تزايدت الضغوط الاقتصادية مع تزايد حدة التوترات السياسية فى منطقة الشرق الأوسط ومع تزايد حدة التصعيد العسكرى نتيجة العدوان الصهيونى على لبنان فى ٢٧ سبتمبر الماضى والذى استهدف الضاحية الجنوبية، وهو ما أكده تحذير البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية منذ أيام من المخاطر الاقتصادية للتصعيد العسكري، وقالت بياتا يافورشيك كبيرة الخبراء الاقتصاديين فى البنك، إن الأزمة المتصاعدة فى منطقة الشرق الأوسط، مع قصف إسرائيل لمواقع حزب الله، من شأنها أن تفاقم الأزمتين السياسية والاقتصادية فى لبنان وتضر بدول مجاورة مثل الأردن ومصر.
فلسطين.. اختناق من غزة إلى الضفة الغربية
أسوأ من الأزمة هو الانهيار. بعد مرور عام على هجمات حماس فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، تغرق غزة فى أزمة إنسانية، والضفة الغربية على وشك الانهيار، مع ارتفاع معدلات البطالة كما أن السلطة الفلسطينية على حافة الإفلاس.
ويعانى الاقتصاد الفلسطينى من ضربة مزدوجة. وفى غزة، حيث لم يعد لدى نصف الأسر أى مصدر للدخل، ارتفعت الأسعار بنسبة ٢٥٠٪ خلال عام واحد بسبب وصول البضائع بكميات ضئيلة وتكلفة النقل الباهظة. فى الضفة الغربية، حيث يغرق السكان فى الفقر منذ أكتوبر ٢٠٢٣، أصبحت خزائن السلطة الفلسطينية فارغة، لأن إسرائيل، التى تجمع الضرائب الجمركية من فلسطين والتى يتعين عليها أن تدفعها لتسددها كل شهر، تحتفظ بجزء كبير منها.
تختلف المبالغ والأسباب المقدمة حسب الشهر، وتسلط إسرائيل الضوء على تكلفة توفير المياه أو الكهرباء، وتريد أيضًا خصم المدفوعات التى تدفعها السلطة الفلسطينية لعائلات الفلسطينيين المحتجزين فى إسرائيل أو الذين قتلوا فى هجمات تستهدف الإسرائيليين.
يقول رامى العزة، الخبير الاقتصادى فى مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد»: «هذه الاستقطاعات للأسف تعسفية تمامًا، وهى تمثل كل شهر ما بين ثلثى أو ثلاثة أرباع الأموال المخصصة لفلسطين».
ويضيف أنه منذ أكتوبر ٢٠٢٣، بلغ متوسط هذه الاستقطاعات الشهرية ٥٠٠ مليون شيكل «١٢٠ مليون يورو»، مقارنة بـ٢٠٠ مليون شيكل سابقًا، وهو ما أدى إلى خفض إيرادات السلطة الفلسطينية إلى النصف، وفقًا لحسابات البنك الدولى.
وفى بداية عام ٢٠٢٤، تم أيضًا سداد المدفوعات متأخرًا، ويُشير البنك الدولى، الذى يشعر بالقلق من انهيار النظام، إلى أن أزمة الميزانية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة فى عام ٢٠٢٤، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى زيادة الاستقطاعات الإسرائيلية من إيرادات السلطة الفلسطينية.
مواجهات مع مستوطنين متطرفين
وتعتمد فلسطين على إسرائيل من أجل بقائها، وتمثل إسرائيل ٦٤.١٪ من تجارتها الخارجية، لأنه وفقًا لـ«رامى العزة»، فإن التكاليف الإدارية وتكاليف النقل تجعل من الصعب للغاية تصديرها إلى أى مكان آخر غير إسرائيل، حيث يتعين على الفلسطينيين العبور بمعظم البضائع على أى حال.
كما أنها تعتمد على العملة الإسرائيلية، الشيكل، ونظامها المصرفى للمدفوعات الدولية، وأخيرًا، فهى تعتمد على سوق العمل الخاص بها، وحسب تقديرات منظمة العمل الدولية فإن ٢٢٪ من العمال الفلسطينيين كانوا يعملون فى إسرائيل قبل ٧ أكتوبر، وهو رقم انخفض منذ ذلك الحين إلى ٢.٣٪.
يوضح «العزة»، أن الزراعة فى الضفة الغربية تلعب دورًا حاسمًا فى استيعاب العمالة الفلسطينية التى لم تعد قادرة على السفر إلى إسرائيل، ولكن مع الدمار وتجدد العنف المرتبط بالاستيطان، أصبح هذا النشاط معقدًا وخطيرًا للغاية.
منذ ٧ أكتوبر، قُتل ما لا يقل عن ٦٨٠ فلسطينيًا فى اشتباكات مع مستوطنين متطرفين فى الضفة الغربية، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، كما قُتل ما لا يقل عن ٢٤ إسرائيليًا، ويؤكد البنك الدولى فى تقرير نشره فى سبتمبر أن الصعوبات الاقتصادية والأمنية وصلت إلى حد أن العديد من المزارعين فى الضفة الغربية توقفوا عن زراعة الخضروات.
من جانبه، يشير «الأونكتاد» فى تقريره الذى نشر فى سبتمبر حول حالة الاقتصاد الفلسطينى إلى أن القيود المفروضة على الحركة تعيق إيصال المساعدات الإنسانية وتقوض الاقتصاد من خلال زيادة تكاليف النقل ومنع العمال من الوصول إلى أماكن عملهم، حيث ارتفع عدد نقاط التفتيش على مداخل القرى الفلسطينية من ٥٦٧ نقطة تفتيش فى بداية أكتوبر ٢٠٢٣ إلى ٧٠٠ نقطة تفتيش فى فبراير الماضى.
ويقول محمد كميل، مدير غرفة تجارة وصناعة جنين، إن العرب الإسرائيليين أنفقوا الكثير من المال فى المحلات التجارية والمطاعم فى جنين لكن مع إغلاق الحدود توقفت الزيارات، وأصبحت الخسارة فى حجم التداول كبيرة جدًا.
ومن خلال تجفيف إيرادات السلطة الفلسطينية وتعليق تصاريح العمل لأكثر من ١٨٠ ألف عامل من غزة والضفة الغربية، تعمل إسرائيل على خنق الاقتصاد الفلسطينى، مما يهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية هناك.
وفى الضفة الغربية، تضاعف معدل الفقر خلال بضعة أشهر، ويؤثر الآن على ٢٨٪ من السكان، وفقًا لتقديرات البنك الدولى، وفى غزة، أصبح السكان، الذين تم تهجير ثلاثة أرباعهم قسرًا، جميعهم تقريبًا على حافة المجاعة، وفقًا لبرنامج الأغذية العالمى.
ويعانون من نقص المياه والوقود والكهرباء وعدم الحصول على التعليم والرعاية الصحية والصرف الصحى. فقد تم تدمير ٩٥٪ من المدارس، وقُتل ٥٠٠ معلم، ولم يعد ما يقرب من ٦٢٥ ألف طفل فى المدارس.