تظل المشغولات اليدوية في النوبة شاهدة على تاريخ طويل من الإبداع والمثابرة، وتجسيدًا حقيقيًا لتراث عريق يتحدى الزمن، وبأيدٍ سمراء وبأنامل ماهرة، تُحاك تلك الحرف التراثية التي توارثتها الأجيال والتي لم تعد مجرد وسيلة لكسب الرزق؛ بل أصبحت رمزًا للهوية الثقافية النوبية التي تتحدى الزمن؛ إذ تجمع بين الأصالة والتجديد في آن واحد من خلال الأيدي الماهرة للسيدات النوبيات، اللواتي يواصلن العمل للحفاظ على هذا التراث وتطويره لتتجسد تفاصيل هذا الفن الفريد، حيث تلعب الخامات الطبيعية؛ مثل: “الخوص، والخرز” دورًا رئيسيًا في تشكيل مشغولات تأسر القلوب وتجذب السياح والمحبين للحرف التراثية من مختلف أنحاء العالم.
وتقول كريمة عبده حسين الشهيرة بكريمة بكار المنسق العام للتسويق والمعارض للأسر المنتجة بأسوان ومدربة للمشغولات اليدوية بأنواعها إنها تقوم بتدريب الفتيات من سن 10 سنوات على جميع المشغولات اليدوية من الخوص والكروشية والخرز بأنواعه ليتوارثها الأجيال كما توارثناها عن أجدادنا حتي لا يندثر التراث النوبي.
وأضافت: يمثل المعرض المفتوح بمدخل السوق السياحية بمدينة أسوان والتي افتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ عامين فرصة جيدة للدعاية المباشرة والتسويق لمنتجاتنا حيث تضم 32 من سيدة من أسوان والنوبة اللواتي يبدعن في المشغولات اليدوية ذات الطابع النوبي المميز والتي يتزين بها المعرض؛ لافته أنهن سعداء بالمبادرة الرئاسية "بداية جديدة لبناء الإنسان".
المشغولات اليدوية ليست مجرد حرفة بل جزء من الهوية النوبية
وأكدت على دعمهن بكل ما يمتلكن من خبرات؛ مشيرة إلى أن المشغولات اليدوية ليست مجرد حرفة بل جزء من الهوية النوبية التي تسعى كل امرأة للحفاظ عليها، مضيفة ما يميز مشغولاتنا اليدوية هو الإتقان والتفاني في كل قطعة عمل تحمل جزءًا من تاريخنا وبيئتنا، ونضيف لمسات زخرفية تميّزنا عن باقي الحرف اليدوية في مصر.
في قلب قرية نجع الغلالاب بغرب أسوان، تعمل الحاجة روحية يوسف صيام على إحياء تراث النوبة والذي تعلمته من جداتها لأبيها وأمها في سن 16 عامًا، وهي تراقبهما وهما تقومان بصناعة الحقائب والمفارش من الخوص.
وتخصصت في مشغولات الخوص المستخرج من النخيل والذي كان يُستخدم لتجهيز العرائس النوبية؛ لافتة إلي أن العروس النوبية في الماضي كانت تزيين غرفتها بالمقاطف الخواص بمختلف أشكالها وأحجامها وبالأطباق النوبية.
وأوضحت الحاجة روحية: "استهوى قلبي العمل بمشغولات الخوص، وبدأت العمل فيه بجميع مراحله، من جمع الخوص وتجفيفه وصبغه بالألوان المميزة عند النوبة، إلى تضفيره وخياطته في أشكال مقاطف وشنط وسلال وغيرها من مشغولات الخوص.
وأشارت إلى أنه لم تقتصر جهودها على نقل التراث فحسب، بل أضافت لمساتها المبتكرة باستخدام خامات جديدة مثل خيوط المكرمية والصوف لعمل شنط ومفارش نوبية؛ مضيفة أنها اتجهت أيضا إلي عمل مشغولات يدوية بأوراق شجر الموز مثل الشيالات، وإدخال الخرز في تصميماتها؛ ما جعل منتجاتها تلقى استحسان السائحين والزائرين لأسوان، كما قامت بتدريب العديد من الفتيات على هذه المهارات الفنية، ليس فقط في أسوان بل في محافظات أخرى.
وقالت سعدية العمدة إنها تعمل في مشغولات الخزر هي وابنتها بدءا من شغل الخرز علي النول وهو عمل يتطلب مجهودًا ودقة كبيرة نظرا لصغر حجم الخرز، لكن النتيجة دائمًا تستحق العناء؛ لافتة إلى أنها تعمل في مشغولات الخرز الأخرى لعمل الاكسسوارات، مثل: القلادة والأساور وميدالية المفاتيح وأيضا الشيالة والعروسة للزينة.
وأشارت إلى أنها تقوم أيضا بعمل ميداليات مفاتيح من الخيوط الصوف ومطعمة بحليات مثل الصدف أو القواقع؛ موضحة أن العقد العادي يحتاج إلي يوم عمل أما عقد النول فيحتاج من يومين عمل إلي ثلاثة أيام؛ لافتة نستخدم في مشغولات الخرز ألوان من التراث النوبي تعبر عن النوبة والتي تجذب السائحين ويقبلون علي شرائها.
وتقول أسماء عبدالعاطي، إن الاهتمام بالمشغولات اليدوية النوبيّة بدأ يتزايد في السنوات الأخيرة، وهناك إقبال متزايد من السياح والمصريين على شراء هذه المشغولات، لما تتميز به من أصالة وجمال.
وأضافت: “لقد قمت بتطوير بعض المنتجات بإضافة تصميمات حديثة تتناسب مع الأذواق الحالية، دون أن أخل بتراثنا النوبي، على سبيل المثال، نضيف الآن الخرز بألوان زاهية إلى السلال والحقائب لإضفاء لمسة عصرية، وقد لاقت هذه التصاميم إعجاب الكثيرين”.