الجمعة 27 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

«البوابة نيوز» ترصد أسبابها| انهيار العقارات.. حوادث متتالية في وقت قصير.. عمارات متهالكة وأبنية عشوائية والغش في مواد البناء أبرز الأسباب

أرشيفية
أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

خلال الأشهر القليلة الماضية، نشهد حوادث انهيار العقارات فى المحافظات المختلفة، التى قد تسبب فى سيل الدماء تحت أنقاضها وإحداث بعض الإصابات لآخرين، وهى بمثابة كابوس يستيقظ عليه سكان هذه المبانى والدولة ممثلة فى الأجهرة والجهات المعنية.

إلا أن الدولة تبذل جهودا كبيرة لتطوير العقارات وتقنين أوضاعها وإزالة كافة المخالفات، ومازالت هناك حاجة لمعرفة لأسباب انهيارها والتصدى والتعامل معها بحزم.

انهيار عقارات آيلة للسقوط

وكشفت البيانات الرسمية لتعداد المنشآت لعام ٢٠١٧ التى أعدها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن عدد العقارات الآيلة للسقوط من دون أن يتخذ إجراء بشأنها يبلغ ٩٧٥٣٥ عقاراً موزعة على كافة أنحاء الجمهورية.

وتصدرت محافظة الشرقية القائمة من العقارات الآيلة للسقوط بواقع ١١٤٣٠ عقاراً تمثل ١١.٧٪ من إجمالى العقارات الآيلة للسقوط، وتصنف هذه العقارات بالتعداد تحت بند «غير قابل للترميم ومطلوب الهدم»، تليها محافظة المنيا بإجمال ١٠٤٢٤ عقاراً، ثم سوهاج بإجمال ٧٣٧٠ عقاراً ثم الدقهلية بواقع ٧٠٩٥ مبنى.

عقوبات الغش فى مواد البناء

نص قانون البناء رقم (١١٩) لسنة ٢٠٠٨ على عقوبات ضد جرائم الغش فى أعمال البناء وما يترتب عليها تصل إلى الحبس والغرامة.

ونصت المادة (١٠٤) على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مثلى قيمة الأعمال المخالفة بحد أدنى ٥٠ ألف جنيه، ولا تجاوز ثلاثة أمثال قيمة الأعمال المخالفة أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أقام أعمالاً من دون مراعاة الأصول الفنية المقررة قانوناً فى تصميم أعمال البناء أو تنفيذها أو الإشراف على التنفيذ أو فى متابعته أو عدم مطابقة التنفيذ للرسومات والبيانات أو المستندات التى منح الترخيص على أساسها أو الغش فى استخدام مواد البناء أو استخدام مواد غير مطابقة للمواصفات المقررة.

وتنص المادة على أنه إذا نتج من ذلك سقوط البناء كلياً أو جزئياً أو صيرورته آيلاً للسقوط كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن مثلى قيمة الأعمال المخالفة ولا تزيد على ثلاثة أمثال قيمة الأعمال المخالفة.

حوادث آخر ثلاثة أشهر من العام الحالي

ففى سبتمبر الجاري، شهدت منطقة بولاق أبوالعلا بمحافظة القاهرة، انهيار عقار قديم مكون من ٣ طوابق، دون وقوع أى إصابات بشرية أو خسائر فى الأرواح.

وقبل هذه الواقعة انهار عقار مكون من ٤ طوابق فى شارع الباشا بمنطقة الترعة البولاقية بشبرا، وتم انتشال ٤ جثث بينهم طفلة من أسفل ركام عقار.

يأتى هذا الحادث بعد أيام قليلة من انهيار عقار مكون من ٤ طوابق بمنطقة الزيتون شرق العاصمة، أسفر عن وفاة شخص وإصابة ٤ آخرين، وسبق ذلك انهيار عقار ثالث فى منطقة «أرض الجولف» شرق القاهرة، ما تسبب فى مقتل اثنين وإصابة ٥.

أيضًا انهار عقار مكون من ٤ طوابق بمنطقة النزهة فى مدينة نصر، وتمكنت قوات الحماية من استخراج جثتين "رجل وسيدة" من أسفل العقار المنهار، وإصابة ٤ أشخاص.

وفى الإسماعيلية وقع حادث انهيار العقار رقم ٢٥ بمنطقة الكوكاكولا بحى ثالث، وتبين بالمعاينة الميدانية عدم وقوع خسائر فى الأرواح، حيث إن العقار خالٍ من السكان وصادر له قرار إزالة من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط، وتم قطع المرافق عنه منذ العام الماضى ٢٠٢٣. 

حوادث متكررة

فى أول أغسطس الماضي، تلقت الأجهزة الأمنية، بلاغًا بانهيار منزل من ٥ طوابق فى الساحل، راح ضحيته ٤ مواطنين، وأشارت المعلومات الأولية إلى أن سبب انهيار العقار قيام ساكن بالطابق الأول بالعقار بأعمال مخالفة دون تصريح من الحى بهدم أحد الحوائط الداخلية الحاملة بغرض التوسعة، ما أثر على العقار وأدى إلى انهياره.

وفى يونيو الماضي، انهار منزل قديم مكون من ٥ طوابق فى شارع النبى دانيال بمدينة «ميت غمر» فى محافظة الدقهلية، مما أودى بحياة طفل وإصابة سيدتين، تم نقلهما إلى مستشفى مدينة «ميت غمر» التابعة للمحافظة لتلقى العلاج، ووقع الحادث بسبب ارتطام رافعة لنقل الأثاث المنزلى كان يستخدمها أحد السكان بالمنزل.

أسباب الانهيار

قال الدكتور محمد ابراهيم جبر، أستاذ التخطيط العمرانى بجامعة عين شمس، إن انهيار العقارات أصبحت شبه ظاهرة مرتبطة بمجموعة عوامل، منها أنه هناك الكثير من المناطق العشوائية تم بناؤها على الأحيزة الزراعية، ومعظم من قاموا بعملية التنفيذ مقاولين قطاع خاص، وليسوا بمتخصصين.

وأشار "جبر"، إلى أنه كان هناك غياب للرقابة من الدولة على المبانى التى تم إنشاؤها بعيدًا عن أعينها خلال السنوات الماضية، بدون اشتراطات بيئية أو مخططات أو إشراف هندسي.

وتابع «جبر»، فى تصريح لـ«البوابة»، بأن تقلص الإشراف الهندسى أو الدور الرقابى فى الإشراف على بناء هذه المبانى قطعًا يعرض معظمها لمشكلات متعلقة بالتصميم الإنشائى وجودة التنفيذ وما إلى ذلك.

وأوضح أن هذا الأمر ساهم فى تنامى العشوائيات بصورة كبيرة جدًا بعيدًا عن أى تصورات تخطيطية، ولكنها مجرد «اجتهادات بشرية» بدون خبرة فى هذا المجال.

آليات التصدى لمخالفات البناء

وأشار إلى أن هناك نوعين من المبانى السائد فى العموم، منها المبنى الهيكلى مبنى بالخرسان، وهو النوع الذى قد يحدث به المشاكل وينهار بعد سنوات، لأن الناس لا تدرك آليات التعامل مع العمود الخرسانى من الناحية الفنية أو التقنية.

وطالب الدولة بالإشراف والرقابة على ما يتم بناؤه فى كل بقعة من بقاع الجمهورية، بالإضافة إلى أن العقارات التى تنفيذها وموجودة فى الوقت الراهن من المفترض أن يحتاج إلى نوع من أنواع التوثيق من الجهات المعنية.

ففى حقيقة الأمر أن المصالحات على مخالفات البناء كان يتضمن من شروطه تقديم مالك العقار تقريرا إنشائيا يفيد بحالة المبنى الإنشائية وتأثير التعديلات أو الإضافات عليه، وهو أمر إيجابى جدًا، لأنه يسمح للدولة بعمل خريطة بالعمران داخل الجمهورية ككل.

وأوضح، أن المناطق العشوائية التى تم بناؤها بعيدًا عن أعين الدولة ليست بموثقة معماريًا أو إنشائيًا أو شكل المبنى وإمكانيات تحمله وغيرها، فلا توجد خرائط عمرانية لمجمل عمران الدولة بالكامل.

وبالتالى تتحرك الدولة فى شقين، الأول: تطبيق الرقابة الشديدة على ما يتم بناؤه لاحقًا، ومواجهة أخطاء المبانى القديمة من خلال ملف المصالحات، حيث إنه من الصعب السيطرة على مشاكل العمران دون وجود توثيق لعناصر الحيز العمرانى فى كافة ربوع الدولة؛ مطالبًا بوجود إشراف هندسى حقيقى قبل بناء أى عقار يتم تنفيذه.

مبان آيلة للسقوط

من جهته؛ يرى الدكتور سامح العلايلي، الأستاذ المتفرغ والعميد السابق لكلية التخطيط العمرانى جامعة القاهرة، أن انهيار العقارات تمكن تحت نوعين من المباني، الأول: عقار قديم لم يتم عمل أى صيانة له نتيجة العديد من الأسباب منها الإيجار القديم المخفض وغيرها، والثاني: عقار جديد خارج الاشتراطات الهندسية.

وأوضح "العلايلي"، أن الحصول على رخصة بناء لابد أن يقدم المالك عدة أوراق منها الاشتراطات ويكون هناك مراقبة ومراجعة لعملية البناء، وما هو لا يحدث فى بعض الأحيان، بما يسمح بوجود تعديات ومخالفات ينتج عنها سقوط المبنى فى نهاية الأمر.

واضاف «العلايلي»، فى تصريح لـ«البوابة»، أن غياب الرقابة على عمليات البناء وعدم الالتزام بالرخصة الصادرة ينتج عنه مبان غير مطابقة للمواصفات الهندسية وغير دقيقة.

وطالب الإدارة المحلية وإدارة العمران المسئولة عن التراخيص ومراقبة عمليات البناء بالقيام بدورها الصحيح كما يجب أن يكون والحد من التجاوزات العمرانية، حيث تحتاج إدارة العمران إلى إعادة تنظيم، فهى الجهة المسئولة عن منع هذه التجاوزات؛ موضحًا أن العقارات الآيلة للسقوط الصادر بحقها قرار إزالة لابد من تنفيذ القرار مع توفير سكن بديل لسكان هذه العقارات.

الحل السليم

وأوضح الدكتور عبدالله العريان، أستاذ متفرغ من كلية التخطيط العمرانى بجامعة القاهرة، أن المبانى التى تم بناؤها بدون ترخيص هى معرضة لأى أزمة، فهى مبان عشوائية ومشكلة متراكمة منذ سنوات طويلة، تتحرك الدولة عندما تظهر المشكلة وينهار العقار، فلابد أن يكون التحرك عند اللحظات الأولى من البناء وهو بدون ترخيص، حيث يجب أن يقوم مهندسو الأحياء بحالة تفتيش مستمر.

وأشار إلى أن إنجلترا على سبيل المثال تقوم بإجراء تفتيشي، يتم تقسيم كل حى لمناطق، وكل منطقة لها مهندس محدد خاص بها يقوم بمرور مستمر يومي، لحصر كامل لكافة أعمال البناء التى تتم سواء كان برخصة أو بغير رخصة ومخالف وهكذا.

واستكمل «العريان»، فى تصريح لـ«البوابة»، أن النظام العمرانى فى مصر ترك الأزمة بعد ما يكتمل البناء، وتكون الحلول متأخرة، فإن العقارات القديمة لابد أن يكون لها صيانة سنوية أو نصف سنوية على الأقل ورقابة وتفتيش، فهناك حاجة لوجود مكتب داخل كل حى مسئول عن هذا الأمر، فإن إنجلترا تمتلك تجربة قوية جدًا فى هذا الملف الهام.

ولفت إلى أن مصر تحتاج إلى تقسيمها إلى مناطق الخطورة العالية والمتوسطة والضعيفة، ومعرفة نوع التربة، فعلى سبيل المثال محافظة الإسكندرية هى تربة صخرية فخارية، فهناك مدينة أخرى تحت المحافظة مبنية منذ قديم الأزل، وبالتالى تشهد حوادث انهيار عقارات عديدة.

وأكد ضرورة وجود نظام إدارى قوى من الأحياء والمحافظين لمواجهة التعديات والمخالفات التى تتم بحق العقارات، متسائلًا عن أسباب عدم تنفيذ قرارات الإزالة الصادرة بحق العقارات الآيلة للسقوط، فهى ضمن مهام الأحياء.

وأشار إلى أن الدولة قوية الآن تستطيع تنفيذ القرارات التى تصب فى صالحها وصالح المواطنين أيضًا، ووضع هذا الملف فى الحسبان للحد من الخسائر البشرية والمادية.