انفجارات البيجر فى لبنان سبقتها أفلام تنبأت بالكوارث التكنولوجية وتدمير الشرق الأوسط
أيمن سلامة: الفن يعتمد بشكل أساسى على الخيال ويسبق العلم
نادر صلاح الدين: الفن قادر على استباق العلم فى التوقعات
محمود حمدان: الكثير من الأعمال تم تقديمها بنمط الفانتازيا ولم تحقق النجاح المتوقع
التكنولوجيا جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ولكن ماذا يحدث عندما تتحول الأدوات التي نستخدمها بشكل يومي إلى أسلحة قاتلة؟
في سبتمبر 2024 هزت انفجارات غير متوقعة لبنان، إذ انفجرت أجهزة البيجر التي كان يستخدمها أعضاء حزب الله، متسببة في مقتل وإصابة العديد من الشخصيات التي تم استهدافها عن طريق هذه الأجهزة.
وبالرغم من أن الأمر يبدو كأنه سيناريو خيالي من فيلم، ورغم أن الواقع في بعض الأحيان يتفوق على الخيال، إلا أننا نتذكر أن السينما تنبأت بمثل هذه الكوارث التكنولوجية في العديد من الأفلام.
انفجارات البيجر في لبنان
في 17 سبتمبر 2024، انفجرت عدة أجهزة بيجر يستخدمها أعضاء "حزب الله" في مناطق مختلفة من لبنان، وأشارت التقارير فى بداية الأمر إلى مقتل ما لا يقل عن 12 شخصا وإصابة أكثر من 2750 آخرين، واحتمال وجود تلاعب في الأجهزة، ربما بتورط إسرائيل في عملية تخريب معقدة للأجهزة خلال شحنها إلى لبنان.
فتح هذا الحادث باب النقاش حول إمكانية تحويل الأجهزة التكنولوجية الصغيرة إلى أدوات قتل حديثة بطرق غير مباشرة.
«أفلام خيالية توقعت الكوارث التكنولوجية»
وبالنظر إلى السينما العالمية نجد أن العديد من الأفلام سبق أن استعرضت موضوع الكوارث التكنولوجية، حتى إنها توقعت في بعض الأحيان سيناريوهات قريبة جدًا مما يحدث على أرض الواقع، وقدمت هوليوود عدة أفلام من قبل حاولت تتنبأ بكوارث أو حروب في الشرق الأوسط، وكانت فى إطار الخيال العلمي كان أقرب لأفلام الأكشن والدراما.
ومن بين هذه الأفلام: فيلم "The Matrix" الذى عرض عام 1999 وتم تصوير عدة أجزاء أخرى له، واستعرض فكرة سيطرة التكنولوجيا على البشر، حيث يستخدم الذكاء الاصطناعي لخداع البشرية.
كما تم تقديم فكرة استغلال تكنولوجيا المراقبة المتطورة لاستهداف بعض الشخصيات عن طريق استخدام التكنولوجيا البسيطة مثل الهواتف وأجهزة التتبع من خلال فيلم "Enemy of the State".
وعن رواية ستيفن كينج جسد فيلم "Cell" الذي تم عرضه عام 2016 المخاوف من قدرة الأجهزة اليومية على التحول إلى أسلحة مدمرة، وذلك من خلال استعراض فكرة استخدام إشارات صادرة من الهواتف المحمولة، والتي تتسبب في تدمير عقول الناس وتحويلهم إلى أدوات للقتل.
وحول فكرة إمكانية أن تتحول الهجمات الرقمية إلى انفجارات فعلية على أرض الواقع، دارت قصة فيلم Live Free or Die Hard الذي تم عرضه عام 2007، والذي استعرض وقوع هجوم سيبراني تسبب في شلل كامل للبنية التحتية باستخدام التكنولوجيا.
كما سبق وقدمت هوليوود من قبل عدة أفلام تنبأت خلالها بكوارث أو حروب في الشرق الأوسط، منها من دارت أحداثه فى إطار الخيال العلمي، وأعمال أخرى كانت أقرب لأفلام الأكشن والدراما، ومن هذه الأفلام:
فيلم «Syriana» بطولة جورج كلوني ومات ديمون وجيفري رايت الذي تناول ما يحدث في الشرق الأوسط والصراعات الاقتصادية والسياسية، من خلال استعراض لعبة البترول والسياسة العالمية وكيف تتلاعب الدول الكبرى بالمصير السياسي فى الشرق الأوسط، والفيلم يوضح كيف تتحكم القوى الدولية بمستقبل الشرق الأوسط.
بينما استعرض فيلم «The Kingdom» المواجهات بين القوى الأمنية الأمريكية ومجموعات إرهابية من خلال قصة تدور حول تفجير إرهابي حدث في السعودية وحاول الفيلم تقديم رؤية عن كيف يمكن للنزاعات المسلحة الداخلية والخارجية أن تؤدي لتدمير استقرار المنطقة، والفيلم بطولة جيمي فوكس، جينيفر غارنر، كريس كوبر، جيسون بيتمان وإخراج بيتر بيرج.
وفي إطار الكوميديا السوداء دارت أحداث فيلم «War، Inc» بطولة جون كيوزاك، هيلاري داف، بن كينغسلي، مارج هيلجنبرجر وإخراج جوشوا سيفتيل، حيث تناولت أحداثه في دولة خيالية في الشرق الأوسط حول فكرة الشركات الخاصة التي تدير الحروب وتحارب بعضها البعض من أجل المكاسب الاقتصادية وفكرة تدمير المنطقة نتيجة الحروب التي تحركها المصلحة التجارية أكتر من أي شيء آخر.
وأوضح فيلم «Iron Man» كيفية تأثير الصراعات التي تحدث في المنطقة على التكنولوجيا والأسلحة التي يمكن أن تؤدي لحروب مستقبلية، وذلك من خلال قصة تبدأ أحداثها في أفغانستان والتي هي جزء من الشرق الأوسط، والفيلم بطولة روبرت داوني جونيور، جيف بريدجز، جوينيث بالترو، تيرينس هوارد. وإخراج جون فافرو.
وتناولت قصة فيلم «Body of Lies» بطولة ليوناردو دي كابريو، راسل كرو، مارك سترونج، جولشيفته فرحاني وإخراج ريدلي سكوت محاولة المخابرات الأمريكية لاحتواء خطر إرهابي في الأردن، مع تسليط الضوء على زيادة النزاعات بين الشرق والغرب، والتي من الممكن أن تؤدي في النهاية لتدمير الاستقرار في المنطقة.
أما فيلم "Lawrence of Arabia"، وبالرغم من أنه تم عرضه عام 1962 إلا أنه تناول مبكرًا فكرة تأثير الاستعمار والمشاكل التي حدثت في المنطقة خلال الحرب العالمية الأولى، كما سلط الضوء على الصراعات التي حدثت والتي تعد تنبؤات مبكرة لما يحدث اليوم من توترات على أرض الواقع والفيلم بطولة بيتر أوتول، والنجم المصري عمر الشريف، أليك غينيس، أنطوني كوين. وإخراج ديفيد لين.
وعن قصة حرب العراق دارت أحداث فيلم «The Hurt Locker»، بطولة جيرمي رينر، أنثوني ماكي، برايان جيراغتي. وإخراج كاثرين بيجلو، وركزت الأحداث على العمليات العسكرية التى حدثت هناك وأوضح العمل كيف تسبب الحرب والمواجهات المستمرة تدميرا كاملا للبنية التحتية والمجتمعات في الشرق الأوسط.
ومن خلال هذه الأعمال وأفلام أخرى كثيرة عكست هوليوود الواقع في الشرق الأوسط بل وتنبأت ببعض مما يحدث الآن، لتختلط الصورة الخيالية على الشريط السينمائي بأرض الواقع وكأن الخيال أصبح حقيقة، وفي حالة انفجارات البيجر، نرى كيف أن التكنولوجيا التي كانت في وقت من الأوقات أداة للاتصال الآمن، تحولت إلي سلام مميت، والسيناريو الذي عرضته بعض الأفلام حول خطر التحكم في الأجهزة البسيطة يشبه إلى حد كبير ما حدث في لبنان مؤخرًا، حيث أشارت بعض التقارير إلى أن هذه البيجرات كانت تحمل بطاريات ليثيوم، وربما تم التلاعب بها لتنفجر وإذا كان الأمر كذلك، فهذا يفتح المجال حول مدى أمان التكنولوجيا التي نستخدمها وكيف يمكن التلاعب بها من خلال سلسلة التوريد، كما أظهرت بعض الأفلام، لتظل السينما قادرة على استعراض المخاطر المحتملة وتجسيد خيال صناعها في صورة تبدو قريبة جدًا من الواقع.
يذكر أن لبنان مر بمحطات وأحداث عديدة على مدار السنوات الماضية، حيث يعتبر لبنان ولا يزال مسرحا لأحداث كثيرة وأزمات متتالية، حيث تعرض لعدة انفجارات من قبل منها تفجيرات مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، حيث اهتزت المدينة من قوته، والتأثيرات كانت ضخمة على كل المستويات.
وهناك تفجيرات سابقة حدثت في لبنان قبل هذا الحادث وأشهر التفجيرات قبل كارثة المرفأ، الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990) فترة الحرب الأهلية كانت مليئة بالتفجيرات والاغتيالات، وكانت بيروت بالذات مركزا للمعارك وتبادل النيران. كان فيها تفجيرات سيارات مفخخة بشكل متكرر. وكانت الأحزاب اللبنانية والجماعات المسلحة تلجأ للتفجيرات كوسيلة ضغط سياسي أو عسكري، كما تم اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 فبراير 2005 بتفجير سيارة مفخخة ضخم في وسط بيروت.
وحصلت عدة تفجيرات في مناطق متعددة من الضاحية الجنوبية لبيروت في الفترة من (2013-2014)، بالإضافة إلي تفجير السفارة الإيرانية في بيروت في 19 نوفمبر 2013، وراح ضحيتها عشرات الأشخاص.
كتاب وآراء
وحول رؤية كتاب السيناريو عما تقدمه الأعمال السينمائية من أعمال قد تتنبأ بما يحدث مستقبلا، قال المؤلف أيمن سلامة فى تصريحات خاصة لـ«البوابة» إن الفنان دائمًا ما يسبق العالم في كل شيء، ويرجع ذلك إلى أن الفن يعتمد بشكل أساسي على الخيال، وهو ما يجعله يسبق العلم. هذا الخيال المتجدد لدى الفنانين يمكّنهم من رؤية ما لم يتحقق بعد، وضرب مثالًا برسومات الفنان ليوناردو دافنشي، الذي رسم طائرات هليكوبتر قبل أن يتم اختراع الطائرة بقرون طويلة. وهذا دليل واضح على قدرة خيال الفنان على التنبؤ بما يمكن أن يحققه العلم في المستقبل.
ومن هذا المنطلق، يرى سلامة أن الفن لا يتقيد بحدود الحاضر أو الواقع القائم، بل ينطلق بحرية إلى ما يمكن أن يكون. فالفنان يُعتبر العين المستقبلية التي تستشرف ما قد يتحقق في يوم من الأيام، حتى وإن بدا خياليًا في الحاضر. وهذا ما يجعل الفن دائمًا متقدمًا بخطوة على العلم.
أما المؤلف نادر صلاح الدين، مؤلف فيلم "اللمبي 8 جيجا"، الذي يرتبط بشكل كبير بمفاهيم الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا تركيب الشرائح الإلكترونية للبشر، استعرض تجربته في هذا السياق. وقال نادر فى تصريحات خاصة لـ«البوابة» إنه استلهم فكرة فيلم اللمبي 8 جيحا بعد مشاهدته لفيديو يعرض اختراعًا يشبه الفكرة التي قدمها في الفيلم. لكنه لم يكتفِ بما شاهده، بل أخذ الفكرة وطورها، مضيفًا إليها عنصر الخيال العلمي بوضع شريحة ذكية في جسم الإنسان. وهذا يؤكد أن الفن، في بعض الأحيان، يستلهم من الواقع العلمي ولكنه يقوم بتوسيعهششش وتطويره إلى آفاق جديدة.
نادر صلاح الدين أوضح أن المسألة تدور حول فكرتين رئيسيتين. الأولى هي أن الفن قادر على استباق العلم في التوقعات، حيث يقوم الفن بتقديم رؤى مستقبلية ربما لم يصل إليها العلم بعد، وهذا يحدث بشكل طبيعي دون تدخل أي قوى خارجية والفكرة الثانية هي أن بعض الأعمال الفنية، خاصة تلك التي تصدر من هوليوود، قد تكون تابعة لتوجهات استخباراتية لبعض الدول الكبرى. ويذهب صلاح الدين إلى أن هذه الأفلام قد تكون بمثابة اختبارات لمعرفة كيفية استقبال المجتمعات لأفكار جديدة أو غير مألوفة، ومحاولة استشراف ردود الأفعال تجاهها. ومع ذلك، أكد نادر صلاح الدين أن توقع ما سيحدث بالضبط في العالم يبقى أمرًا صعبًا للغاية، ولا يمكن لأحد التنبؤ به بدقة.
بينما تناول المؤلف محمود حمدان القضية من منظور آخر، حيث أشار إلى أن الجمهور العربي عمومًا لا يُفضل الأعمال الفنية التي تعتمد على الفانتازيا أو الخيال العلمي بشكل كبير. واعتبر أن هناك الكثير من الأعمال التي تم تقديمها بنمط الفانتازيا ولم تحقق النجاح المتوقع، وذلك يعود إلى ضعف تقبل الجمهور لهذا النوع من الأعمال.
ولفت حمدان إلى أن هوليوود نفسها قدمت الكثير من التوقعات في أفلامها، لكن العديد منها كانت خاطئة ولم يتحقق منها شيء وأضاف أن التحدي الحقيقي يكمن في تقديم الفن المناسب، في التوقيت والمكان المناسب، وللجمهور الذي يمكنه استيعاب تلك الأفكار، فهذه معادلة معقدة للغاية، لأن بعض الأعمال الفنية قد تكون متقدمة جدًا على مستوى وعي الجمهور، مما يؤدي إلى عدم فهمها أو تقبلها، وتابع حمدان فى تصريحات خاصة لـ«البوابة» أن المسألة تعتمد على العرض والطلب، وكيفية تقديم المحتوى الذي يلائم احتياجات وتوقعات الجمهور.