. ومنذ عام 2016، وافق البنك على تمويل 96 مشروعًا بما يقرب من 32.8 مليار دولار، بحسب ما نشر من بيانات على موقعه الإلكتروني، أما المؤسسة الأخرى فهي صندوق احتياطي الطوارىء (CRA) كبديل لصندوق النقد الدولي، والذي يسعى إلى مساعدة دول «بريكس+» التي تعاني من مشاكل متعلقة بالسيولة الدولارية، بتعهدات مبدئية قدرها 100 مليار دولار.
ومن أجل مواصلة تطوير التعاون، اقترحت موسكو إنشاء منصة استثمارية مستقلة، وإطلاق بورصة للحبوب ومنصة مخصّصة لسوق المعادن الثمينة والماس.
وفيما لا يزال الدولار الأمريكي العملة الرئيسة للمعاملات الدولية، ما يضبط اقتصادات العالم على إيقاع السياسة النقدية التي ينتهجها البنك المركزي الأمريكي، دعت موسكو إلى إنهاء هيمنة الدولار وعدم استخدامه كـ«سلاح للابتزاز»، وشجعت على استخدام العملات الوطنية في التجارة العالمية، فضلًا عن استخدام أنظمة دفع ومراسلة بديلة، حيث يعمل تكتل «بريكس» على إنشاء نظام للمراسلات المالية على غرار نظام «سويفت (SWIFT) «محصن ضد العقوبات الغربية، وكذلك على استخدام «العملات الرقمية الوطنية«.
أما بخصوص انضمام مصر إلى مجموعة بريكس منذ بداية يناير 2024، فهي تمثل حجر الزاوية والشريان الجيوسياسي واللوجستي القوي الذي سيربط بين المجموعة وقارات العالم حيث إنها تمثل المرتكز الأهم لطريق الحرير الصيني «الحزام والطريق«وهو بمثابة الحصان الذي تمتطيه دول المجموعة بقيادة الصين وروسيا، ومتفرع منه نقاط قارعة طرق ستتواجد عليه أقطاب متعددة ومتنوعة يمثلون النظام العالمي الجديد، ولذا يعتبر قرار انضمام مصر للمجموعة هو القرار الأهم في تاريخ النظام العالمي الحالي، ويتجلى ذلك في الحزام الناري المشتعل حول مصر في السنوات الأخير ومحاولة تطويقها برًا وبحرًا لمحاولة إسقاطها أو جرها لتكون عويل اشتعال لكل المنطقة.
فسقوط مصر لا قدر الله يعني سقوط أهداف مجموعة بريكس في إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، مع سقوط حلم دول الجنوب في التحرر من الهيمنة الغربية، واستمرار هيمنة النظام القائم علي القرار العالمي، لكن تماسك واستقرار مصر يعني السير بنجاح في تحقيق الأهداف وليس أمام النظام العالمي القائم بقيادة أمريكا ودول الغرب إلا المساومة وإعادة التموضع وربما التقوقع داخل أقطاب جغرافية ليكونوا جزءًا من النظام العالمي متعدد الأقطاب القادم، وهنا يأتي عبقرية القرار المصري الفعال في إدارة ملفات الخارج عن طريق صناعة درب ومسار يخلق التوازن في العلاقات بين الشرق والغرب بما يخدم مصالح مصر ويجعلها ذات مكانة مؤثرة في النظام العالمي القادم.