السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أبعدوا الأطفال عن الشاشات اللعينة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مع بدء العودة المدرسية، لاحظت أن بعض المدارس تعلق لافتات تحظر على التلاميذ استخدام هواتفهم المحمولة. ورغم علمي بمدى معاناة المشرفين والمعلمين في تطبيق القواعد والتعامل مع المخالفين فإنها محاولات محمودة جدا، وليت العائلات تنفذ نفس هذه القواعد مع أطفالها داخل المنازل بل غالبا العكس ما يحدث. لذلك، انتشرت ظاهرة الأطفال الصغار الذين لديهم مشاكل في الكلام والنطق. وقد قرأت دراسة للدكتورة ياسمين مطر، المتخصصة في أمراض التخاطب، تكشف عن إحصائيات مقلقة تفيد بأن كل 1000 طفل مصري يوجد بينهم 30 طفلا لديهم مشاكل متنوعة، مثل تأخر اللغة أو التلعثم أو نطق كلمات غير كاملة. وتشرف الدكتورة ياسمين عن مبادرة حكومية رائعة تهدف للكشف المبكر عن المشكلات اللغوية وعلاجها. وأجمل ما في هذه المبادرة هو نطاقها الجغرافي الواسع، خاصة إدراجها ضمن مبادرة حياة كريمة وإطلاق حملة "من حقي أتكلم"، وهو ما يعني استفادة المجتمعات الأكثر احتياجا في الريف والمحافظات الحدودية والمناطق الحضرية المكتظة بالسكان. 
المشكلة على ما يبدو عامة ومنتشرة في شتى أنحاء العالم؛ لذلك تم تحديد يوم 22 أكتوبر من كل عام للاحتفال بالتلعثم واضطراب الكلام وصعوبة النطق، وهي مشكلات يعاني منها 70 مليون شخص أي ما يقارب 1% عالميا. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، كل 11 طفلا بين عمر (3-6) يوجد بينهم طفل واحد على الأقل يعاني مشكلة من مشكلات التخاطب.
الأطباء والمتخصصون يقولون إن الأهل غالبا لا ينتبهون طالما وجدوا أن الأطفال نشاطهم طبيعي؛ هذا ما يجعلهم يهملون مشاكل النطق وتأخر الكلام، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الحالة وصعوبة الاستجابة للعلاج فيما بعد. 

هذا الإهمال لا يقتصر فقط على الآباء بل قد يستمر عندما يدخل الطفل إلى المدرسة فلا يكترث القائمون على المؤسسات التعليمية بمشاكل النطق عند التلاميذ وعندما تتفاقم الأزمة يوجهون الآباء بضرورة تحويل أبنائهم إلى مدارس الدمج بدعوى وجود مشكلات لغوية تمنعهم من متابعة المدرسين واللحاق بزملائهم. طبعا هذا الأمر يعرض الأطفال إلى مشكلات نفسية مثل التنمر من طرف زملائهم، وهم في غنى عنها لو تم الانتباه مبكرا للحالة. والأطفال يحتاجون إلى التحفيز من المعلمين على النطق والحديث، والتشجيع عند تحقيق أبسط النجاحات لكسر حاجز الخوف والانعزال. 
وأفضل علاج للأطفال في مرحلة مبكرة بوضعهم داخل مجتمع الصغار في مثل عمرهم، في الحضانة أو الروضة والنادي والتجمعات العائلية، وهي أفضل بيئة تحفّز الأطفال على الحديث والتواصل. أما تركهم في المنزل أو انعزالهم أمام التلفزيون والأجهزة المختلفة فهذا لن يساعدهم على التحسن واكتساب مهارات اللغة والتواصل. 
لكن متى يتم تصنيف الطفل بأن لديه مشاكل لغوية؟ المتخصصون يجيبون أنه حال وصوله لسن الخامسة ولا يتكلم بشكل جيد، ويلفتون إلى أن الأطفال الذكور يميلون إلى إظهار مهارات اللغة بشكل متأخر قليلا مقارنة بالإناث. لكن يمكن وصف الأطفال بأن لديهم تأخرا في النطق إذا نطقوا أقل من عشر كلمات وهم في عمر 18-20 شهرا، أو أقل من خمسين كلمة وهم في عمر 21-30 شهرا.
أما عن أسباب تأخر الأطفال في الحديث فلم تعد خافية على أحد حيث إن خطر الشاشات، سواء الرقمية أو التلفزيونية، على الأطفال بات أمرا معروفا للجميع. وتؤكد دراسة حديثة أن الإفراط في استخدام الشاشات يجعلهم يسمعون كلمات أقل. وكشفت هذه الدراسة المنشورة في مجلة الطب الأمريكية (جاما) أن الأطفال الصغار يفقدون الفرصة لسماع أكثر من 1000 كلمة ينطقها البالغون كل يوم بسبب الجلوس أمام الشاشات، مما يؤثر سلبيا على تطور لغتهم. كما توضح الدراسة، التي تابعت 220 عائلة لمدة عامين بين (2018 -2021 ) داخل المنزل، أن قلة التفاعل بين الطفل والألعاب تساهم في زيادة مشاكل النطق. وقد وجدت الدراسة التي قادتها الدكتورة ماري بروش من معهد ثيليثون للأطفال أن التعرض للهواتف والتلفزيونات والألواح الرقمية أثر بشكل خطير خاصة على الأطفال في عمر الثلاث سنوات. وأظهرت النتائج أنه لكل دقيقة إضافية من وقت الشاشة كان الأطفال في عمر الثلاث سنوات يسمعون سبع كلمات أقل، وينطقون بخمس كلمات أقل، ويشاركون في محادثة واحدة أقل. 
وأظن أن هذه النتائج رغم خطورتها أقل من الحقيقة لأنها لم ترصد استخدام الآباء والأمهات للهاتف أثناء تواجدهم بجانب أطفالهم وهو ما نلاحظه يوميا في بيوتنا. يضاف إلى ذلك ظاهرة لم ترصدها الدراسة أيضا وهي أن الأطفال لا يأكلون إلا أمام الشاشات؛ هذا الأمر يتضح جيدا في قلة التركيز عند دخول المدرسة، ناهيك عن أمراض رائجة الآن وهي زيادة الكهرباء في المخ نتيجة الإشعاعات التي تصدرها الهواتف والتي يتعرض لها الأطفال منذ فترة الرضاعة. بعد استعراض كل هذه المعلومات والحقائق لا أدري كيف يمكن لجيل زاد (مواليد بعد 1995) والذين أصبحوا آباء أو في طريقهم لذلك وتربوا على صداقة الشاشات أكثر من صداقة الإنسان أن يقتنعوا بخطورة الشاشات على حياة ومستقبل أبنائهم. ولعلها المعضلة الأكبر التي تحتاج لحلول الآن!