تربّينا على قصص ظن الأهل أنها تمثل أصل دنيا الرعب، فلم يدركوا أننا سوف نواجه في حياتنا وقائع مرعبة يشيب لها ريش الغراب، ومن تلك القصص القديمة حكاية "أبو رجل مسلوخة" وهو شخص مشوه كريه المنظر، يأكل الأطفال غير المطيعين، فالطاعة والخضوع والخنوع هي الدرس الأول الذي يُرضع ويتعلمه مواليد الشرق الأوسط، بدءًا من التخويف وصولًا إلى "ابن الطاعة تحل عليه البركة".
هذا الدرس الذي ينتج أجيالًا تخشى التساؤل وبالتالي التمرد والابتكار، وبعد كل هذه السنين، اكتشفت أن "أبو رجل مسلوخة" الذي لم أره أبدًا، سوف يسير معنا في كل مراحل حياتنا، لكن المسلوخ فيه "عقله" لا "رجله"، لذلك كان وما زال مرعبًا أكثر من أي تخيل، مرعبًا وبشعًا في "النور" لا في "العتمة" التي كانت المرحلة الأولى لحضوره، فالنور قادر على كشف مواصفاته وتسلخاته وقبحه بوضوح لا يُطاق، ومن ملامح "أبو عقل مسلوخ"، وهو متعدد الأوجه والزوايا والبطن والظهر:
أولًا- هناك "صنم" رئيسي في حياته يتبعه عدد من "الأصنام"، لا يقبل المساس به أو النقاش حوله، إذا اقتربت منه، ظهرت أنيابه وتنجس لسانه فلا "اقتراب ولا تصوير"، ولا مسموح أن تطرح حوله أصغر سؤال، قد يكون هذا الصنم "نصًا" أو "طريقة" أو "مذهبًا" أو "فكرة" أو "شخصًا".
ثانيًا - ينتمي إلى "فرقة ناجية" تملك كل "الحق" وكل "الصح" وكل "الإجابات" عن كل “الأشخاص والأشياء والمعاني”، ومن موقعه هذا "يحكم" على كل "الآخرين" و"المختلفين" و"الرافضين" حكمًا نهائيًا قاطعًا باتًا بلا رجعة ولا "تراجع"، فالكل خارج جنته في "جهنم وبئس المصير".
ثالثًا - تمتلئ التسلخات والتشققات والثنايا في هذا العقل بحشو من الهراء المتوارث والخرافات التي لا تنتهي. أكثرها يحقر ويهين ويذل "المرأة"، ويرى فيها مصدر كل شر ونقيصة ومصيبة، ويعلي من التفاهات ويمجد النكرات ويجري وراء أسخف "الترندات"، فيستحق بذلك موقعه المرذول في قعر الأمم، وحصوله على المركز الأول في تخلف الشعوب، لإهماله "العلوم" وتفوقه فقط في المحفوظ والمنقول والمقصوص.
انظر حولك لتجد مئات ممن تعرفهم من هذه النوعية ذات العقل المسلوخ، والمرعب حقًا، يكفي أن تلتقي في يوم بأصولي سلفي يرفض أن يرد عليك جملة "صباح الخير" لأنه لا يرى في الخير لونًا من السلام، أو أنه يظن أن الفروض والطقوس والكلمات لا السلوك هي الطريق لجني الحسنات بالأرقام، وأن طول "الذقن" تقوي أكثر من العمل الصالح، أو تجد قبطيًا يمثل مع أصحاب الاعتقاد بطبيعة المسيح الواحدة 2% من مسيحيي العالم البالغين 98%، والذين يؤمنون بطبيعتين للمسيح، وهو، خلافًا لغويًا بالأساس، يراهم جميعهم هراطقة، ولابد من إعادة معمودية أكثر من مليار شخص والا جميعهم في النار، وهو بمفرده منفردًا في الملكوت السماوي، ثم يهلل قائلًا "الله محبة"... يا ويلنا من هذه التسلخات.
إفيه قبل الوداع:
أين عقلي؟ (اسم فيلم)
بين الأطلال (اسم فيلم)