يُعد الأب العمود الفقري لأي أسرة فهو مصدر الأمان والاطمئنان مصدر المشورة والرعاية، وبغياب الأب تدخل الأسرة في دوامة من المتاعب والمعاناة قد يكون جوهرها ماديا أو معنويا، فهم الآن بلا عائل أو مسئول عنهم، وأدركت هيئة "كوبتك أورفانز" -هيئة مسيحية خدمية غير هادفة للربح- أبعاد هذه المعاناة؛ لتقوم كوبتك بشق طريق خدمي جديد في أواخر ثمانينيات القرن الماضي وذلك بالتعاون مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حيث أطلقت برنامجا تحت عنوان "لست وحدك"؛ ليسعى البرنامج عبر السنوات الماضية في توفير التواجد الوجداني والمعنوي والمادي لتلك الأسر.
ويمثل برنامج "لست وحدك" نواة تأسيس كوبتك أورفانز، ويُنفذ البرنامج في حوالي 60 إيبارشية تابعة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وتوجه جهود البرنامج إلى الأطفال فاقدي العائل بغرض تقديم التواجد الإنساني والوجداني والمادي الذي قد يتأثر في أغلب الأوقات بغياب الأب، لذا يُقدم برنامج لست وحدك إلى المشاركين مجموعة من الأنشطة التكوينية والترفيهية التي تستهدف بناء شخصية متكاملة والشعور بالتمكين الذاتي وبلوغ أعلى الدرجات العلمية الممكنة التي ترضي طموحهم الشخصي بل والخروج من الذات إلى خدمة المجتمع.
بالإضافة إلى ذلك، يُقدم البرنامج الدعم المالي للمساهمة في تغطية كافة نفقات التعليم وأيضاً بعض المنح الدراسية لتشجيع المشاركين بالبرنامج لاستكمال دراساتهم الجامعية، فيقدم منحة قادة المستقبل إلى المتفوقين والمتميزين من طلبة الثانوية العامة، ومنحة الأنبا صموئيل إلى المشاركين ممن تخرجوا من التعليم الفني ويلتحقون بالتعليم الجامعي، تهدف المنح إلى تقديم برنامج تدريبي خاص بالفائزين لتشجيع وصقل مهاراتهم القيادية وخدمة المجتمع.
يُقدم البرنامج أنشطته عن طريق مجموعة من الخدام والخادمات الذين ترشحهم الكنيسة للتطوع في البرنامج، ويقوم المتطوع بدور الموجه والمرشد لمجموعة من المشاركين؛ فمن خلال العلاقة بين المتطوع والمشارك يسير برنامج لست وحدك مع المشاركين رحلة حياة ونمو تتجدد فيها النظرة إلى الذات والآخر والمجتمع، لذا يتلقى المتطوعون العديد من التدريبات التي تؤهلهم لتقديم الدعم والتوجيه الذي يناسب شخصية المشارك المتفردة، قد تمتد رحلة اشتراك الأطفال في البرنامج إلى مدة تتراوح من خمسة أعوام إلى عشرين عاما.
ومنذ انطلاق البرنامج خدم البرنامج أكثر من 45 ألف طفل في كافة أنحاء مصر وأهل البعض للحصول على منح تعليمية متميزة للدراسة في جامعات دولية مختلفة في مصر.
وسعت «البوابة» لتسليط الضوء أكثر حول هذا البرنامج حيث التقت بـ الدكتور يونان إسحاق مدير برنامج لست وحدك بمحافظة المنيا الذي قال عن برنامج لست وحدك: إنه برنامج تنموي يتبع هيئة كوبتك أورفانز ويستهدف البرنامج الأسر فاقدي العائل، ويركز بشكل أساسي على تنمية وتمكين أطفال تلك الأسر، حتى يصلون لمستوى تعليمي جيد بالإضافة لتطوير وتنمية شخصيتهم، ومن خلال هذين الجانبين يصبح هؤلاء الأطفال في المستقبل مؤثرين في مجتمعهم ولديهم القدرة ليكونوا صناع تغيير بشكل إيجابي في وطنهم.
وتابع، «وعندما يعمل البرنامج ويركز على نفسية الأطفال وحياتهم وتعليمهم، ومن ثم يصلون لمستوى تعليمي جيد بجانب نمو شخصيتهم في البيئة المناسبة، فهذه التنشئة تجعلهم في المستقبل مؤثرين في مجتمعهم وهذا هو المطلوب، ونحن نستهدف فئة معينة من الناس نحاول أن نساعدهم في مواجهة كافة تحدياتهم ودفعهم لتحقيق أحلامهم ونتابع حالتهم النفسية بشكل دوري، وكل ذلك يخلق من هؤلاء الأطفال أشخاص أسوياء».
وأكمل، «هيئة كوبتك عمرها الآن حوالي 35 سنة وبها حوالي 950 خادما متطوعا ونحن نصل لتلك العائلات عن طريق الكنيسة القبطية حيث تمدنا بكافة البيانات التي نحتاجها، وبناءً على ذلك نختار الأسر التي تدخل معنا برامجنا الخدمية وهناك شروط معينة على أساسها نختار تلك الأسر ومن ثم نبدأ بزيارتهم ورعايتهم».
واستطرد متحدثاً عن الشروط التي على أساسها يتم الاختيار قائلا: إن أبرز الشروط بالتأكيد أن يكون الطفل يتيماً وأن يكون لديه حلم وطموح تعليمي ونحن بدورنا نسعى لإزالة الحواجز المادية والنفسية والمعنوية التي قد تمنعه من تحقيق حلمه.
وأضاف إسحاق «يوجد بيننا وبين الكنيسة بروتوكول تعاون حيث تساعدنا في هذه الخدمة، وبرنامج لست وحدك موجود في 66 إيبارشية تابعة للكنيسة القبطية على مستوى الجمهورية، ويخدم أكثر من 800 قرية وعزبة، وفي الوقت الحالي معنا 11 ألف أسرة قبطية نشطة في هذا البرنامج حالياً، ولكن على مدار تاريخ الهيئة فقد تخرج عشرات الآلاف من الأطفال بعدما أكملوا تعليمهم بشكل كامل، وتركيز برنامجنا على التعليم يرجع بإيماننا بأن دائرة الفقر لن تنكسر سوى بالتعليم؛ فمن خلال التعليم سيستطيعون أن يعتمدوا عن أنفسهم ويكونوا مؤهلين للدخول في سوق العمل».
وأكمل موضحاً الأنشطة التعليمية للهيئة بقوله: «يوجد في الهيئة العديد من البرامج ليس برنامج لست وحدك فقط فهناك برنامج ابنتي الغالية كمثال فهو يستهدف الفتيات والتصدي لظاهرة التسرب من التعليم والضغوط المجتمعية التي قد يتعرضن لها، بجانب برنامج لست وحدك الذي يستهدف الأطفال بشكل عام فالأطفال الموجودين في برنامجنا يحققون النجاح بنسبة 99% خلال كل عام».
وتابع، «برنامج لست وحدك لا يخضع لعدد معين من السنوات، بل يخضع لفكرة المعايشة فنحن نظل مع الطفل والأسرة معه إلى انتهاء تعليم الأطفال أو تحسن الوضع المادي للأسرة ورغبتها في الخروج من البرنامج؛ فنحن نستمر في مساندة الأطفال للوصول إلى الدرجة العلمية التي يتمنون الوصول لها، وأكثر ما يميز تلك الخدمة هى التركيز على الجانب الوجداني فالهيئة لديها مركز تدريب ضخم يُدار من قبل مديرة حاصلة على دكتوراة في علم النفس، وهذا المركز يجهز الـ 950 متطوعا ويدربهم حتى عندما يلتقون بتلك الأسر نفهم كافة احتياجاتهم النفسية».
واختتم دكتور يونان إسحاق حديثه بالقول: «خلال كل عام لدينا تقيم ومتابعة لهذا البرنامج بجانب وجود خطة استراتيجية خلال كل 5 سنوات تقيم أوضاع الخدمة على مستوى الجمهورية وبناءً على مخرجات هذا التقيم نستيطع تطوير البرنامج، قد نستطيع الوصول لعدد أكبر من الأسر أو لمناطق لم نكن نستيطع الوصول إليها أو تطوير الآليات التي نستخدمها، فنحن مثلا منذ عامين قد قمنا بفتح حساب بنكي لكافة الأسر ليتحصلوا على الأموال بشكل أكثر سلاسة».
متطوعات
وتروي سناء رفعت أحد المتطوعات بالبرنامج قصة خدمتها حيث قالت: تطوعت في برنامج لست وحدك بالأقصر في سبتمبر من عام 2000م، والأنبا بيمن هو من عرفني على تلك الخدمة، وقام نيافته بتوجيه بماذا أفعل، فبدأت بمسح الأقصر منطقة تلو الأخرى حتى انتهيت من المحافظة بالكامل، حيث جمعنا كل الأرامل في الإيبارشية في ذلك الوقت وبدأنا بحوالي 60 أسرة، وفي وقتنا الحالي وصلنا لحوالي 300 أسرة».
وتابعت، «وقمنا بعمل أنشطة متنوعة تستهدف تنمية شخصية الأطفال، وتعليمهم، والتعليم بالنسبة لنا هو كل المفاتيح، ونحن لنا أسلوب مختلف فإذا قمنا مباشرةً منذ البداية بمطالبة الطفل بالمذاكرة وإلزامه طيلة الوقت سينفر من التعليم، نحن نبدأ ببناء علاقة طيبة معه، لنفهم شخصيته ونفهم كيفية التعامل معه ومن ثم نأهله للعملية التعليمية».
بينما تقول إيفا إليا مرقص متطوعة بإيبارشية نقاده وقوص: «بدأت الخدمة 2002م بترشيح من الأنبا بيمن ولدينا حوالي 45 أسرة في البرنامج بإيبارشيتنا، ومنذ بداية خدمتي ويتخرج من البرنامج العديد من الأسر فهناك طلاب أصبحوا أطباء ومهندسين وغيرها من التخصصات، وأنا ممتنة لهذا البرنامج فهو علمنا أولاً قبل أن نعلمهم؛ فقبل أن نصنع ورش عمل فهناك تدريبات نخضع نحن لها الأول لنكون مؤهلين لتدريب أولئك الأطفال».
وتابعت، «وفي أنشطتنا نقوم بزيارة الأسرة بشكل دوري على مدار الشهر وهدف ذلك هو بناء علاقة مع الأم في المقام الأول ومن ثم الأبناء، وخلال تلك الزيارات مرة نقوم بتقدير الاحتياجات ومرة أخرى نحكي ونلعب مع الأطفال وهذا من سبل الدعمين المادي والمعنوي، وعلاقتنا تقوم على المتابعة والتقييم، فحتى بعد تخرج الأسرة من البرنامج نقوم بمتابعة أمورهم».
هيئة كوبتك أورفانز
تأسست على يد المهندسة نيرمين رياض عام 1988 كمبادرة خيرية من بعض المصريين بالخارج لدعم تعليم الأطفال الأيتام بمصر، ولكن بالتدرج في تنفيذ الأنشطة مع الأطفال والتوسع في تنفيذ البرامج، اكتسبت الهيئة العديد من الخبرات التي غيرت طريقتها في العمل. فتعلمت الهيئة أنه لا ينجح الأطفال بمجرد منحهم المال وتركهم وشأنهم، ولكنهم ينمون ويزدهرون عندما يتلقون المرافقة والاهتمام المناسبين والتوجيهات التي تنساب احتياجاتهم الفردية ومنحهم بيئة داعمة تحفز نموهم الشخصي والمجتمعي لمساندتهم في مسيرة الحياة. لذا تغيرت فلسفة العمل من مجرد إرسال المال لتغطية نفقات التعليم إلى تصميم برامج وتدخلات منظمة ومتكاملة تعمل على بناء الطفل ليصبح قادرا على رؤية قدراته الشخصية لمواجهة ضغوط الحياة بل وقادر على تغيير حياته للأفضل وخدمة الآخرين. اليوم، تُعرف كوبتك أورفانز بأنها هيئة مسيحية تنموية دولية قائمة على جهود والتبرعات الشخصية للأقباط بالخارج لخدمة المصريين في البلد الأم مصر.
تعمل كوبتك أورفانز من خلال فريق عمل يتواجد في الولايات المتحدة الأمريكية حيث المقر الرئيسي، وكندا وأستراليا والمملكة المتحدة ومصر، حيث ينفذ الأخير البرامج والمشروعات التنموية في 800 قرية في مصر، كما حصدت الهيئة العديد من الجوائز آخرها الحصول على الصفة الاستشارية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في هيئة الأمم المتحدة (UN-ECOSOC) والذي يمكن الهيئة من الاشتراك في بعض الجلسات المُخصصة بمشاركة نتائج المشروعات المنفذة في مصر.
تُنفذ الهيئة برامج ومشروعات تركز على التعليم كأداة رئيسية في التمكين الشخصي وتغيير المجتمع للأفضل وتعزيز التعايش السلمي. فتعتقد الهيئة أنه عندما يُصحح المرء أفكاره عن نفسه والآخرين يتسامح مع المجتمع ويسعى إلى المشاركة في بنائه وفي هذا الإطار تقدم كوبتك أورفانز إلى مصر.