فى عالم مليء بالتوترات الجيوسياسية، تبرز حكايات مثيرة تتعلق بحروب الجاسوسية التى تدور فى الخفاء بين القوى الإقليمية، وهو ما يتصدره الصراع بين إسرائيل وإيران، حيث تكشف تقارير عن نشاطات تجسس متزايدة تنفذها طهران، مما يثير القلق فى تل أبيب.
وفى المقابل يُجَنِّد الكيان الصهيوني العديد من الإيرانيين، الذين يعانون من قسوة النظام القائم، ويعتبرون التجسس وسيلة لكسب العيش.
وبينما تتزايد أعداد العناصر الإيرانية المتعاونة مع الموساد، تظل الشكوك قائمة حول مصير هؤلاء الأفراد، فى ظل العقوبات الصارمة التى يتعرضون لها، مما يجعل هذه اللعبة المعقدة أشبه بحلبة مصارعة بين القوى الكبرى وأقدار الأفراد.
وفى هذا الصدد، ذكرت صحيفة "التايمز" فى تقرير لمراسلها لشئون الدفاع والأمن، جورج جريلز، من تل أبيب، أن عددًا من الإسرائيليين حصلوا على أموال طائلة بالعملة الرقمية من إيران مقابل تصوير مواقع عسكرية حساسة، مما يكشف عن نشاط تجسس متزايد من قبل طهران.
المواقع المستهدفة والاعتقالات
وفقًا للمدعين العامين، فقد استهدفت عملية التجسس قاعدة نيفاتيم الجوية، التى تعرضت لصواريخ إيرانية باليستية مؤخرًا، بالإضافة إلى قاعدة جولانى التدريبية، التى شهدت مقتل أربعة جنود نتيجة هجوم بطائرة مسيرة تابعة لحزب الله. كما تم التقاط صور لبطاريات القبة الحديدية، مما يزيد من قلق السلطات الإسرائيلية.
تم اعتقال سبعة مواطنين إسرائيليين من مدينة حيفا، بينهم منشق عن الجيش وقاصرون، بعد تحقيقات أجراها جهاز الشين بيت والشرطة الإسرائيلية.
وبحسب المدعين، فإن بعض هؤلاء المشتبه بهم كانوا يعملون فى التجسس لمدة عامين تقريبًا.
تصاعد حرب التجسس فى الشرق الأوسط
تسليط الضوء على هذه الاعتقالات يأتى فى وقت يشهد تصاعدًا فى نشاطات التجسس فى المنطقة، لا سيما مع استعداد إسرائيل للرد على الهجمات الصاروخية الإيرانية الأخيرة.
وفى تطور آخر، تم تسريب وثائق سرية أمريكية تحتوى على تفاصيل عن التدريبات العسكرية الإسرائيلية إلى قناة مؤيدة لإيران على منصة "تليجرام"، مما يعد أحد أخطر الخروقات الأمنية التى شهدتها البلاد.
وأفادت الصحيفة بأن طهران تمكنت من تجنيد عدد كبير من العملاء عن طريق استغلال المشردين ومدمنى المخدرات والمجرمين، مما يعكس استراتيجية جديدة لجمع المعلومات.
القبض على فلاديمير فاركوفسكي
فى تل أبيب، تم القبض على فلاديمير فاركوفسكي، الذى كان يسعى للحصول على سلاح مقابل ١٠٠ ألف دولار من مشغليه الإيرانيين لقتل عالم إسرائيلي.
كما أُلقى القبض على فلاديسلاف فيكتورسون وشريكته آنا بيرنشتاين بتهمة تلقى أموال لتقديم كتابات غرافيتى مناهضة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
قضية رجل الأعمال الإسرائيلي
علاوة على ذلك، تورط رجل الأعمال موتى مامان فى قضية مثيرة، حيث اتُهم بالسفر إلى إيران للمطالبة بمليون دولار مقابل المساعدة فى اغتيال نتنياهو. ويبدو أن طهران قد تعلمت من العمليات الاستخباراتية السابقة، حيث تعرض مبالغ كبيرة على الأفراد المحتملين المتعاونين معها.
نظرة على عمليات الموساد فى إيران
قدم يوسى كوهين، الرئيس السابق للموساد، لمحة نادرة عن الأنشطة الاستخباراتية فى إيران خلال مقابلة وداعية قبل ثلاث سنوات. وكشف عن عملية جريئة حدثت فى عام ٢٠١٨، حيث تمكن ٢٠ عميلًا، جميعهم غير إسرائيليين، من سرقة الأرشيف النووى الإيرانى بنجاح.
تجنيد إيرانيين كعملاء للموساد
بنى سبتي، يهودى من أصل إيراني، أشار إلى أن العديد من الإيرانيين، الذين يعانون من النظام القائم فى بلادهم، يعتبرون التجسس وسيلة للحصول على دخل جيد.
وأوضح أن هناك فرصة كبيرة للتعاون مع الموساد أو وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، مشيرًا إلى أنه يمكن لهؤلاء الأفراد تقديم معلومات قيمة مقابل المال.
يعمل سبتى كاستشارى للجيش الإسرائيلى ولديه دور فى مسلسل "طهران"، الذى يروى قصة يهودية من أصل إيرانى تتجسس لصالح الموساد.
ورغم أن القصة تحمل بعض العناصر الخيالية، إلا أن سبتى يعتقد أن هناك حقائق متعلقة بالتجسس، مع استشهاد بنجاحات الموساد الشهيرة فى إيران، مثل عمليات الاغتيال والتخريب التى استهدفت علماء نوويين.
الشكاوى من نظام المراقبة الإيراني
على الرغم من الحماية الصارمة التى يوفرها النظام الإيرانى ضد التجسس، إلا أن الوضع يبدو معقدًا.
وقد عبر محمود أحمدى نجاد، الرئيس الإيرانى السابق، عن قلقه من أن رئيس مكافحة التجسس فى البلاد تم التعرف عليه كعميل مزدوج للموساد. يعكس هذا الوضع هشاشة النظام فى مواجهة عمليات التجسس الإسرائيلية.
مصير العملاء المشتبه بهم
إيران تواصل تنفيذ عقوبات صارمة بحق أولئك الذين يُعتقد أنهم خونة، مما يزيد من المخاوف بشأن السلامة الشخصية للأفراد المتورطين فى التعاون مع إسرائيل.
وقد أثار غياب إسماعيل قآني، قائد فيلق القدس، تكهنات حول احتمال كونه عميلًا مزدوجًا، لكن سرعان ما نفى النظام هذه الشائعات بعد ظهوره فى جنازة.
الهجرة بعد الثورة الإيرانية
بعد الثورة الإيرانية فى عام ١٩٧٩، فرّ العديد من اليهود الإيرانيين من بلادهم، بعدما كانوا يتمتعون بالحماية فى عهد الشاه.. انخفض عدد أفراد الجالية اليهودية فى إيران من ٨٠ ألف نسمة قبل الثورة إلى حوالى ١٠ آلاف حاليًا، ومع ذلك، تظل هذه الجالية الأكبر فى الشرق الأوسط خارج حدود إسرائيل.