رؤية يكتبها: منير أديب
احتقان اللبنانيين من حزب الله بسبب اغتيال النشطاء وتعطيل المسارات السياسية
عدم اعتراف حزب الله بالدولة اللبنانية وامتلاكه السلاح وتصويبه إلى صدور اللبنانيين والسوريين وضعه فى موقف حرج رغم دوره المقاوم
نجح الجيش الإسرائيلى على مدار الشهور الماضية فى تحقيق اختراقات كبيرة لحزب الله اللبناني، ربما لم يحققها على مدار السنوات الماضية ومنذ نشأة الحزب فى العام ١٩٨٢.
عملية الاختراق التى حققها جيش الاحتلال للحزب الذى وعد أمينه العام المقتول قبل أيام بأنّ النصر الإلهى حليفه، فكان الاختراق على مستوى ضرب مخازن الأسلحة والصواريخ، كما كان على مستوى اغتيال القيادات فى الضاحية الجنوبية وفى العاصمة بيروت.
الاختراق لم يقتصر فقط على اغتيال قيادات الحزب فقط، بل وصل لاغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله، وحدث الاغتيال أثناء اجتماع تنظيمى لمجلس الحزب العسكري، بما يُعنى أنّ عمليات الاغتيال تمت لكل قيادات الحزب رفيعة المستوى سواء على مستوى القيادة السياسية أو العسكرية خلال شهور الصراع الأخيرة.
اختراق واحتراق
وقبل تنفيذ عملية الاغتيال الأخيرة للأمين العام أثناء اجتماعه العسكرى قبل أيام، نجح جيش الاحتلال فى اغتيال قيادات الحزب سواء أثناء اجتماعاتهم التنظيمية أو أثناء تحركاتهم فرادى وجماعات وعلى الطرق الطويلة والقصيرة داخل المدن.
وهنا نتخيل وكأن كاميرا مثبتة على الضاحية الجنوبية وعلى لبنان بأكملها تلتقط من خلالها إسرائيل كل الصور التى تحتاجها، وبالتالى تتعامل مع أهدافها بأريحية شديدة.
وما يؤكد هذا المعنى أنها استطاعت وخلال الأسابيع الماضية فى اغتيال قرابة ٩٠ فى المائة من قيادات الحزب، سواء الصفين الأول أو الثاني، ولم يتبق غير الصفين الثالث والرابع فى الحزب، وهنا تُدير معركتها باحترافية شديدة.
والبطل فى عمليات الاختراق، أنه تم هذه المرة بسبب ممارسات الحزب، كما تم اختراق إيران من خلال الحرس الثورى بسبب ممارسته الأخيرة سواء الداخلية أو الخارجية، ولعل السبب واحد ما بين إيران وذراعها الطولى فى عمليات الاختراق.
قائمة الاختراقات الإسرائيلية
حسن نصر الله زعيم حزب الله، فؤاد شكر رئيس المنظومة الاستراتيجية، إبراهيم عقيل قائد قوة الرضوان، إبراهيم محمد قبيسى قائد منظومة الصواريخ، أبو على رضا قائد وحدة بدر، محمد نعمة ناصر قائد وحدة عزيز، سامى طالب عبد الله قائد وحدة نصر، محمد حسين سرور قائد الوحدة الجوية، أبو حسن سمير قائد وحدة التدريب لقوة الرضوان، جواد الطويل قائد قوة الرضوان، وآخرون كثر على مستوى الأهمية.
شكل وطبيعة الاختراق
الاستهداف كان يتم بذكاء صناعى وعسكرى بمنتهى الدقة، فعلى سبيل المثال كان يتم استهداف شقة سكنية وربما غرفة داخل وحدة سكنية وسط بناية سكنية كبيرة، وغالبًا ما نجحت عمليات الاستهداف هذه، بما يؤكد عمليات الاختراق المشار إليها.
نجحت القوات الإسرائيلية فى استهداف إبراهيم عقيل، قائد قوة الرضوان، أثناء اجتماع عسكرى فى أحد الأنفاق السرية مع قيادات النخبة من قوته، بما يؤكد أنّ الاختراق هنا داخلي، أى من داخل الحزب.
وهنا الاستهداف تم لشخصية رفيعة المستوى، على نفس مستوى رئيس الأركان فى أى جيش، وأثناء اجتماعه بفريقه العسكرى وداخل أحد الأنفاق "السرية"!
فالحزب فشل فى تأمين قياداته ومخازن أسلحته، بل فشل فى حماية نفسه من الداخل، وباتت مجموعاته متفرقة تتحرك بحساب شديد، فغير معروف لدى الحزب شكل وطبيعة الاختراق ولا الكاميرا الإسرائيلية المثبتة على الضاحية الجنوبية، والتى ترصد كل كبيرة وصغيرة.
اعتقد الحزب خطأ أن الاستهداف دائمًا يكون للقيادات أثناء تحركاتهم، وأنّ العملاء غالبًا ما يكونون من خارج الحزب، هذا قد يكون صحيحًا ولكن ليس على إطلاقه، فطبيعة العمليات الأخيرة التى نفذها الجيش الإسرائيلي، واستهداف أمين عام الحزب تُرجح أنّ الاختراق تم من داخل الحزب نفسه.
الاختراق لم يحدث للحزب فقط سواء فى استهداف صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى الضاحية الجنوبية أو قيادات رفيعة فى الحزب سواء على المستويين السياسى أو العسكري، ولكن تم الاستهداف لرئيس المكتب السياسى لحركة حماس، إسماعيل هنيّة، أثناء وجوده فى مبنى يُشرف على تأمينه الحرس الثوري، وبعد حضور حفل تنصيب الرئيس الإيرانى مسعود بازشكيان.
دلالة اغتيال هنيّة واختراق إيران
وهنا تبقى دلالة عملية اغتيال هنيّة،أنّ إسرائيل تستطيع أنّ تصل للرئيس الإيرانى نفسه، كما أنها تستطيع أنّ تصل للشخصية التى تُريدها فى الوقت الذى تُريده، ولعل اغتيال هنيّة زاد الشكوك وراء عملية مقتل إبراهيم رئيسي.
استهداف هنيّة تم لغرفته فقط، ولم يتأثر المبنى الذى كان يبيت ليلته فيه، بل ولم تتأثر الأدوار السفلية أو العلوية من المبنى ذاته، فضًلا عن عدم تأثر المنطقة المستهدفة، وهنا تم اغتيال رئيس المكتب السياسى وهو فى مخدعه أثناء حماية الحرس الثورى والرئاسى الإيرانى له وبعد أنّ ترك الرئيس الإيرانى بدقائق.
لعل الرسالة لم تصل إيران وأذرعه أو لعلها وصلت ولكنها لم تُدركها بصورة أوضح، وهى أنّ الحزب بات مخترقًا من داخله وخارجه، كما لم يحدث من قبل، كما أنّ إيران نفسها المشغل للحزب باتت هى الأخرى مخترقة من داخلها بصورة باتت أكبر مما كانت عليه من قبل.
ولعل هذا كان واضحًا من اغتيال قيادات إيرانية رفيعة المستوى، سواء تم ذلك داخل إيران أو خارجها، منها قاسم سليماني، قائد الحرس الثورى الإيراني، أو محسن فخرى زادة، العالم النووي، والقائمة تطول.
سرقة الأرشيف النووى الإيراني
ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلى قبل فترة وبجواره الأرشيف النووى الإيراني، حصل الموساد الإسرائيلى على نسخة من الأرشيف، دون أنّ نفهم كيف وصلت إسرائيل لهذا الأرشيف، وبعدها بفترة ليست بالطويلة مات الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسى فى طائرته الخاصة، والتحقيقات انتهت إلى أنّ عطلًا فى المحرك أودى بحياته وحياة وزير خارجيته وآخرين!
رسالتان قويتان ومن قبلهما رسائل أخرى تتعلق باغتيال قاسم سليمانى وقادة فى الداخل الإيرانى واغتيال شخصيات إرهابية، سبق ونفت إيران وجودهم على أراضيها، ورغم ذلك كانت إيران تُسوق للقدرات الاستخباراتية الهائلة، بينما حدث اختراق لكل أجهزة الدولة السياسية والأمنية، بل واختراق لمؤسسة الرئاسة نفسه أو ما يقع فى حمايتها.
نُحاول من خلال هذه القراءة أنّ نفكك حجم الاختراقات الكبيرة لحزب الله من قبل إسرائيل، كما نًحاول تفسيرها، خاصة أنّ إسرائيل التى نجحت فى اختراق حزب الله، نجحت أيضًا فى اختراق إيران الدولة، والتى خرج الحزب من رحمها، بينما فى الوقت ذاته فشلت فى اختراق حركة حماس، أو أنّ تصل إلى قائد الحركة، يحيى السنوار، أو مسئوله العسكري، محمد الضيف، كمثال.
حزب الله وحماس.. ميليشيا أم مقاومة
نحن لا ننفى وجود أى اختراقات فى الداخل الفلسطيني، إسرائيل لها عملاء داخل فلسطين، وهذا يبدو أمرًا منطقيًا، المنطق ليس فى عمالة البعض ولكن فى نجاح الخصم فى تجنيد البعض للعمل معه، خاصة فى ظل ظروف اقتصادية يعيشها الفلسطينيون.
وقد نجحت حركة حماس فى تطهير غزة من هؤلاء العملاء أو فى الوصول إليهم من خلال جهاز الاستخبارات التى أنشأته فى وقت من الأوقات وكان يُشرف عليه يحيى السنوار قبل أنّ تتم محاكمته ويُودع السجون الإسرائيلية.
ورغم أنّ البيئة فى فلسطين مهيئة لعمالة البعض تحت ضغط الحاجة الاقتصادية والعمل داخل إسرائيل وقوة جهاز الموساد، إلا أننا اكتشفنا أنّ حجم العملاء فى فلسطين أقل بكثير من وجوده فى إيران وحزب الله، وهنا لابد أنّ نُشير إلى قوة حماس مقارنة بحزب الله ليس كما اعتقد البعض، سواء على المستوى العسكرى أو الاستخباراتي.
على كل الأحوال، حجم الاختراقات التى حدثت فى صفوف حماس أو من قبل أشخاص من خارج الحركة أو قريبة منها، ضعيف للغاية مقارنة بحجم الاختراقات التى حدثت لحزب الله أو للجمهورية الإسلامية الإيرانية، رغم أنّ الأولى تعيش فى مساحة صغيرة من الكيلو مترات، وربما تُعانى ضغوطًا كبيرة ربما لم تمكنه من تسيير كل أموره العسكرية على ما يُرام.
ورغم ذلك قضى على فكرة التجنيد أو العمالة أو حددها بصورة كبيرة، بينما زادت الظاهرة داخل صفوف "الحزب" والحرس الثورى الإيراني.
ولعل عدة أسباب ربما تدفعنا إلى فهم منطق الاختراق لحزب الله، فهم هذا الاختراق وإنّ كنّا لا نتفهمه بطبيعة الحال، فهذا ضعف عسكرى لحركة رفعت شعار الممانعة ومواجهة إسرائيل قبل أربعين عامًا.
ومع المواجهة الأخيرة ثبت أنّ الحزب مخترق من الداخل، لدرجة سمحت لإسرائيل بتفجير أجهزة الاتصالات الداخلية الخاصة بالحزب، حتى أنه بات مفهومًا أنّ الحزب مخترق على مستويات كبيرة، فنفس أجهزة الاتصالات التى تم تفجيرها، قد تكون نفسها تم استخدامها على أنها أجهزة تجسس، وهذا ليس ببعيد عن عالم الاختراق عمومًا.
مع العلم أنّ حزب الله بأنصاره دخلوا فى صدام مع الحكومة اللبنانية وأجهزة الأمن على مدار أربعة أيام بسبب تحفظ الحكومة على وجود شبكة اتصالات خاصة بحزب الله، حتى فرض الحزب إرادته على الحكومة والدولة، ثم خرج كالعادة يتبرأ من أى السلوكيات التى قام بها أنصاره!
ينظر الفلسطينيون إلى حركة حماس على أنها حركة مقاومة وممانعة، ولعلك تجد صمود الفلسطينيين فى غزة على مدار قرابة اثنا عشر شهرًا له مغزى، أنّ كل الفلسطينيين على قلب رجل واحد فى مواجهة إسرائيل، هؤلاء الفلسطينيون متوحدون مع المقاومة الفلسطينية ممثلة فى حماس، كما أننا وجدنا السلطة الفلسطينية متوحدة هى الأخرى مع الشعب الفلسطينى فى غزة ومع حركة حماس.
صحيح فى خلاف مع حماس، ولكنه مؤجل لحين انتهاء الحرب، هذا الخلاف لم يمنع السلطة فى أنّ تُرسل وفدًا فى تعزية إسماعيل هنيّة، كونه رئيس المكتب السياسى وأول رئيس وزراء فلسطينى منتخب.
وهذا يوضح الفرق ما بين حماس وحزب الله ورؤية الفلسطينيين واللبنانيين لكل مجموعة مسلحة بغض النظر عن الشعارات التى ترفعها.
وهنا نُعيد القول، بأنّ الفلسطينيين ينظرون لحركة حماس على أنها حركة مقاومة فلسطينية، صحيح هناك اختلافات وتباينات كما أشرنا، فهناك من يختلف مع نهج الحركة وسلوكها أو إدارة حكمها، ولكنه يتفق فى نفس الوقت معها ويؤيدها خاصة فى معركتها الأخيرة مع إسرائيل.
حماس تتصدر مواجهة ومجابهة إسرائيل فى الحرب الأخيرة، وهنا تبقى نظرة الفلسطينيين للحركة على أنها مقاومة، الأمر يبدو مختلفًا بالنسبة لحزب الله، فينظر إليه الكثير من اللبنانيين على أنه ميليشيا، صحيح يواجه الحزب إسرائيل ولكنه فى نفس الوقت قتل اللبنانيين والسوريين وليس لديه مشكلة فى أنّ يقتل ما ترى الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضرورة لقتله.
إيران لديها مشروع وهى فى نفس الوقت تواجه المشروع الصهيوني، ولا خلاف على ذلك، ولكن إذا تعارض مشروعها العسكرى فى امتلاك قنبلة نووية مع مواجهة المشروع الصهيوني، حتمًا سوف تقدم الأول، وهذا ما فعلته أو ما كشفت عنه الأحداث الأخيرة.
رد إيران على الاختراق
وهنا نستطيع أنّ نقول بملء فينا إنّ إيران لن ترد على مقتل هنية ولا رئيسى ولا سليمانى ولا كل القيادات التى قتلت على أراضيها ولا على استهداف قنصليتها فى سوريا، لأن لديه مشروعا يخصها هى دون غيرها تُريد أنّ تحافظ عليه، كما يُؤكد ذلك أنّ ما ترفعه مجرد شعارات لا علاقة لها بالواقع.
وهنا تبقى الأزمة الحقيقية والإشكال الذى وقع فيه حزب الله، أولًا فى انتقال قواته إلى سوريا فبات مخترقًا من خلال هذه القيادات، والأهم أنه حارب عربًا وسوريين وقتلهم، وهنا باتت المفارقة، بين ما يرفعه من شعارات خاصة بمواجهة إسرائيل وبين سلوكه المعادى للعرب الأشقاء فى سوريا، ونقصد الشعب السوري.
وهنا تعامل الحزب وكأنه الدولة اللبنانية أو حل محلها، فانتقل بجزء من قواته إلى داخل سوريا، وتحول من كونه حركة مقاومة ترفع شعارات المواجهة إلى مجرد قوى سياسية تتعلق بأهداب وأهداف إيران فى المنطقة.
فضحايا الحزب بالآلاف، فقد قتل لبنانيين، كما أنه تورط فى اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق، رفيق الحريري، أو أنه شارك بصورة أو بأخرى فى هذا الاغتيال، وقد ثبتت إدانة المحكمة لبعض قياداته.
وهنا لا يقبل بعض اللبنانيين حزب الله، وقد تحمل أداة التبعيض دلالة الكليّة فى الوصل المفهوم ما بين الأداتين "بعض" و"كل"؛ فكيف يُدير حزب الله معركته مع إسرائيل وقد خاصم العرب واللبنانيين ورفع السلاح عليهم أو هددهم أو أعلن مرارًا وتكرارًا أنه أداة فى يد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
نحن هنا نفرق بين تأييدنا لكل من يواجه إسرائيل وربما نُشاركه الدعم والمساندة وبين محاولة فهم الواقع وتفكيك الحدث الأكبر، وهو اغتيال السيد حسن نصر الله وقياداته السياسية والعسكرية.
كاتب هذه السطور ضد المشروع الإسرائيلى والصهيوني، كما أنه ضد مشاريع التجزئة للوطن العربي، وحزب الله ضمن أهم مشاريع التجزئة، فهو الثلث المعطل لاختيار رئيس الجمهورية اللبنانى ورئيس وزرائه، كما أنه أحد أسباب الأزمة الاقتصادية والانهيار الداخلى الذى تعيشه لبنان.
نؤيد وندعم حزب الله فى مشروعه المقاوم ضد إسرائيل دفاعًا عن الأراضى اللبنانية المحتلة أو دفاعه عن الأراضى العربية المحتلة فى فلسطين، ولكننا فى نفس الوقت نضع علامة استفهام واعتراض على سلوكه العدائى ضد العرب من خلال تبعيته لإيران.
ونكرر هذا ليس معناه أننا ندعو للقضاء على الحزب من خلال إسرائيل، فهو أحد المكونات اللبنانية، وله دور فى إسناد غزة ومواجهة إسرائيل، ولكننا نتمنى عليه أنّ يُصبح حزبًا لبنانيًا لا تابعًا للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهنا تبدو الفرصة سانحة أمام الحزب فى تسليم سلاحه للجيش اللبناني، حتى يُصبح حزب الله اللبنانى وليس مجرد حزب الله "الإيراني" فى لبنان.
أبجديات الأمن القومى لأى بلد أنّ تكون الدولة وفقط هى المحتكر للسلاح دون غيرها، كما أنّ قوانين كل الدول تمنع إنشاء أو السماح لأى ميليشيات مسلحة، ولذلك وضع حزب الله وضعًا شاذًا، خاصة أنه يمتلك أسلحة أكبر وأكثر تدميرًا مما يمتلكها الجيش اللبناني.
وهنا تبدو نكبة بعض العرب فى بعض الدول الذين لا يفهمون ولا يعرفون معنى الدولة، فتكوين أى ميليشيات مسلحة يتنافى مع مفهوم الدولة، وحتى ولو رفعت هذه القوى شعارات تحررية، فتبقى ميليشيات ويبقى وجودها خصما من وجود الدولة.
قتل عدد كبير من اللبنانيين على يد الحزب وبقرار من قياداته، لا لشيء إلا لكونهم ينتقدون سلوك الحزب وتوجهه، كما أنه عطل الحياة السياسية وأضر بالاقتصاد، فهو لا يؤمن بمفهوم الدولة كما أسلفنا، وإلا لو كان لبات جزءًا منها وليس دولة داخل الدولة.
الفرصة الذهبية لحزب الله
وهنا تبقى الكرة فى ملعب الحزب بعد أزماته الأخيرة سواء على المستوى العسكري، وهنا لابد للحزب من إعادة صياغة لوائحه الداخلية وتنظيماته وأهدافه واستراتيجياته بحيث يُصبح حزبًا داخل دولة وليس دولة داخل دولة، وهنا سوف يُرحب به اللبنانيون مكونُا سياسيًا يضيف للدولة وللحياة السياسية.
ولكن لابد أن نعود لفكرة الاختراق وأسبابها على مستوى حزب الله اللبناني، صحيح إسرائيل وجودها غير شرعى فى المنطقة، فكذلك وجود أى ميليشيا فى أى دولة وجود غير شرعي، وهنا نعيد ونكرر ليس لدينا خصومة مع حزب الله ولا على مشروعه المقاوم، ولكن لدينا مشكلة مع مشروعه الطائفى القائم على التجزئة والخصم من رصيد الدولة.
المقاومة والاعتداء على سيادة الدولة
باتت الفرصة سانحة أمام ميليشيا "حزب الله" رغم الضربات الموجعة التى وجهت له، بأنّ يُصبح حزبًا لبنانيًا خالصًا وأنّ يُعلن ذلك صراحة وأنّ يتعاون مع إيران وفق ما تحققه إيران من مصالح وطنه وأمته وليس وفق مصالح إيران فى المنطقة ولا بحق وصايتها على الحزب.
وعلى الحزب أنّ يُحدد مصادر تمويله وإنفاقه وأنّ يقطع أى صلة لإيران فى هذا المضمار حتى يخلع عباءتها تمامًا، أعتقد وقتها سوف يُصبح أقوى، كما يصبح لبنان عفيًا وسوف ينهض من كبوته السياسية والعسكرية والاقتصادية.
نحن مع أى مشروع مقاوم حتى ولو كان مشروعًا فكريًا، ولكننا فى نفس الوقت لا نرى أهمية لأى مشروع يرى المقاومة والدفاع سبيلًا للتحرر، بينما هذا المشروع يغتصب الأرض والقرار والدولة، وهنا تظل المقاومة مرهونة بتغيير سلوكه والتنازل على اعتدائه على الدولة التى يدعى أنه يُحافظ على أراضيها وهو أول من نهش جسدها.
اللبنانيون ينظرون إلى حزب الله على أنه ميليشيا مسلحة عطلت المسار السياسى 20 عامًا الفلسطينيون ينظرون إلى «حماس» على أنها حركة مقاومة رغم انقلابها على السلطة قبل 20 عامًا