رصد تقرير لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية تحذيرات جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية من أن إسرائيل بدأت على ما يبدو في تنفيذ خطة مثيرة للجدل لإجبار حماس على الخضوع من خلال فرض حصار على شمال غزة وتجويع من تبقى.
وقالت الصحيفة -في تقرير لمراسليها في المنطقة- إن الخطة التي أطلقها مستشار الأمن القومي السابق جيورا إيلاند، تدعو إسرائيل إلى إصدار أوامر للمدنيين بمغادرة شمال غزة إلى مناطق أخرى، ثم إعلان الشمال منطقة عسكرية مغلقة، وفي الوقت ذاته سيتم اعتبار أولئك الذين لم يغادروا، عبارة عن أهداف عسكرية، وسيتم قطع إمدادات الغذاء والمياه والأدوية تماما عنهم.
ونقلت الصحيفة عن إيلاند قوله إن الخطة ـ التي قدمها للجنة الدفاع في البرلمان الشهر الماضي تهدف إلى زيادة الضغوط على حماس لإطلاق سراح 101 رهينة إسرائيلي ممن لا تزال تحتجزهم في غزة.. غير أن جماعات حقوق الإنسان تقول إن هذه الخطة من شأنها أن تحاصر المدنيين، وأن تنفيذ هذه الخطة من شأنه أن يشكل انتهاكا للقانون الدولي.
ومن جانبه نفى الجيش الإسرائيلي -بحسب الصحيفة- تنفيذ خطة إيلاند. وفي اتصال هاتفي مع الصحفيين أمس الأول الأحد، قال نداف شوشاني، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "لم نتلق خطة مثل هذه".
ونسبت الصحيفة إلى لشخصين وصفتهما بأنهما على دراية بالمداولات الإسرائيلية الداخلية، قولهما إن كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين غير راغبين في الموافقة رسميا على الخطة حيث يعتبر البعض "أجزاء منها انتهاكا للقانون الدولي" على حد وصفهما.
غير أن وسائل الإعلام الإسرائيلية ذكرت الشهر الماضي أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أبلغ أعضاء البرلمان أنه يفكر في الخطة. ويوم أمس الاثنين، قالت أربع مجموعات لحقوق الإنسان وهي - جيشا وبيتسيلم وأطباء لحقوق الإنسان ويش دين - إن هناك "علامات تبعث على القلق" تفيد بأن إسرائيل بدأت "بهدوء" في تنفيذها ودعت المجتمع الدولي إلى التصدي لها، في حين رفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي التعليق على هذا الأمر.
وقال إيلاند إنه طرح خطته لأن عاما من القتال فشل في الضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن المتبقين الذين تحتجزهم في غزة، مضيفا أن إسرائيل قد تزيد الضغوط على حماس من خلال محاصرة شمال غزة والسيطرة الكاملة عليه، والتهديد بالسيطرة "نظريا إلى الأبد" ما لم تطلق حماس سراح الرهائن.
غير أن جماعات حقوق الإنسان قالت إن العديد من المدنيين لن يتمكنوا من مغادرة الشمال -وحتى لو فعلوا ذلك- فلن يكون هناك مكان آمن للذهاب إليه في غزة.
من جانبها قالت تانيا هاري، وهي المديرة التنفيذية لمنظمة جيشا، إن معاملة أولئك الذين بقوا في الشمال كمقاتلين لمجرد وجودهم هناك، وإصدار أوامر إخلاء مفتوحة يمثلان انتهاكا واضحا للقانون الدولي.
وأكدت أن "الأشخاص الذين لا يستطيعون الذهاب - وأي شخص يختار البقاء - لا يفقدون وضعهم كأشخاص غير مقاتلين. إنهم يظلون مدنيين. ولا تزال إسرائيل ملزمة بحمايتهم واتباع قواعد القانون الإنساني الدولي".
ونوهت الصحيفة بأن إسرائيل أصدرت موجة متجددة من أوامر الإخلاء، وطلبت من الناس التوجه جنوبا إلى منطقة مكتظة بالسكان تصفها إسرائيل بأنها منطقة إنسانية في المواصي على الساحل في جنوب غزة. وقد قصفت إسرائيل المنطقة مرارا وتكرارا، زاعمة أن المسلحين يستخدمونها كغطاء وشن هجمات صاروخية على إسرائيل، بحسب الصحيفة.
وأشارت فاينانشيال تايمز إلى أنه حدث انخفاض حاد في عمليات تسليم المساعدات وذلك وفقا لأرقام إسرائيل ذاتها، ومن ثم فإن متوسط كمية المساعدات التي وصلت إلى الجيب بأكمله كل يوم حتى الآن هذا الشهر كانت أقل من ربع الكمية التي تم تسليمها يوميا في سبتمبر.
واستشهدت الصحيفة بتصريحات فيليب لازاريني، رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والتي قال فيها إن الأمم المتحدة "لم يسمح لها بتقديم أي مساعدة بما في ذلك الغذاء" إلى شمال غزة منذ 30 سبتمبر.
ورفض المحللون ذلك باعتباره أقل من اللازم لتلبية احتياجات السكان، ولكن وفقا لمصدر مطلع على الوضع الإنساني في غزة، فقد يشير ذلك إلى أن إسرائيل تتراجع.
وقال المصدر: "إن الأرقام (للمساعدات) ضئيلة، وليس فقط في الشمال. في الواقع كان هناك تغيير في السياسة وما رأيناه يناسب جميع المعايير لتنفيذ خطة إيلاند".
وقال حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال غزة إن المستشفى لم يدخله أي طعام أو دواء منذ 10 أيام، مما أدى إلى استنفاد إمداداته الضئيلة بالفعل وإجباره على تقليص الخدمات الطبية. وأضاف: "هناك حصار كامل على شمال غزة. الأدوية والعلاجات والأغذية - كل شيء ممنوع من الوصول إلينا". "في الأيام المقبلة، إذا لم يتم التوصل إلى حل، فسنواجه كارثة أخرى هي المجاعة".
وأضاف أن المستشفى تلقى أمر إخلاء قبل يومين. لكن الأطباء لم يغادروا واستمر وصول المرضى الجدد، مع تكثيف القصف الذي أدى إلى امتلاء أقسام المستشفى.