الثلاثاء 04 مارس 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بروفايل

«أمير» الصمود.. غذاء الدم في غزة

الطفل الفلسطيني أمير
الطفل الفلسطيني أمير عبد الهادي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بين الركام، ملامحه البريئة الصامتة تحمل صدمة تفوق الاحتمال، تختزل ألف صرخة إلا أنه ما زال واقفًا، كفّه الصغير يتشبث بحطام درج محطم كان يصل للسماء، يبدو وكأنه مشدودًا بآخر ما تبقى من عالمه القديم، تلك الحياة التي كان فيها البيت مأوىً، والضحكة غذاءً، والعائلة حضنًا.

أمير عبد الهادي (6 سنوات)، طفل فلسطيني من غزة سرقت الحرب طفولته، وأجبرته على الاحتماء خلف جدران من الألم، كلما تنفس هواء الحياة، شعر وكأن قلبه يطحنه الواقع الذي يعيشه، المعاناة التي تحيط به ليست فقط في فقدان أمه وشقيقه، بل في تلك النظرات التي يراها كل يوم، والتي تترجم إلى مشهد واحد: طفل يحمل عبء الكبار، في مدينة تكاد أنفاسها تنقطع تحت وطأة الحرب.

في منزل منهار بأحد أحياء غزة، ظل «أمير» يتأمل المشهد حوله بهدوء، وفي قلبه تنبض آمال ربما تظل حية، رغم أنه لا يعرف كيف أو متى سيعيشها.

أي ذنب حمله طفل في السادسة من عمره ليتحول إلى ضحية حرب لا تعرف معنى للرحمة؟ أي جرم ارتكبه ليشاهد عائلته تتناثر أشلاءً تحت قصف طائرات تدمر كل شيء حتى آخر معالم البراءة في حياته؟ 

وفي قلب هذا الخراب، لا يزال قلب «أمير» ينبض بالأمل، رغم كل ما فقده، ورغم كل ما عاصره من آلام، ليظل حلمه بالسلام والعودة إلى الطفولة يعانق السماء.

طفولة حُرم منها كل شيء
في جنوب غزة، كان «أمير» يملأ عالمه الصغير بالصخب والضحك مع شقيقه وأمه، كانت أيامه في الروضة مليئة بالبراءة، ينتظر كل يوم بفارغ الصبر العودة إلى المنزل ليقفز في أحضان أمه، وتبدأ بعدها لحظات اللعب التي لا تنتهي، كان يجد نفسه في عالمه الصغير، حيث لا هموم ولا مخاوف، فقط ألعاب الطفولة البسيطة وأحلام المستقبل التي تزين عينيه.

ولكن، بعد أكتوبر 2023، انقلبت حياته رأسًا على عقب، وتحولت أرضه إلى جحيم، حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية بيوت مدينته في مجزرة فاخورة التي سلبت منه أعز ما يملك، استشهدت أمه وشقيقه في لحظات مفجعة، وانهار عالمه على رأسه. 

أصبح «أمير» طفلًا بلا قلب يحتويه، بلا أمل يضيء له دربه، حتى والده، الذي كان قد أصيب في نفس الغارة، لم يكن موجودًا ليواسيه، فحرم من رؤية والده لعدة أشهر بسبب إصابته البالغة.

جراح لا تُشفى وأمل لا ينتهي
ما يعانيه «أمير» اليوم هو أكثر من مجرد فقدان أحبائه؛ إنه فقدان لبراءته، لحقه في العيش بسلام، ولطفولته التي سلبت منه، يصعب عليه حتى أن يتخيل كيف كانت أيامه السابقة خالية من هذه الآلام.

يقول «أمير» بنبرة مكسورة: «كنت أعيش حياة عادية مثل أي طفل آخر، كنت ألعب مع شقيقي وأمضي أوقاتي في المدرسة، لكن فجأة، أصبحت الحياة مليئة بالقصف والشظايا، ووجدت نفسي وسط الدماء والجثث».

«أمير» اليوم يتذكر أوقات اللعب والضحك مع أمه وشقيقه، تلك اللحظات التي كانت تملأ قلبه بالسلام الداخلي «كنت أركض لأحضان أمي كل يوم بعد المدرسة، وكان شقيقي معي دائمًا، نلعب معًا ونتحدث عن أشياء لا تنتهي، أما الآن، فلا شيء يبقى لي سوى الذكريات الحزينة».

رغم كل المآسي، لا يزال «أمير» يحمل بين جوانحه أملًا مشرقًا، يطمح لمستقبل أفضل، ويحلم بأن يأتي يوم ينتهي فيه هذا العذاب «أريد أن أعيش مثل باقي الأطفال في العالم، أريد أن أذهب إلى المدرسة دون خوف، أن ألعب دون أن أسمع أصوات القذائف، وأن أستعيد ما فقدته، أريد فقط أن أعود إلى الحياة كما كانت، أن أعيش بسلام، وأن أرى والدي يبتسم لي من جديد».

حلم العودة إلى الطفولة
على الرغم من كل ما مر به، يظل «أمير» مصممًا على بناء مستقبله، ويعتقد أن العلم هو سلاحه في وجه كل ما تعرض له من ظلم، وفي قلبه يقبع حلم صغير ولكنه عظيم، حلم بالسلام والعودة إلى طفولته المسلوبة «أريد أن أتعلم وأصبح شيئًا كبيرًا في المستقبل، أريد أن أعيش في أمان، وأن أرى كل الأطفال في غزة يعيشون مثل باقي الأطفال في العالم».

«أمير» هو رمز للطفولة المدمرة، لكنه أيضًا رمز للأمل الذي لا يموت، حتى في أحلك الظروف، ومهما كانت المآسي التي مر بها، يبقى في قلبه حلم لا ينتهي: أن يعود السلام إلى غزة، وأن يستعيد حقه في الحياة والطفولة.