إذا تحدثت مصر، تتحدث بالحق، وإذا تدخلت مصر في شأن خارجي، تدخلت بالخير والسلام، وإذا عول على كتفها قضية إقليمية، أجادت الحل، وإذا استقبلت لاجئًا أكرمته وقالت عنه إنه ضيف مصر العزيز وإذا وضعت آلية ورؤية ومستهدفات لا تنفك تحقق تلك الأهداف حتى تدركها.
انتهجت مصر منذ أن تولى الرئيس السيسى المسؤولية نهجًا رشيدًا حكيمًا مع كل المؤسسات الدولية والأطراف الخارجية الفاعلة في الصراعات العسكرية والقضايا الملتهبة والتعاونات الاقتصادية، ولكن ذلك الحلم الذي لا ينضب وتلك الابتسامة المسالمة على وجه مصر أمام العالم يتوقفان عند مصلحة المواطن المصري، وكأن الرئيس في المؤتمر العالمي للصحة والسكان يوجه رسائل غاية في التهذب والصرامة والأهمية للمؤسسات الدولية عن ضرورة مراجعة البرنامج مع صندوق النقد الدولي وعن الشُح المائي الذي تتعرض له مصر والمجتمع الدولي صامت.
فقضية المياه، هي قضية وجودية وحصة مصر ثابتة منذ عقود وهي 55 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل، ورغم الزيادة السكانية ورغم أن مصر كانت الملاذ الآمن لكل الضيوف والأشقاء من ليبيا واليمن وسوريا والسودان والذين كانوا من الممكن أن يكونوا على شاطئ المتوسط في رحلة الموت إلى أوروبا، ولكنها حفظت أرواحهم واحتضنتهم وقللت من على كاهل دول أوروبا المزيد من اللاجئين ولم تطلب من المجتمع الدولي أي معونات أو أموال من أجلهم كما فعلت تركيا وغيرها ولم تقايض بهم سياسيا من أجل أى هدف أو تجعل منهم ورقة ضغط كما يفعل الجميع.
وعلى الرغم من أن مصر ساعدت في كل تلك القضايا، لم نجد صوتًا واحدًا من المجتمع الدولي يندد بأي تهديد لأمن مصر المائي من أي تصرف أحادى يحرمها من حصتها التي لا تكفيها حتى!
أمّا عن الظروف الاقتصادية العالمية فكان الرئيس واضحًا وصاحب موقف تستطيع أن تسجله المؤسسات الدولية، بأن أي برنامج مع صندوق النقد الدولي يزيد من أحمال المواطن المصري لن يكون مقبولا لدي الدولة المصرية، وهنا أكاد أرى خطًا أحمر ضمنيًا يرسمه الرئيس عند مصلحة المواطن المصري.
وحان الوقت أن يرد المجتمع الدولي لمصر الجميل؛ فمصر قامت بمجهودات كثيرة في الأمن الغذائي والمُناخي وقامت بمجهودات دبلوماسية حثيثة في كل القضايا المطروحة وكانت نقطة إغاثة وتنسيق للقضية الفلسطينية، وملاذا آمنا لكل المهاجرين، وتحملت انخفاض إيرادات قناة السويس نتيجة هجمات الحوثي المسلحة وتتحمل كثير من التحديات الاقتصادية.. فلولا صمود مصر لتجرع العالم كثير من الويلات.
إن إعادة النظر في البرنامج مع صندوق النقد الدولي، تصريح يبث الطمأنينة في نفوس المصريين، وكأن الدولة تقول؛ لنا أن نتحمل التحديات الراهنة ولكن لن نقبل بأن يفرض علينا أحد تحديات أخرى، وأنه لا مساس بمصلحة المواطن المصري والتي هي الأساس في المقام الأول، فكل التحية للموقف المصري الحكيم القوي.