بمناسبة الاحتفاء بذكرى القديس فرنسيس الأسيزي، قال الأب إسطفانوس دانيال كاهن الكنيسة الكاثوليكية بسوهاج يعد القدّيس فرنسيس الأسيزي جوهرة من جواهر الكنيسة، يحتفظ بقيمته مدى العصور والأجيال، إن فرنسيس واحدٌ من ألمع شهود يسوع في تاريخ الكنيسة، ومرآة صادقة للمسيح، وما أشدّ حاجتنا إلى مَن يشهدون للإنجيل والمحبّة والإخاء والفرح:
فمنذ أن أُعلن خبر مجيء رفات القديس فرنسيس الأسيزي للديار المصرية وقلوبنا ابتهجت بهذا الخبر فهو أتاها في المجيء الأوّل[1219م] وهو يسير على القدمين، وأما المجيء الثاني[2024م] وهو يُحمل على الأكتاف ويسير به تلاميذه ما أحوجنا اليوم كما فعل غُزَاةُ مُوآبَ «وَفِيمَا كَانُوا يَدْفِنُونَ رَجُلًا إِذَا بِهِمْ قَدْ رَأَوُا الْغُزَاةَ، فَطَرَحُوا الرَّجُلَ فِي قَبْرِ أَلِيشَعَ. فَلَمَّا نَزَلَ الرَّجُلُ وَمَسَّ عِظَامَ أَلِيشَعَ عَاشَ وَقَامَ عَلَى رِجْلَيْهِ» (2ملو13: 21).
فعارض فرنسيس أباه، ورمى له ثيابه بوجهه، شباب اليوم يريدون أن يتخلوا عن القديم، ولكن هل ينجحون؟ وهل يصنعون من المسيح شيئًا جديدًا؟ كثيرون منهم يدعون إلى القطيعة الكاملة مع الماضي، ويرفضون المجتمع والأسرة والأخلاق والدين. ويريدون هدم كلّ شيء. ولكن ماذا بعد ذلك؟ الجامعات والكليات والمعاهد مفتوحة على مصاريعها للشباب وهي تحوي منهم عشرات الألوف. لكنهم لا يجدون في الجامعة ما يملأ نفوسهم.
حيث تخطى فرنسيس، في عيشه الإنجيل، كل حدود المعقول والمألوف، حتى وُصف بالجنون، ولكن، أو لم يكن الصليب نفسُه هو جنون حب الله للإنسان؟
فاختار فرنسيس الفقر الطوعي، ووجد فيه التحرّر والانطلاق والفرح، ولم يلتمس ضمانًا وتأمينًا إلّا عطف الأب السماوي الذي يوفّر لطيور السماء قوتها، ويُلبس زنابق الحقل أروع لباس، واختار أيضًا أن يكون الأصغر لكي يكون للجميع خادمًاـ وعملًا بوصايا معلّمه يسوع؛ وانبرى في آن معًا، للذود عن كل مظلوم ومسحوق ومنبوذ، لكيلا يُفرض على أحد فقر ينطوي على حرمان من حقّ، وانتهاكٍ لحُرمةٍ وكرامةٍ، ولكي يسود الإخاء والعدل جميع أبناء الله الواحد.
فرنسيس، هيّا أصلح كنيستي المتداعيّة! هذا الصوت ملأ كيان فرنسيس لقد تنازل المسيح وأوكل إليه مهمّة إصلاح كنيسته. بعفويّة وبساطة وتواضع تصدى لإصلاح الكنية، فبقدوة سلوكه، وقداسة سيرته، وتقيُّده المطلَق بصفاء الإنجيل وأصالته، تقيّد بوصايا معلّمه يسوع المسيح، احتفظ بإخلاصه المطلق للمؤسسة الكنسيّة، وهكذا توفق في تجسيد تطلّعات قاعدة عريضة من المسيحيّين الحقيقيّين، الذين يُمثّلون الكنيسة الحقّة، والذين كانوا يُطالبون بممارسة الإنجيل، بلا تشويه، رغم تخاذل الإكليروس وتهافته، وبممارسة الفقر الإنجيلي، رغم انغماس الأساقفة في حمأة الثروة وارتباطهم بـ الإقطاعية.
ما أحوجنا اليوم يا فرنسيس أن تضع يدك بيد الكنيسة، وكما أنار قلبك وذهنك وصايا المسيح، وسط مجتمع كنسيّ جمّدته العقلية الإقطاعية، وكبّلته، كانت انطلاقتك التبشيرية دعوة إلى الحركة، والسير، في إثر الرسل، إلى العالم أجمع. لإسماع كلمات يسوع الصافية، الخالدة باعثة الحياة. وعلى نقيض المؤسّسة الكنسيّة المرهقة بممتلكاتها، وعقاراتها الشاسعة، التي جعلت خطاها وكأنها مثقلة بالرصاص، التزمت يا فرنسيس بالفقر المطلق وتخلّي عن كل امتلاك وعن كل صلة بالأرض بل على كل مسكن ثابت فاكتشفت خفة السير، ورشاقة الارتحال وتوثُّب الشباب، ونفاد صبر الرسول، وفرحت يا فرنسيس بأداء الرسالة، واكتشفت أن الإنجيل هو ارتماء بين ذراعي الرب، وسعي الرب نحو البشر.
رمي ثيابه أمام والده ورمى ذاته في قلب يسوع، لكي يكون متحررًا من ذاته ومقدمًا ذاته، دون قيد أو شرط للمسيح الذي أحبّه مطلقًا، لا يعرف الحدود ولا الشروط.
إن معاصري القديس فرنسيس أسعدهم الحظ برؤيته واستماعه يا ليته يعود ويكلمني ويقول لنفسي: لا تتراجعي أمام أي جهد في سبيل يسوع، لا تتراجعي أمام أيّ إصلاح عادل، وأيّ بذل، وأي حوار مع يسوع. فيسوع ليس رخيصًا، والحب لا يشترى بالذهب، وإنّما بالحب، فهل أفهم هذه الحقيقة كما فهمها القدّيس فرنسيس؟