الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

شـواطئ.. روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟ (5)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يتابع عالم السياسة الشهير ألكسندر جليبوفيتش رار فى كتاب (روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟) والذى نقله إلى العربية (محمد نصر الدين الجبالى) بقوله: أضاف بوتين: "إن انهيار الاتحاد السوفيتى يعتبر المأساة الجيوسياسية الكبرى فى القرن العشرين. ويجب على روسيا ألا تسمح بتكرار ذلك". شهدت السياسة الروسية الخارجية تحولات أثناء حكم بوتين، حيث أولى بوتين اهتمامه بالاقتراب من الاتحاد الأوروبى، واقترح على الأوروبي إقامة شراكة غير مسبوقة مع روسيا.

نجح بوتين خلال الأشهر الأولى من حكمه فى تحقيق نجاحات فى قضايا السلاح، وصادق البرلمان الروسى الدوما على معاهدة تقليص الأسلحة الإستراتيجية المثيرة للجدل ومعاهدة الحظر الشامل للتجارة النووية. وفى السياسة الداخلية أعلن الرئيس الجديد من ضمن أهم أولوياته مكافحة الفساد وهو ما ضمن له تعاطفا من قبل دوائر الأعمال فى الغرب. 

أصبح من الواضح بالنسبة للغرب- خاصة الاتحاد الأوروبى – ضرورة صياغة إستراتيجية جديدة للتعاون مع روسيا خارج إطار المعونات الاقتصادية غير أن الغرب لا يعى كيفية التعامل مع دعوات بوتين بإدماج روسيا فى المؤسسات العالمية فى القرن الحادى والعشرين، حيث لم تعد فى حاجة إلى معونات اقتصادية بل إلى تعاون متوازن مع الغرب. أما بوتين فأخذ يلمح إلى أن روسيا يمكن أن تطرق أبواب الناتو والاتحاد الأوروبى. 

وكانت أولى الزيارات الرسمية للرئيس الروسى الجديد إلى ألمانيا، والتى سبق أن قضى بها خمسة أعوام فى الثمانينات بوصفه من كوادر جهاز المخابرات السوفيتى كى جى بى جعلته ملما بثقافتها حتى إنه بدأ فى تعليم بناته الألمانية فى تلك الفترة. وفى الفترة بين عامى 1990 -1996 تردد بوتين كثيرا على ألمانيا وأمريكا وإسبانيا وإسرائيل. ومنذ حكم بطرس الأول لم تحظ روسيا بزعيم ملم بالحياة فى خارج بلاده قبل وصوله إلى الحكم بهذا القدر. ومع وصوله إلى السلطة تضاعفت آمال الأمان فى سيادة دولة القانون فى روسيا، وقررت الحكومة الألمانية عدم تفويت هذه الفرصة وفتحت صفحة جديدة من التعاون مع روسيا. 

وفى بداية حكم بوتين مرت العلاقة بين روسيا وأوروبا بمنعطف حاد، حيث انتهت فترة التقارب الرومانسى فيما بينهما الذى حدث بعد انتهاء الحرب الباردة. ومرت سنوات من الخلافات بين الطرفين حيال قضايا كوسوفو والشيشان، إلى أن أدرك كلا الطرفين أن هذا الصراع المستمر سيؤدى إلى نشوب حرب باردة جديدة فى أوروبا. كان الأوروبيون يرون أنه لا يمكن التعامل مع روسيا كما لو كانت ألمانيا فى عصر جمهورية فايمار ويجب أن تهدف السياسة الأوروبية ليس إلى ردعها بل إلى إرساء شراكة قائمة على الصبر والتحمل. ولكن وفى المقابل طالب السياسيون الأوروبيون بضمانات قانونية لشركاتهم وإصلاح الاقتصاد مثلما حدث فى دول أوروبا الشرقية وبناء مجتمع مدنى وانفتاح السوق أمام المستثمرين الآجانب من الغرب وسداد الديون فى مواعيدها. إلا أن الروس لم يرغبوا فى أن يجبرهم أحد على الاندماج بالقوة فى النظام العالمى الغربى بل كانوا يفضلوان بناء دولتهم الوطنية بأنفسهم.

بقيت القضية الشائكة الأهم هى توسيع حدود حلف الناتو والاتحاد الأوروبى تجاه الشرق وهو ما يهدد من وجهة نظر موسكو الأمن القومى الروسى ويخترق مناطق نفوذه. وبعد مرور 10 سنوات على انهيار الاتحاد السوفيتى أتيحت لروسيا فرصة الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية والاندماج فى المجتمع الاقتصادى العالمى. ويرجع الفضل فى ذلك بالطبع إلى السياسة الخارجية لبوتين والتى كانت تهدف إلى التوصل إلى تفاهم متبادل مع الغرب دون التلويح بالسلاح. وفى الوقت نفسة كان الغرب يخشى من تنامى دور أجهزة المخابرات فى روسيا. كان قوام الفريق الذى اختاره بوتين من الموظفين السابقين فى أجهزة الأمن وذلك بهدف إعادة النظام والأمن إلى البلاد. 

لم يكن المواطنون فى روسيا يشكون من عدم تمتعهم بديمقراطية كاملة بل أن شعبية بوتين ارتفعت لتصل إلى 72%. وأدت الأزمة فى الشيشان إلى تعقيد العلاقات بين روسيا والغرب. وكان رد فعل الجيش الروسى على العمليات الإرهابية للانفصاليين الشيشان شديد القسوة وكان الغرب ينتظر منذ أمد التوصل إلى حل سياسى للأزمة وهو ما لم يكن يلوح فى الأفق على المدى البعيد.   

كانت هناك آمال معقودة على تحالف الطاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبى الذى يمكن أن يمثل خطوة أولى على طريق تأسيس فضاء اقتصادى مشترك. وقامت روسيا بتحديث الشبكة الوطنية لأنابيب نقل الغاز، واقترحت إجراءات محددة فيما يتعلق بدعم حوار الطاقة مع أوروبا. أما الخطوة التالية على طريق اندماج روسيا فى الفضاء الاقتصادى الأوروبى فتتمثل فى توسيع شبكة الطرق البرية والحديدية. وأعلنت موسكو عن خطط باستثمار 150مليار دولار أمريكى فى قطاع البنية الأساسية. وهدفت سياسة التحديث إلى خلق منظومة اتصالات تربط آسيا مع الاتحاد الأوروبى عبر أراضى روسيا. 

وكان الأمر الأكثر صعوبة تدشين حوار بين روسيا والغرب فيما يتعلق ببناء مؤسسات دفاعية مشتركة، حيث فشل بوتين فى إقناع الأوروبيين أو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بأنه من غير الممكن عزل روسيا عن طريق توسيع الناتو فى اتجاه الشرق. لم يتجاوب الغرب مع الإشارات التى بعث بها بوتين حول رغبته فى الانضمام إلى الناتو. أما ما حدث أثناء لقاء بوش وبوتين فى جنوة عام 2001 وحديثهم عن بداية مرحلة جديدة من نزع السلاح فإنه قد بدا للكثيرين من الخبراء أنها كانت مجرد إشارة تسمح للأمريكيين بإنفاذ خطتهم لنشر المنظومة المضادة للصورايخ وفى نفس الوقت حفظ ماء وجه روسيا. وكتعويض لروسيا عن توسيع الناتو شرقًا تم دعوتها إلى مجلس أطلق عليه "الناتو- روسيا" والذى اعتبر فى نظر الكثيرين مجرد مؤسسة رمزية. ومن الناحية العسكرية توقف الناتو عن الأخذ بعين الجدية تصريحات روسيا وإجراءاتها. وتم فرض قيود على مشاركة موسكو فى فرق حفظ السلام الدولية فى مناطق النزاعات نظراَ لأن روسيا لا تدعم فكرة مشاركة فرق لحفظ السلام على أراضى رابطة الدول المستقلة. 

    وللحديث بقية