في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه القطاع الزراعي في مصر، خاصة في المناطق الصحراوية، نجح "مركز بحوث الصحراء" في تحقيق إنجاز في تحسين التربة الصحراوية باستخدام تكنولوجيا حقن التربة الرملية بالطين.
هذا المشروع يأتي في إطار الجهود المستمرة لتعزيز التنمية الزراعية في مصر، وخاصة في محافظة الوادي الجديد، التي تُعد واحدة من أكبر المحافظات المصرية وأكثرها اهتمامًا بالتوسع الزراعي.
الوادي الجديد.. أرض التحديات الزراعية:
تعتبر محافظة الوادي الجديد من المحافظات التي تتسم ببيئة صحراوية قاسية وموارد محدودة من حيث المياه والتربة الخصبة، هذه الصعوبات كانت تحديًا أمام المزارعين والمستثمرين الزراعيين، إلا أن مشروع حقن التربة الرملية بالطين جاء ليغير المعادلة تمامًا.
أوضح الدكتور علي عبد العزيز، رئيس مشروع حقن التربة الرملية بالطين، أن أراضي الوادي الجديد، وخاصة مناطق الفرافرة الجديدة والخارجة، تتسم بارتفاع نسبة الرمل فيها، حيث تصل نسبة الرمل إلى أكثر من 82%. هذه الأراضي ضعيفة البنية وتفقد كميات كبيرة من مياه الري والأسمدة بسبب تسرب المياه إلى أعماق كبيرة بعيدًا عن جذور النباتات.
كيف يعمل المشروع:
أوضح رئيس المشروع الدكتور عبد العزيز، أن المشروع يعتمد فيه حقن التربة الرملية بالطين على إدخال حبيبات الطين المشحونة بالعناصر الكبرى والصغرى إلى عمق التربة الرملية، هذه التقنية تعمل على تحسين خواص التربة من خلال زيادة قدرتها على الاحتفاظ بالماء والمواد الغذائية، ما يؤدي إلى تحسين إنتاجية الأراضي الزراعية بشكل كبير.
وذكر الدكتور عبد العزيز أن المشروع يعتمد على تحليل الخصائص الطبيعية والكيميائية للتربة لتحديد إمكانية تطبيق التقنية من عدمه، حيث أن التربة الرملية الخفيفة التي تعاني من ضعف البنية هي المستهدفة.
الفوائد الاقتصادية والبيئية، لم يكن تحسين التربة الهدف الوحيد للمشروع، بل هناك فوائد اقتصادية وبيئية كبيرة. أولاً، يوفر المشروع ما بين 35% إلى 50% من الأسمدة الكيميائية، والتي تمثل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على المزارعين، كما أن هذه الأسمدة تُعد من المواد الملوثة للبيئة.
ثانيًا، في ظل أزمة الفقر المائي التي تمر بها مصر، يساهم المشروع في توفير حوالي 50% إلى 60% من مياه الري المستخدمة، مما يتيح للمزارعين في الوادي الجديد التوسع في مساحات الأراضي المزروعة، وهو ما ينعكس إيجابًا على زيادة الإنتاج وتحقيق الأمن الغذائي.
ثالثًا، يوفر المشروع أكثر من 75% من الأسمدة العضوية التي تكلف المزارعين مبالغ كبيرة، وتعتبر هذه التوفيرات المالية والبيئية حلاً مستدامًا لتطوير الزراعة في المناطق الصحراوية.
تجربة ناجحة في مرسى مطروح
تجربة حقن التربة بالطين ليست جديدة بالكامل، فقد جرى تنفيذها بنجاح في محافظة مرسى مطروح، بمركز التنمية المستدامة لموارد مطروح، حيث تم إنشاء خط إنتاج بطاقة إنتاجية تصل إلى 1000 طن يوميًا لتكسير وطحن الطين وشحنه بالعناصر الغذائية قبل حقنه في الأراضي الرملية.
وأشار الدكتور علي عبد العزيز إلى أن تكلفة حقن فدان من المحاصيل الحقلية والخضروات تتراوح بين 20 إلى 30 ألف جنيه، بينما تكلفة حقن فدان الأشجار تصل إلى 21 ألف جنيه، وذلك بناءً على عدد الأشجار ومساحة الأرض المزروعة.
مستقبل المشروع في الوادي الجديد
يُعد المشروع خطوة مهمة نحو تعزيز التنمية الزراعية في الوادي الجديد، حيث من المتوقع أن يساهم في زيادة الإنتاجية الزراعية وتحسين جودة المنتجات الزراعية، مما يفتح الباب أمام المزيد من الاستثمارات الزراعية في المحافظة.
وأوضح الدكتور عبد العزيز أن إنشاء خط إنتاج مشابه لمرسى مطروح في الوادي الجديد سيكون له تأثير كبير على تحسين التربة الصحراوية، ما سيتيح فرصًا جديدة للمزارعين والمستثمرين على حد سواء.
براءات اختراع تعزز الاستدامة
أكد الدكتور عبد العزيز، أن من بين النجاحات التي حققها المشروع، حصوله على ثلاث براءات اختراع مسجلة من مكتب براءات الاختراع المصري التابع لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، هذه البراءات تغطي تقنيات صديقة للبيئة تعتمد على خامات طبيعية مثل السلت والطين، التي تساهم في تحسين الأراضي الرملية المتدهورة والمملحة، وكذلك في تثبيت الكثبان الرملية.
البراءة الأولى (رقم 31153) تتعلق بتركيبة غروية عضوية معدنية تُحقن لمعالجة التربة الرملية، فيما تتعلق البراءة الثانية (رقم 31154) بتركيبة تعالج الأراضي الجيرية المتدهورة، والبراءة الثالثة (رقم 31210) تتعلق بتقنية تثبيت الكثبان الرملية باستخدام حبيبات الطين والسلت المعاد تدويرها.
التكنولوجيا الخضراء ومستقبل الزراعة
أكدت الدكتورة دينا أحمد نائب رئيس مشروع حقن التربة الرملية والمسئول الإعلامي للمشروع، أنه تُعد هذه التكنولوجيا جزءًا من الجهود المبذولة لتحقيق التنمية المستدامة في مصر، حيث تساهم في تقليل الاعتماد على الأسمدة الكيميائية المستوردة، كما تساعد في تقليل استهلاك المياه، مما يدعم الأهداف الوطنية لمواجهة التحديات البيئية، وحقق المشروع فوزًا في فئة المشروعات المتوسطة في الدورة الثالثة للمبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية لعام 2024، حيث جرى تكريمه في مؤتمر يضم محافظات الإسكندرية والبحيرة ومطروح.
التنمية الزراعية في الوادي الجديد
أضافت الدكتورة دينا، أنه تعتبر محافظة الوادي الجديد من المناطق التي تحمل إمكانيات زراعية واعدة، خاصة في ظل المشروعات القومية التي تهدف إلى تحويل مساحات كبيرة من الأراضي الصحراوية إلى أراضٍ زراعية منتجة، بفضل مشروع حقن التربة الرملية بالطين، يبدو أن المحافظة على أعتاب نهضة زراعية جديدة، حيث يساهم المشروع في استصلاح المزيد من الأراضي، وتحقيق نقلة نوعية في الإنتاج الزراعي، الأمر الذي يعزز من فرص التصدير ويوفر المزيد من فرص العمل للمزارعين والشباب.
جذب الاستثمارات.. خطوة نحو الأمام
ومن جانبه أشار الدكتور عبد العزيز إلى أن التوسع في تطبيق هذه التقنية من فئة المشروعات المتوسطة إلى المشروعات الكبرى يمكن أن يجعلها واحدة من أهم المشاريع القومية في مجال استصلاح الأراضي الصحراوية.
لفتت دكتورة دينا ، إلى أنه تُعد هذه التقنية فرصة حقيقية لجذب المستثمرين إلى محافظة الوادي الجديد. إن تطوير هذه التكنولوجيا وتحويلها إلى مشروع قومي يمكن أن يساهم في تحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة لمصر، حيث يمكن تصدير هذه التقنية إلى الدول التي تعاني من مشاكل في التربة والمياه.
وأكدت دكتورة دينا، أن مشروع حقن التربة الرملية بالطين يمثل نموذجًا رائدًا لحل مشاكل التربة في الوادي الجديد، إن هذه التجربة الناجحة ليست فقط حلاً مستدامًا للتحديات البيئية والزراعية، بل تفتح الباب أمام مزيد من الفرص الاقتصادية والزراعية لمستقبل مشرق في مصر.