عُقدت القمة الأوروبية الخليجية، الأسبوع الجاري، في بروكسل وسط تحولات جيوسياسية تشهدها المنطقة والعالم، بين التصعيد الإسرائيلي للصراع في لبنان وغزة من جهة، وحرب أوكرانيا التي تشغل الغرب من جهة أخرى، ما يبرز أهمية هذه المحادثات في رسم رؤى تستند بقوة على منظمات دولية وإقليمية، عبر شراكة استراتيجية بين الطرفين.
الاتحاد الأوروبي وصف القمة بأنها "فرصة" للتكتل لتطوير شراكة أوثق مع مجلس التعاون الخليجي ودوله الأعضاء، فيما أشار الأمين العام للمجلس، جاسم البديوي، إلى أن أحد مساري هذه القمة يتعلق "بالقضايا الإقليمية والدولية، وينتهج خلالها مجلس التعاون الخليجي سياسة واضحة وجليّة، وترتكز على القانون الدولي، وتشجع لغة الحوار والدبلوماسية وتخفيف التصعيد في المناطق التي تشهد اضطرابات ونزاعات".
وكانت منطقة مجلس التعاون الخليجي، هي تاسع أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي في عام 2022 ومع وصول التجارة إلى 174 مليار يورو، وما يزال الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الثاني لمجلس التعاون الخليجي.
رئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر دي كرو، أكد على "الحاجة الملحة لعقد هذا الاجتماع في ظل التوترات المتصاعدة بالشرق الأوسط"، مشدداً على ضرورة تعزيز التعاون الاقتصادي بين أوروبا والخليج.
ودعا دي كرو إلى تكثيف الجهود المشتركة لتعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة، فيما وجه انتقادات لاذعة للأطراف التي تسعى لتقويض جهود الأمم المتحدة في تحقيق السلام، مؤكداً دور المنظمات الدولية في حل النزاعات.
وأبرز رئيس الوزراء البلجيكي أهمية القمة الأوروبية الخليجية في ظل الظروف الصعبة، التي تمر بها المنطقة، ودعا إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين أوروبا والخليج، مؤكداً على ضرورة تضافر الجهود لإيجاد حلول سلمية للأزمات القائمة في المنطقة.
بدوره، أعرب رئيس الوزراء الكرواتي أندريه بلينكوفيتش، عن قلقه العميق من التصعيد المستمر في المنطقة، محذراً من عواقبه الوخيمة على أوروبا.
ودعا إلى ضرورة فتح قنوات الحوار الدبلوماسي والعمل على تهدئة التوترات، مؤكداً أن الحوار هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
وأكد بيلنكوفيتش، على الأهمية الاستراتيجية للقمة الأوروبية الخليجية، ودورها المحوري في تعزيز التعاون الدولي والاقتصادي.
ودعا إلى تكثيف التبادل الاستشاري والخبرات بين أوروبا والخليج والشرق الأوسط، لافتاً إلى أن المنطقة تمر "بمنعطفات حساسة"، قد تؤثر بشكل مباشر على مستقبل القارة العجوز.
كما أعلن عن طموح بلاده توقيع شراكات استثمارية تركز على تطوير حلول تقنيات الجيل القادم في مجال التنقل الذاتي، مع دول الخليج في مجال التقنيات المستقبلية، مشيراً إلى أن هذه الشراكات ستساهم في تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين، وتلبية احتياجات القرن الحادي والعشرين.
الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لمنطقة الخليج، لويجي دي مايو، أكد أهمية القمة في تعزيز التعاون بين أوروبا ودول الخليج في مواجهة التحديات الإقليمية المتزايدة، مثل حرب أوكرانيا والتصعيد في فلسطين ولبنان.
وأشار دي مايو، إلى أن القمة ستسهم في نقلة نوعية للعلاقات الثنائية، وبناء شراكة استراتيجية قادرة على مواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة.
وتعد دول الخليج أحد أهم مراكز الطاقة من النفط والغاز في العالم، وهو ما يهم الجانب الأوروبي، وتمثل دول الاتحاد الأوروبي شريكاً استراتيجياً لدول لخليج، إذ تستورد منها أنواعاً مختلفة من الصناعات بما فيها العسكرية والتكنولوجية، في وقت تسعى فيه الدول الخليجية لتوطين كثير من تلك الصناعات لديها، ما يؤهل الجانبين لعلاقة شراكات تكاملية.
تدرك أوروبا وخصوصًا العملاق الاقتصادي الأوروبي، ألمانيا، أن مصادر الطاقة المتجددة وحدها لن تكون كافية لدعم صناعاتها الثقيلة. ولمعالجة هذه المشكلة، لجأت مؤخراً إلى إقامة شراكات مع دول الخليج. ففي أوائل أكتوبر، أبرمت شركة "كوفسترو"، أكبر شركة كيماويات في ألمانيا، صفقة بـ16 مليار دولار مع شركة "أدنوك" الإماراتية.
وبحسب المفوضية الأوروبية، تمثل دول مجلس التعاون الخليجي "منطقة مهمة"، فيما يخص التجارة والاستثمار، حيث تعد سادس أكبر سوق تصدير للاتحاد الأوروبي.
وتستند العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج إلى اتفاقية تعاون منذ عام 1988، التي تنشئ حوارات منتظمة بشأن التعاون بين الجانبين بشأن قضايا التجارة والاستثمار، والمسائل الاقتصادية الكلية، وتغير المناخ، والطاقة، والبيئة، والبحوث.
ونمت قيمة المبادلات التجارية بين السعودية ودول الاتحاد الأوروبي في عام 2023 بمعدل 30% لتبلغ نحو 80 مليار دولار، مع وجود نحو 1300 شركة أوروبية تستثمر في قطاعات الاقتصاد السعودي.
ولم يعد الغرب قادراً على الاعتماد على العوامل التي ساعدت في تعويض النمو البطيء في الإنتاجية مثل الطلب العالمي القوي، والطاقة الروسية الرخيصة، والاستقرار الجيوسياسي.
والشهر الماضي، قال ماريو دراجي الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي في تقرير، إن أوروبا ليست في مواجهة أزمة مفاجئة بقدر ما هي في خضم "معاناة بطيئة"، بسبب سنوات من الإهمال.
ووفقاً التقرير، الذي يتألف من 400 صفحة، تحتاج أوروبا إلى استثمارات إضافية تصل إلى 800 مليار يورو (نحو 881 مليار دولار) سنوياً لتعزيز اقتصادها المتدهور.
وشهدت أوروبا مؤخراً سلسلة من الأحداث التي تعزز التحذيرات التي أطلقها دراجي، وفق "بلومبرغ". فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة "فولكس فاجن" عن إنهاء اتفاق أمني وظيفي طويل الأمد، وتدرس حالياً إغلاق بعض مصانعها في ألمانيا لأول مرة منذ تأسيسها عام 1937.