التكثيف الأخير للضربات الإسرائيلية فى جنوب لبنان يشير إلى مقامرة عالية المخاطر لإجبار حزب الله، الميليشيا القوية المدعومة من إيران، على التراجع. ومع ذلك، فإن الأعمال العسكرية المتصاعدة تشير إلى أن هذا الهدف بعيد المنال. وبدلاً من ذلك، يبدو أن كلا من إسرائيل وحزب الله يقتربان من صراع شامل، مما يثير الإنذارات فى جميع أنحاء المجتمع الدولي.
الحسابات الاستراتيجية الإسرائيلية
إن الحملة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، التى تضمنت غارات جوية مستهدفة وتحذيرات الإخلاء، تكشف عن تصميم واضح على كسر عزيمة حزب الله. ووفقًا للأدميرال البحرى دانيال هاجاري، المتحدث العسكرى الرئيسى فى إسرائيل، فإن التركيز الحالى ينصب على حملة جوية واسعة النطاق تهدف إلى تفكيك البنية التحتية لحزب الله دون الالتزام بغزو بري. وتعتقد الحكومة الإسرائيلية أن الضغط العسكرى المتزايد قد يجبر حزب الله فى نهاية المطاف على وقف هجماته عبر الحدود. لقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أن حرب إسرائيل هى مع حزب الله، وليس مع الشعب اللبناني، وحث المدنيين على إخلاء المناطق التى تستخدمها الجماعة لتخزين الأسلحة.
ورغم هذه الجهود، فإن الوضع على الأرض لا يزال محفوفاً بالمخاطر. ويواصل حزب الله الضربات فى عمق الأراضى الإسرائيلية، فى إشارة إلى تحديه. وفى يوم الأحد الماضي، شن حزب الله أعمق ضرباته الصاروخية منذ اندلاع الحرب، وهى الخطوة التى تم تفسيرها على أنها تحد مباشر للاستجابة الإسرائيلية المتصاعدة. وقد تحدى حسن نصر الله، زعيم حزب الله، إسرائيل علناً بغزو جنوب لبنان، مما رفع المخاطر بشكل أكبر. وتواجه إسرائيل، التى تعانى بالفعل من استنزاف شديد بسبب العمليات الجارية فى غزة والضفة الغربية، معضلات عسكرية واستراتيجية حرجة.
موقف حزب الله
لا تزال قيادة حزب الله ثابتة فى رفضها التراجع، وتربط هجماتها المستمرة بالصراع الإسرائيلى الفلسطينى الأوسع. وقد أعلن حزب الله أنه سيواصل عملياته حتى يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس. ويضيف هذا التحالف القوى مع حماس طبقة أخرى من التعقيد إلى الصراع. ويزعم خبراء مثل محلل الشرق الأوسط على رزق أن تصرفات حزب الله لا تحركها أهداف عسكرية فحسب، بل وأيضاً ضغوط سياسية من حليفتها إيران. كما حذرت طهران من عواقب وخيمة إذا تصاعدت العمليات العسكرية الإسرائيلية أكثر.
تشكل القدرات العسكرية لحزب الله تحديات كبيرة لإسرائيل. فالجماعة مدربة تدريباً جيداً وتعمل فى التضاريس الجبلية فى جنوب لبنان، والتى توفر ميزة استراتيجية مقارنة بقطاع غزة المكتظ بالسكان والمسطح. بالإضافة إلى ذلك، فإن البنية التحتية العسكرية لحزب الله، والتى تشمل شبكة متطورة من الأنفاق والأسلحة المتقدمة، تعقد أى غزو برى محتمل من قبل إسرائيل.
الاستجابة الإقليمية والدولية
أثار التصعيد بين إسرائيل وحزب الله حالة من الذعر فى جميع أنحاء العالم. وأعرب أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، عن قلقه العميق إزاء الخسائر المدنية الناجمة عن الغارات الجوية على الجانبين. وحذر رئيس السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، من أن الوضع على وشك أن يتحول إلى حرب شاملة. دعت القوى الإقليمية، بما فى ذلك المملكة العربية السعودية، إلى ضبط النفس، خوفًا من أن ينتشر الصراع خارج حدود لبنان ويغرق الشرق الأوسط بأكمله فى حالة من الاضطراب.
أعرب ديفيد لامي، وزير الخارجية البريطاني، أيضًا عن قلقه إزاء ارتفاع حصيلة القتلى المدنيين، داعيًا إلى وقف فورى للأعمال العدائية. يعكس بيانه الإجماع المتزايد بين الدبلوماسيين الغربيين على ضرورة وقف مسار العنف الحالى قبل أن يتحول إلى صراع إقليمى أوسع نطاقًا.
لقد اتخذت الولايات المتحدة دورًا أكثر نشاطًا، حيث يعمل المبعوث الكبير آموس هوكشتاين على الجهود الدبلوماسية لتهدئة التوترات على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. وأكد الرئيس جو بايدن أن الولايات المتحدة "تعمل على تهدئة التوترات بطريقة تسمح للناس بالعودة إلى ديارهم بأمان". ومع ذلك، يشكك الخبراء العسكريون فى المدة التى يمكن أن تستمر فيها مثل هذه الجهود الدبلوماسية فى صد غزو برى كامل النطاق.
الخسائر الإنسانية
مع تكثيف الصراع، تتزايد الخسائر الإنسانية. فر عشرات الآلاف من المدنيين من منازلهم فى جنوب لبنان، بحثًا عن ملجأ من الغارات الجوية الإسرائيلية. وتشير تقارير وزارة الصحة اللبنانية إلى مقتل نحو ٥٠٠ شخص فى يوم واحد من القصف، وهو أعلى عدد من القتلى منذ الحرب الأهلية فى لبنان. وأصبحت عمليات الإجلاء والنزوح حقيقة قاسية بالنسبة للأسر اللبنانية، حيث توضح الطرق المزدحمة والملاجئ المكتظة الوضع المزرى على الأرض.
إن العائلات مثل عائلة عبدالعفو، التى فرت مع أطفالها وسط الغارات الجوية، تسلط الضوء على التكلفة البشرية للعنف المتصاعد. وتعمل منظمات الإغاثة الدولية على تقديم الإغاثة، ولكن الوضع لا يزال حرجاً، مع مخاوف من أن يؤدى المزيد من التصعيد إلى كارثة إنسانية لا تمتلك المنطقة الاستعداد الكافى للتعامل معها.
المستقبل
إن كلا من إسرائيل وحزب الله منخرطان فى لعبة خطيرة من المجازفة، حيث لا يرغب أى طرف فى التراجع. وفى حين تدرس إسرائيل إمكانية الغزو البري، يواصل حزب الله ضرباته الصاروخية، ويصر على أن حملته سوف تستمر حتى يتم حل الوضع فى غزة. ويشير خبراء مثل المحلل الأمني ياكوف لابين إلى أن إحجام إسرائيل عن الانخراط فى عملية برية فى لبنان ينبع من صراعاتها المستمرة فى غزة والضفة الغربية. كما أن قدرة الجيش الإسرائيلى على خوض ثلاثة صراعات برية متزامنة موضع تساؤل، وخاصة مع بقاء الحرب مع حماس دون حل بعد ما يقرب من عام من القتال.
ومع بقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة، بما فى ذلك مشاركة مسئولين من الولايات المتحدة والأمم المتحدة، يظل الأمل قائما فى إمكانية تهدئة الصراع. ومع ذلك، فإن احتمال ارتكاب أى من الجانبين خطأ أو سوء تقدير يلوح فى الأفق، مما يجعل الوضع الحالى واحدا من أكثر الأوضاع تقلبا فى المنطقة فى السنوات الأخيرة.
بوابة العرب
صراع على شفا حرب شاملة.. تل أبيب تراهن على تراجع نصر الله.. الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتزايدة تهدف لوقف الهجمات على الحدود.. والحزب يؤكد استمرار المقاومة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق