لا أعلم من هو صاحب فكرة انتشار ظاهرة "السبلايز"، ومن بعدها جروبات "الماميز"، ولكن ما نشهده جميعا أننا أمام فجوة مجتمعية كبيرة في التعليم، فكلما ضاقت ذات اليد نتيجة للأزمات الاقتصادية الطاحنة، تراجع التعليم الحكومي، وتفوق التعليم الخاص وتوغل بأفكاره ومشتملاته التي تعتمد اعتمادا كليا على الظروف المادية للأسرة المصرية.
أقرب مثال على الفجوة التعليمية، تشديد بعض المدارس الخاصة أو الدولية على توفير سبلايز متقدمة كجزء من الرسوم الدراسية "أدوات مكتبية حديثة وإلكترونية وغيرها" والتي قد يفوق سعرها 10 آلاف جنيه، وبالتالي، يرى البعض أن الطلاب يعيشون تجربة تعليمية مميزة وشاملة تواكب ما نحن فيه من تطور تكنولوجي، بينما الجانب الآخر وهم طلاب الحكومة يعانون من نقص مثل هذه الإمكانيات.
ونقص الإمكانيات هنا لا يشمل السبلايز فقط، فهي مجرد ظاهرة مستحدثة، ولكن هناك فجوة حقيقية وملموسة بين التعليم الحكومي والخاص، أولها ارتفاع كثافة عدد الطلاب في فصول المدارس الحكومية مقارنة بعدد الطلاب بالمدارس الخاصة، هذا بالإضافة إلى إهمال التعليم الحكومي للأنشطة البدنية وتنمية هوايات الطلاب، ولا يمكن لأحد أيضا إنكار إهمال بعض المدرسين للغة الإنجليزية، فضلا عن النطق غير الصحيح لها، وهو ما يعانيه بشدة طلاب التعليم الحكومي، بينما الخاص والدولي يتوافر فيه أمهر المعلمين المتخصصين.
المدارس الخاصة أو الدولية تختلف تماما عن المدارس الحكومية فهي عكسها في جميع الاتجاهات تعتمد على تبسيط المناهج وتطويرها لتصبح معاصرة لتطورات المجتمع، وتهتم بتنمية الإبداع عند الطلاب وتقليل الأعداد بالفصول، كما أنها تهتم باللغة الانجليزية بشكل أساسي، وهنا يتضح أن التعليم المتميز لمن يستطيع ماديا فقط، وبالتالي، تتسع الفجوة بين "طلاب الحكومة والخاص" ولن نجد أي تكافؤ في الفرص، ولن يكون التعليم سبيلا لتحقيق العدالة الاجتماعية، لأنه أصبح يعتمد كليا على الإمكانيات الاقتصادية للأسرة فقط.
أما عن الجانب النفسي في مثل هذه التفاصيل، فقد يلعب دورا كبيرا في نفوس الطلاب، ونجد أن طلاب الحكومة ربما يشعرون بالخجل والإحراج بسبب إمكانياتهم المحدودة، وبالتالي يؤدي هذا الشعور إلى تراجع في الأداء الأكاديمي، بينما الطلاب الذين يتمتعون بدعم مادي كاف يكون لديهم ثقة أكبر بأنفسهم وقدرة على تحقيق نجاح أكاديمي أكبر.
ناهيك عن أزمة الفجوة في "جروبات الماميز" والتي لا أعلم أيضا لماذا يطلقن على أنفسهن "ماميز"، فهن يتسابقن على شراء "السبلايز" والماركات العالمية من أجل تفوق وتميز أبنائهن وربما يصل الأمر إلى حد الاستعراض المادي لمن يستطيع أن يدفع أكثر ويأتي بماركات أعلى، هذا بالإضافة إلى زيادة دراسة بعض مواد اللغات بالمدارس الخاصة عن المواد المقررة بمدارس الحكومة والتي تجعل طلابهم أكثر تميزًا.
المقارنة بين هذا وذاك، كثيرة جدا والأمثلة، لا تخفى على أحد، ولأن المقارنة فاقت الحدود والتوقعات، ونتمنى على الحكومة أن تعمل سريعا من أجل تقليل هذه الفجوة في التعليم، لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وأن تكون حريصة على تقدم مستوى مدارسها بتوفير الاحتياجات اللازمة لذلك من أجل مستوى تعليمي مميز لطلابها، وحل أزمة رواتب المعلمين واختيار المميزين منهم خاصة في اللغات، بالاضافة الى توفير فصول آدمية وامكانيات تجعل الطلاب في بيئة تعليمية مريحة، ومن ثم توفير مستلزمات "السبلايز" لجميع الطلاب بشكل مجاني أو بأسعار مدعومة، والتي تفيد بالفعل العملية التعليمية وليست مجرد شكليات، وعليها مواكبة التطور التكنولوجي وتقديم الدعم اللازم للمدارس لتصبح قريبة من نهج مستوى المدارس الخاصة.
وأخيرا.. علينا أن نؤمن جميعا حكومة وشعب بأن التعليم المتساوي سيكون الأكثر إنصافا وعدالة لأبنائنا.