وسط كل صراع جديد، تظهر أصوات تهدد باستخدام سلاحها النووي، تزداد حالة الترقب والحذر، ويزداد معها القلق لدى سكان العالم، بسبب الخوف من قيام حرب نووية تدمر العالم في دقائق قليلة، والأكثر غضبا أن دولة وحيدة، هي الولايات المتحدة الأمريكية، تقف بصورة مباشرة أو غير مباشرة وراء تلك التهديدات التي تضع العالم في حالة تأهب وترقب للحظة جنون ينجرف فيها العالم إلى الهلاك والدمار.
لا أحد يتورع من التلويح بسلاحه النووي، روسيا مثلا في تحديثها لعقيدتها النووية يمكنها أن تشن هجوما نوويا على دولة غير نووية، وتعتقد موسكو على لسان وزير خارجيتها سيرجى لافروف، أن نحو ٥٠ دولة تحارب روسيا بأيدي أوكرانيا، وأن أي تدخل مباشر سيخلق مواجهة وحربا بين روسيا وحلف الناتو.
وإسرائيل تندد بملف إيران النووي، بينما تمتنع عن التوقيع على معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي، وتمتلك مصر قناعة راسخة بضرورة نزع السلاح النووي من منطقة الشرق الأوسط، لذا أكد وزير الخارجية السابق سامح شكري، أمام مؤتمر نزع السلاح، فبراير٢٠١٩، أن منطقة الشرق الأوسط تُعد من بؤر عدم الاستقرار الإقليمي والدولي، ويفاقم من هذا الوضع وجود دولة بها غير طرف في المعاهدة، ومن هنا نُعيد التذكير بما أكدت عليه مؤتمرات مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي في أعوام ١٩٩٥ و٢٠٠٠ و٢٠١٠ بشأن مطالبة إسرائيل، الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لا تزال خارج المعاهدة، بسرعة الانضمام للمعاهدة، وإخضاع جميع منشآتها النووية لنظام الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومع ذلك، تهدد إسرائيل دائما بضرب المنشآت النووية الإيرانية، لأنها تمثل خطرا عليها، وهى ازدواجية مستمرة من إسرائيل، وذلك سط دعم من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بينما تقابل طهران هذه التهديدات بالسخرية والاستهانة.
وخلف كل تهديد بالنووي، تطل الولايات المتحدة برأسها، فالتهديد الروسي باستخدام سلاحها النووي يأتي من إدراكها لطبيعة الحرب في أوكرانيا وأنها تواجه الغرب وتواجه أمريكا، وفى الملف الإيراني فإن إسرائيل في بعض أصوات قادتها لديها مبرراتها لضرب المنشآت النووية، ورغم تحذير الإدارة الأمريكية من اتساع الصراع ووصوله لحرب في المنطقة إذا ما أقدمت إسرائيل على هذه الخطوة، إلا أن ترامب دعا إسرائيل بشكل مباشر إلى ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وبهذا تقف أمريكا أيضا وراء تصاعد اللغة الخطابية المتعلقة بالملف النووي بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
إيران وإسرائيل والمنشآت النووية
في إطار التصعيد الدائر بين إيران والتنظيمات المسلحة الموالية لها من جانب ودولة الاحتلال الإسرائيلي من جانب آخر، اقترح الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب، أن تنفذ إسرائيل ضربات تجاه المنشآت النووية الإيرانية، في نفس الوقت أكدت إيران أنها متأكدة من تأمين منشآتها.
ويشير تقرير لموقع "الشرق بلومبرج" إلى أن محاولة ضرب إسرائيل للمنشآت الإيرانية لن تكون ناجحة إلا إذا ساعدتها في ذلك الولايات المتحدة، حيث "استبعد مسئولون أمريكيون وإسرائيليون أن تضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية في ردها على الهجوم الصاروخي الذى شنته إيران عليها في بداية أكتوبر، أو أن تنجح في ذلك بدون مساعدة أمريكية".
وشرح التقرير أن إسرائيل نفذت تدريبات على البحر المتوسط بواسطة عدة مقاتلات لمحاكاة ضرب المنشآت النووية الإيرانية، ودون مشاركة الولايات المتحدة، في إشارة منها أنها ربما تفعل ذلك بمفردها، وفى الوقت الذى ترى فيه الإدارة الأمريكية ضرورة ومشروعية تنفيذ ضربة ضد إيران، فإنها تعلن أنها ضد التصعيد، وأن خطوة مثل تدمير المنشآت الإيرانية سيؤدي إلى اشتعال حرب في المنطقة.
وأشار تقرير "الشرق بلومبرج" إلى أن لغة تصعيدية داخل إسرائيل، جاءت من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، القومي المتشدد نفتالى بينيت، الذى كتب مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي: "إسرائيل لديها الآن أعظم فرصة لها منذ ٥٠ عامًا لتغيير وجه الشرق الأوسط". ويقصد هنا بهذه الفرصة هى وجود المبررات والأدوات لضرب منشآت إيران النووية، حيث أضاف بينيت "علينا أن نتحرك (الآن) لتدمير البرنامج النووى الإيراني، ومرافق الطاقة المركزية، وشل هذا النظام الإرهابى نهائيا".
تأمين المنشآت النووية
في ظل المخاوف المتعلقة بضربة موجهة لمنشآت نووية إيرانية، يتحدث الخبراء عن نقطتين ضروريتين، الأولى وهي مساعى إيران لتأمين ملفها النووى ومنشآتها الحيوية، والثانية عن المدة الزمنية القصيرة التى تحتاجها إيران لإنتاج قنبلة نووية يمكنها أن تخيف عدوها، وأيضا عن انسحابها من معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي.
وأفادت تصريحات مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز بأن إيران تحتاج إلى أسبوع كي تصنع قنبلة نووية واحدة، حال شعورها بالخطر، وأن الضربات التي شنتها إسرائيل ضد أذرع إيران حققت أهدافها، وأن المكاسب في ساحة الحرب تحتاج إلى دبلوماسية ذكية لوقف المزيد من التصعيد.
ونقلا عن تقرير لموقع "روسيا اليوم"، فإن بيرنز قال أمام مؤتمر الأمن في جورجيا، إن إيران طورت برنامجها النووي من خلال تخزين اليورانيوم المخصب إلى مستويات تقترب من مستوى تصنيع الأسلحة، مبينًا أنه نتيجة لذلك، يمكن لإيران أن تحصل بسرعة على ما يكفى من المواد الانشطارية لصنع قنبلة ذرية إذا اختارت ذلك، وسيكون هناك وقت أقل أمام العالم الخارجي للرد، مؤكدا: "أننا لا نرى دليلا اليوم على أن المرشد الإيراني على خامنئي قد تراجع عن القرار الذى اتخذه في نهاية عام ٢٠٠٣ بتعليق برنامج التسليح".
ويبدو من حديث مدير CIA أنه يشدد على ضرورة الدبلوماسية الذكية في احتواء المواقف التصعيدية لتجنب انزلاق المنطقة إلى خطر الحرب، مع الإشارة إلى إمكانية أن تمتلك إيران قنبلة نووية واحدة فى أسبوع واحد، وأن العالم أمام هذه الاحتمالية لديه وقت ضيق للرد على إيران، ويبدو أيضا أن هذا النوع من التصريحات رغم بيان الحكمة فى بعض جوانبه من ترجيح كفة الدبلوماسية، فإنها تصب فى صالح التصريحات الداخلية فى إسرائيل التى تريد أن تنتهز الفرصة كى تقضى على برنامج إيران النووي.
وفيما يخص التأمين، أعلنت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، مطلع أكتوبر الجاري، أنه جرى تأمين المنشآت النووية ضد أى هجمات، وذلك فى إطار التخوفات من شن إسرائيل أى هجمات عليها، وسط الظروف المتوترة بالمنطقة. بينما قلل رئيس المنظمة محمد إسلامى من أهمية التصريحات الإسرائيلية بشأن ضرب المنشآت النووية الإيرانية، قائلا "إسرائيل تطلق دائمًا مثل هذه الادعاءات". بما يعنى أن إيران تعودت مثل هذه التصريحات من إسرائيل، وأن المنشآت النووية لديها جرى تأمينها تمامًا.
روسيا والغرب والأزمة الأوكرانية
واحد من الصواريخ الروسية، من نوعية (توبول-أم) يمكنه أن ينفرج فى شكل كرة نارية يبلغ عرضها ١كم، ومن شأنه إحراق كل كائن حى فى هذه المنطقة، ثم يمتد تأثيرها عبر دائرة نصف قطرها ٧كم، خلافا للإشعاعات السامة للماء والهواء، وتمتلك روسيا نحو ٥.٩٧٧ رأسا نووية، يمكنها أن تشعل حربا نووية، من بينها صواريخ بعيدة المدى.
ومع ذلك، اقترح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى وقت سابق تعديل سياسة بلاده فى مجال الردع النووي، وتحديثها بما يتلاءم مع الظروف الحالية، وهو نوع من التصعيد الروسى ضد الغرب الذى يقف إلى جانب أوكرانيا ويدعمها بالأسلحة. فى التحديث المشار إليه، تعتبر روسيا أن العدوان من جانب دولة غير نووية بمشاركة دولة نووية بمثابة هجوم مشترك على روسيا الاتحادية، وأنه يسمح لها باستخدام كافة الأسلحة للدفاع عن نفسها بما فيها السلاح النووي.
حول تحديث روسيا لعقيدتها فى مجال الردع النووي، أكد نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو، الثلاثاء الماضي، أن هذه الخطوة تأتى من روسيا كى لا يكون لدى خصومها أوهام بشأن استعداد موسكو لضمان أمنها بكل الوسائل المتاحة.
ونقلا عن تقرير لموقع"سبوتنيك" الروسي، فإن نائب وزير الخارجية الروسى تساءل: "أى خفض للتوترات يمكن أن نتحدث عنه عندما يصنف الناتو فى وثائقه الاستراتيجية روسيا على أنها التهديد الأهم والمباشر لأمن الدول الأعضاء فى الحلف ويستعد فى تعزيزاته العسكرية للصدام مع بلدنا؟".
فى إطار إدراك روسيا لطبيعة الصراع، وموقف الغرب منها، ردَّ نائب وزير الخارجية على أحد الأسئلة المتعلقة بوجهة نظر روسيا فى النقاشات الدائرة بين دول حلف الناتو حول رفع القيود المفروضة على استخدام كييف للصواريخ بعيدة المدى، وهو ما يهدد عمق الأراضى الروسية، مجيبًا بأن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، حدد موقف روسيا من هذه المسألة بشكل شامل، ففى نهاية المطاف، من الواضح أن الأوكرانيين لا يمكنهم استخدام هذه الأسلحة بأنفسهم. وهذا من شأنه أن يغير طبيعة الصراع ذاته".
وأشار إلى أنه فى الوقت نفسه، يقوم حلف شمال الأطلسى "باختبار الطرق اللوجستية لنقل القوات والأسلحة عبر المحيط الأطلسى إلى الجناح الشرقي، وكذلك نشر مستودعات الأسلحة ووحدات القوات الأجنبية هناك".
وذكر نائب وزير الخارجية الروسي، بأنه فى سيناريو المناورات الأكبر منذ نهاية الحرب الباردة، "المدافع الصامد"، التى جرت فى الفترة من ٢٢ يناير إلى ٣١ مايو الماضيين، "ولأول مرة، لم يتم استخدام دولة وهمية بل روسيا كخصم". مؤكدا أن "الحديث مع روسيا بلغة القوة لا جدوى منه"، وأشار إلى أنه " ليست روسيا، بل حلف شمال الأطلسى هو الذى سلك طريق المواجهة، لقد تخلى الناتو عن الحوار معنا والبحث المشترك عن سبل للرد على التهديدات الحقيقية وليس الوهمية. السياسة الهادفة للتحالف هى التى أدت إلى أزمة واسعة النطاق للأمن الأوروبي، وتدمير الأدوات التى تضمنها".
الملاجيء النووية فى أوروبا
التصعيد بين روسيا والغرب أسهم فى زيادة التوتر لدى المواطنين فى الغرب من احتمالية وقوع حرب نووية تقضى على العالم فى دقائق قليلة، هذه التوترات المتبادلة بين عدة بلدان جعلت الكثير من المواطنين والشباب فى الغرب من الاهتمام بفكرة الملاجيء المحمية ضد الهجمات النووية. وأكدت بعض التقارير أن دول مثل سويسرا وألمانيا اهتمت بإصلاح وتجهيز الملاجئ المحمية ضد الهجمات النووية، وكان حديث الرئيس الروسى بوتين أثار مخاوف البعض من موافقته على استخدام السلاح النووى ضد الغرب حال تعرضت بلاده للهجوم والتهديد، لذا فبعض البلدان تحاول استباق وقوع هذه الحرب بتجهيز أماكن آمنة للسكان حال وقعت حرب تدميرية نووية.
وفى منتصف فبراير الماضي، اتجهت فلندا لبناء ملجأ يقع تحت الأرض على عمق ٢٥ مترا، محصن ضد الهجمات النووية، وذلك أيضا فى إطار الأزمة المشتعلة ما بين حلف الناتو وروسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية، وتهديد روسيا بإمكانية استخدامها للسلاح النووى حال تعرضت لهجوم من دول الغرب.
كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية
هدد الرئيس كيم يونج أون أن بلاده لن تتردد فى استخدام أسلحتها النووية حال تعرضت بلاده لهجوم من كوريا الجنوبية وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك ردا على تهديد سابق لرئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول بأن بلاده سوف تنهى نظام كوريا الشمالية إذا استخدمت السلاح النووي، وأن جيش بلاده بالتعاون مع الولايات المتحدة سيسحقون كوريا الشمالية إذا حاولت استخدام أسلحة نووية، وذلك أثناء تفقده لعرض عسكري.
وكان رئيس كوريا الشمالية قد تعهد بتحويل بلاده إلى قوة عسكرية عظمى، تمتلك أسلحة نووية، ولن تتردد فى اسخدامها حال تعرضت بلاده لهجوم من الأعداء، والمقصود بهؤلاء الأعداء جارته كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية. وأكد يونج أون أنه لا ينوى مهاجمة كوريا الجنوبية، لكنه لن يترد فى استخدام الأسلحة "إذا حاول العدو استخدام القوة ضد بلادنا". وفى الوقت نفسه أرسل ببرقية تهنئة للرئيس بوتين فى عيد ميلاه، أكد فيها أنه يقف إلى جانب روسيا من أجل "الدفاع عن السلام الإقليمى والعالمى والعدالة الدولية".
ويبقى السؤال، هل يمكن أن تندلع فجأة حرب نووية شاملة.. أم أن الأمر سيقتصر على حروب مشتعلة في أكثر من منطقة لا يتجاوز مداها أسلحة الدمار الشامل؟