احتفلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بعيد النيروز الذي يوافق الأول من توت لعام 1741 فى التقويم القبطي والمعروف باسم تقويم الشهداء، حيث يعتبر رأس السنة القبطية الجديدة بحسب التقويم المصرى القديم، وهو امتداد للتقويم المصرى القديم، الذى يعد من بين أقدم التقويمات فى تاريخ البشرية.
وعن ارتباط التقويم القبطي بالشهداء فيرجع إلى عهد الإمبراطور دقلديانوس الذي تعرض خلاله المسيحيون للكثير من الاضطهاد والظلم، وقد تم تصفير التقويم المصري القديم في عهد دقلديانوس فكان عام 284 ميلادي هو 1 قبطي وهو عام 4525 بحسب التقويم المصري القديم، ومن هنا ارتبط هذا التقويم بيوم الشهداء لدى الأقباط، نظرا لارتفاع عدد الشهداء الذي بلغ تقريبا 840 ألف شهيد.
و"عيد النيروز" هو أول يوم في السنة الزراعية الجديدة، وأتى مسمى "نيروز" من الكلمة القبطية "nii`arwou - ني – يارؤو" وهى تعني "الأنهار" فى العربية، لأن هذا الوقت من العام هو ميعاد اكتمال موسم فيضان النيل - سبب الحياة في مصر.. وحينما دخل اليونانيون مصر؛ أضافوا حرف السي للأعراب كعادتهم.
وعيد النيروز في مصر هو رأس السنة المصرية أو القبطية، أما عيد النيروز "الفارسي" الذى تحتفل به إيران ودول وسط آسيا، فهو بداية فصل الربيع بمناسبة السنة الفارسية الجديدة، وتعني اليوم الجديد "ني = جديد" ، "روز= يوم" وهو عيد الربيع عند الفُرس ومنه جاء الخلط من العرب.
ويقول ماجد منير عضو لجنة كنيسة رؤساء الملائكة بأم المصريين : إن الكنيسة المصرية تنفرد بالاحتفال بعيد النيروز والذي يرجع إلى الحضارة المصرية القديمة حيث كانت تحتفل مصر القديمة بأول أيام السنة الزراعية حيث تغيير المناخ نظرًا لاعتماد تلك الحضارة العريقة على الثروة الزراعية.
وأضاف " منير " يوم رأس السنة القبطية يُعد امتداداً للتقويم المصري القديم، والتقويم القبطي مكون من 13 شهرا ويحمل نفس الشهور القديمة بلا أي اختلاف في العدد أو الأسماء يبدأ بشهر توت وينتهي بشهر نسيء.
وصار "توت" هو إله القلم والحكمة والمعرفة ، فهو الذي اخترع الأحرف الهيروغليفية التي بدأت بها الحضارة المصرية لذلك خلدوا اسمه على أول شهور السنة المصرية والقبطية.
وأوضح عضو لجنة الكنيسة في تصريح خاص لـ"البوابة نيوز"، أن التقويم القبطي هو تقويم نجمي يبدأ من يوم 12 سبتمير من كل عام حيث قسم المصريون القدماء السنة إلى 13 شهراً وكل شهر 30 يوماً، والشهر الأخير هو الشهر القصير ويتكون من 5 أو 6 أيام فقط.
والشهور القبطية هي توت وبابه وهاتور وكيهك وطوبة وأمشير وبرمهات وبرمودة وبشنس وبؤونة وأبيب ومسري ونسيء.
وشهر نسيء معناه في اللغة القديمة «العقيب»، وعرف بالقبطية باسم الشهر الصغير، وهو خمسة أيام في ثلاث سنوات متتالية، وفي السنة الرابعة يكون فيها ستة أيام حيث تكون سنة كبيسة.
أما عن طقوس الكنائس في هذه الأيام، يقول "منير" معظم الكنائس توزع البلح الأحمر والجوافة ، حيث يمثل اللون الأحمر للبلح دم الشهداء الذي سفك حبا، و(النواة) تمثل صلابة الشهداء وتمسكهم بإيمانهم، ويشير النخيل الذي يثمر البلح بأن نقابل السيئة بالحسنة كالنخيل إذا رميت بحجر قابلت الرجم بالتمر.
أما عن رمز الجوافة، فقال الجوافة تمثل القلب الأبيض للشهداء الذين سفكوا دماءهم من أجل المسيح، وبذورها الكثيرة ترمز لعدد الشهداء الذين استشهدوا وتحملوا الآلام، فالبنسبة للكنيسة الاستشهاد فرح وليس حزنا.
ومن الناحية التاريخية، كتب العلامة المقريزي عن احتفلات هذا العيد في شيء من التفصيل في موسوعته فقال عنه ( هو أول السنة القبطية بمصر؛ وهو أول يوم من "توت " وسنتهم فيه إشعال النيران؛ والتراش بالماء ؛وكان من مواسم لهو المصريين قديما وحديثا . وكانت تتعطل فيه الأسواق وتفرق فيه الكسوة لرجال أهل الدولة وأولادهم ونسائهم وحوائج النيروز من فاكهة الموسم البطيخ والرمان والموز والبلح... وكثيرا كان الخليفة يتدخل فيصدر أمره بمنع إيقاد النيران ليلة النوروز ومن صب الماء في نهاره عندما يزيد الأمر عن حده فيأخذ من يخالف ليحبسوا وآخرين فيطاف بهم علي الجمال لجرسهم "أي فضحهم ".
ومن أشهر الحوادث المرتبطة بالنيروز في التاريخ الكنسي ما جاء في سيرة البابا يؤانس السادس عشر البطريرك (103) من سلسلة بطاركة الكنيسة القبطية والشهير بالطوخي (1676-1718 م) أن فيضان النيل جاء منخفضا ؛ فتوجه الأب البطريرك إلي كنيسة ستنا العدري بالعدوية (كنيسة السيدة العذراء بالمعادي حاليا وهي إحدي المحطات المهمة في رحلة العائلة المقدسة إلي أرض مصر، فمنها توجهت العائلة المقدسة إلي الصعيد ) ومعه مجموعة من الآباء الكهنة في يوم عيد النيروز، وصلي القداس هناك ، ثم صلي علي ماجور به قليل من الماء وسكبه في نهر النيل، وكرر هذا الأمر عدة أيام متواصلة ،فتحنن الله برحمته علي شعبه، وفاض النيل في اليوم الثاني عشر من شهر توت " .
وفي العصر الحديث وتحديدا في عام 1884؛ تكونت في أسيوط لجنة لإحياء التاريخ القبطي مكونة من تادرس شنودة المنقبادي، الخواجا يوسف إسرائيل سرجيوس قلتة، أبادير سمعان، مشرقي حنا، أبادير نخيلة، صليب ميخائيل، ساويرس حنا .
وقررت اللجنة ترتيب احتفال كبير بعيد النيروز وبالفعل تم هذا الاحتفال في سبتمبر 1885، وحضر الحفل مطران أسيوط في ذلك الوقت وقناصل الدول المختلفة وأعيان وموظفو أسيوط.
ومن أشهر الجمعيات التي تحتفل بعيد النيروز جمعية التوفيق القبطية والتي تأست عام 1891م، ولقد سنت هذه الجمعية سنة جميلة لم تحيد عنها وهي أن يكون خطيب الحفل الرئيسي من الأخوة المسلمين، ففي احتفالات عيد النيروز 1920 كان خطيب الحفل الرئيسي هو الزعيم الوطني الخالد سعد زغلول، وخطب بعده الشيخ مصطفي القاياتي والدكتور محجوب ثابت ورياض الجمل.
وفي احتفالات عيد النيروز عام 1923 تحدث سعد زغلول بعد عودته من المنفي عن دور الأقباط في الثورة وكفاحهم ضد المستعمر، وعن أهمية الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط ، وكان من بين ما قاله ( أن النهضة الأخيرة أوجدت هذا الاتحاد المقدس بين الصليب والهلال ...... ليس هناك إلا مصريون فقط .... ولولا وطنية الأقباط وإخلاصهم الشديد لقبلوا دعوة الأجنبي لحمايتهم وكانوا يفوزون بالجاه والمناصب بدل النفي والسجن والاعتقال ، لكنهم فضلوا أن يكونوا مصريين يسامون الحسف ويذوقون الموت والظلم علي أن يكونوا محميين بأعدائهم وأعدائكم – هذه الميزة يجب علينا أن نحفظها وأن نبقيها دائما في صدورنا) .
فيما يؤكد الدكتور إيهاب يونان الخادم بمطرانية المعادي، إن احتفالات عيد النيروز لا تقتصر فقط على مظاهر الاحتفال التقليدية من توزيع البلح والجوافة على أطفال مدارس الأحد، ولكن تقام على مستوى الإيبارشية خلال فترة الصيف مهرجان كبير شارك فيه نحو 4 آلاف من أبناء المطرانية من مختلف المراحل العمرية، ويسمي "مهرجان النيروز"، ويتم خلاله اكتشاف مواهب المخدومين بجميع كنائس المطرانية، حيث يستهدف المهرجان الذي يرعاه ويشرف عليه بشكل مباشر نيافة الأنبا دانيال مطران المعادي سكرتير المجمع المقدس، اكتشاف مواهب الأطفال والفتيان والفتيات والشباب في مختلف المجالات، الموسيقي والكورال والمسرح والفن التشكيلي والكتابة الأدبية، والعزف والتصوير الفوتوغرافي، وهو فرصة كبيرة لتنمية مهارات ومواهب المشاركين خلال فترة الصيف، وبعدها يتم إعلان النتائج قبل أيام قليلة من الاحتفال بعيد النيروز.
وأوضح أن مهرجان النيروز يشارك فيه لجان تحكيم متخصصة في مختلف مجالات التسابق، وهو ما يعني جودة العروض المقدمة، وأيضا الاستفادة من تبادل الخبرات، وزيادة الوعي الثقافي والفني في إطار روحي مميز.
وتقول ميريت لوقا تعمل في مجال التدريس، إن بداية النيروز والعام القبطي الجديد ارتبط معها بالتوزيع الجديد لفصول التربية الكنسية، حيث يقوم أمين عام الخدمة في كل كنيسة باختيار خدام كل مرحلة لتقديم الخدمة الروحية والكنسية لأبناء الكنيسة من مختلف الأعمار من مرحلة الحضانة وحتى الخريجين إلى جانب الخدمات النوعية الأخرى، مثل وسائل الإيضاح والكشافة وفرق المسرح والكورال، وفصول الشمامسة وغيرها.
وتضيف أن عيد النيروز اقترن معها أيضا بالبهجة والفرحة الغامرة بتوزيع البلح والجوافة على جميع من في الكنيسة في أجواء من المحبة التى تغمر الجميع، وتشير إلى أنه علي الرغم من وجود هذه الفاكهة في المنزل بكثرة، إلا أنها في الكنيسة يكون طعمها مختلفا وأحلى من العسل بحسب وصفها.